يشهد واقع الأسرة في ظل تأثير “مواقع التواصل” انعكاسا سلبيا على العلاقة بين الأبناء والوالدين من جهة وبين الزوجين من جهة أخرى.
أكدت الشريعة الإسلامية السمحاء على متانة العلاقة الأسرية لما تشكله من أهمية في طريق التكامل الاجتماعي الذي يعتبر من اسمى الغايات التي رسمتها السماء لسعادة البشرية ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويؤمنون بالله ) .
عند التمعن بالروايات الواردة عن الرسول عليه وأهل أفضل الصلوات, وما ينقل عن أهل بيت العصمة، نجد الاهتمام الشديد بالتنشئة الأسرية وهذا ما جسد فعلا وقولا كما هو معلوم للمطلع على سيرتهم العطرة.
لا يمكن الحديث عن الواقع العراقي كمفردة مواكبة للتقدم التكنلوجي الحاصل في المنطقة والعالم قبل التغيير السياسي الذي حصل في البلد، اذ ان شعوب المنطقة ونظرا للاستقرار السياسي والانسجام بين الحالة المجتمعية والطبقة السياسية الحاكمة لتلك البلدان، قد سبقت العراق بمقاطع زمنية مهمة وخطت خطوات سريعة بهذا الاتجاه، الأمر الذي مكنها من الولوج تدريجيا لمختلف الفضاءات الغير معهودة مما سهل عملية هضمها لكل ما هو جديد فانعكس على تعاطيها المتزن مع المستجدات بعيدا عن الافراط السلبي الذي من شانه التاثير على المنظومة القيمية والاجتماعية لتلك الشعوب.
الامر مختلف مع الحالة العراقية حيث الانقطاع والانعزال التامين عن العالم الخارجي خلال تلك الحقبة الزمنية، فلم يكن هذا الكم الهائل من الفضائيات ولا وسائل الاتصال المتنوعة متاحا، بحيث كان ينظر من زاوية تلك الحقبة لما هو عليه الوضع الان كلقطة نادرة من افلام الخيال العلمي!
ان الاسلوب المتبع من قبل السلطة انذاك، كان المراد منه هو التعتيم الكامل على ابناء الشعب والحيلولة دون اطلاعهم على حقيقة الرفاهية التي تنعم بها شعوب المنطقة والعالم، يضاف لها الحصار الاقتصادي وتداعياته, فاصبح الفرد العراقي جزء من روتين متوارث يتسم بالبساطة التي يشكل الهاجس الامني لدى الفرد عصب السلوك اليومي.
من خلال هذا التصور يمكن استحضار النشاط اليومي للمواطن انذاك والذي اعتاد على برنامج لا يمكنه من الالتفات إلى نوبات الملل والرتابة الناجمة عنه، فعادة ما يكون يومه عبارة عن عملية البحث عن لقمة العيش ثم الذهاب إلى النوم, ان تمت له السلامة من بطش السلطة، فلم يكن البحث عن الامور الترفيهية واردا في مخيلته، بل كان بنظر البعض احاديث عما وراء الطبيعة!
رغم مرارة هذا الواقع لكن هنالك ثمة شيء ايجابي يتمثل بانصهار الفرد ضمن بودقة الاسرة، اذ لا مغريات تبعده عن هذا الكيان المقدس مما يجعل المرء على دراية بما يخص شأن العائلة وتلبية متطلباتها المادية والنفسية وهذا من شانه تعزيز جانب الوئام والمحبة والاهتمام المتبادل .
لايمكن القفز على الحقائق وتجاهل الدور الفاعل للتواصل الاجتماعي في اختصار الزمن وتقريب المسافات وسرعة المعلومة ومواكبة الحداثة .
الا إن الوضع بالنسبة للمجتمعات المحافظة يمثل( شرا لابد منه )كونه اصبح ضرورة ماسة من ضرورات الحياة وهذا لا يعني تعميم الحالة السلبية و التعامل معها على انها مرض متفشي بقدر ما هو نوع من الاشكاليات المتناثرة في زوايا المجتمع والتي يمكن السيطرة عليها اذ ما توفرت الارادة والوعي الاجتماعي العالي .
من بين السلبيات التي سببها العالم الافتراضي هو تاثيره على مستوى رعاية الاب للاسرة خصوصا الاطفال حيث المتابعة القليلة والمنعدمة احيانا أخرى كون الوقت يقسم بين العمل والوظيفة من جهة وبين العالم الافتراضي من جهة أخرى مما يعني ان الاطفال لا حصة لهم من عطف الوالدين وحنانهم الامر الذي ينعكس سلبا على الوئام الاسري .
اما ما يخص العلاقات الزوجية فهي الاخرى لها النصيب الاوفر من تاثيرات هذا العالم اذ تؤكد الاحصاءات الواردة من المحاكم العراقية ارتفاع نسب الطلاق في مختلف المحافظات العراقية حيث تجاوزت اعداد حالات الطلاق في احد الاشهر ال 5000 حالة وهذه نسبة خطرة في مجتمع محافظ كالمجتمع العراقي .
بشكل اجمالي وصلت حالات الطلاق إلى 516 الف 784 حالة خلال الاعوام من
2004 ـــ20014 في وقت كان مجموع حالات الزواج خلال نفس المدة 2 مليون و623 الف و883 حالة مما يعني ان حوالي 20 من هذه الزيجات انتهت بالطلاق وتشير تلك الارقام إلى ان حوالي 145 حالة طلاق يوميا و6 حالات كل ساعة مما يعني ان كل 10 دقائق توجد هنالك حالة طلاق .
الامر الذي لابد من الاشارة اليه هو ان اكثر تلك الحالات تعود اسبابها للاستحدام السيء لهواتف الذكية او مواقع التواصل الإجتماعي .