قد يُقال إن حزب الله لم يخترع ولم يبتدع ولم يضف بطائفيته شيئا جديدا إلى المعادلة السياسية في بلد لا يُسمي المرء إلا بطائفته.
اللبنانيون طائفيون قبل الحرب الأهلية (1975 – 1990) وبعدها، غير أن طائفية لبنانيي ما قبل الحرب هي ليست طائفيتهم بعدها.
بسبب الحرب امتزج الحس الطائفي بشحنة قوية من القسوة والحقد والخوف والريبة والخيبة والرفض والاستصغار والتآمر في كل ما يتعلق بالآخر اللبناني الذي يقف عند المستوى نفسه من اضطراب الحواس.
لقد تحول اللبنانيون كلهم إلى انعزاليين، في حين كانت تلك الصفة تلصق بفئة أو حزب أو تكتل واحد قبل الحرب.
كان من الممكن قبل الحرب أن تقوم جبهة وطنية عابرة للطوائف يقودها سياسيون كبار من أمثال كمال جنبلاط ورشيد كرامي وجورج حاوي. وهو ما لم يعد ممكنا اليوم في ظل سيادة لغة السلاح الطائفي.
تحتمي الطوائف اللبنانية اليوم وراء ميليشياتها الكبيرة منها والصغيرة على حد سواء، ولكل واحدة من تلك الطوائف فكرتها عن الحرب الأهلية القادمة.
كان لبنان يمازح إرثه من الفلكلور الطائفي، فيما تساوي اليوم كل كلمة طائفية رصاصة توجه إلى صدر لبناني محكوم عليه سلفا باعتباره عدوا محتملا. من رحم ذلك التحول خرج حزب الله بعيدا عن التجاذبات العربية التي جعلت من لبنان ساحة لحرب الآخرين، كما كتب غسان تويني ذات مرة.
منذ البدء لم يكن حزب الله لبنانيا إلا بمقاتليه، ولم يكن عربيا إلا ببيئته. أما ما عدا ذلك فإنه كان ولا يزال إيراني السياسة والعقيدة والمزاج والهوى والأهداف والمبادئ والنزعة والأفعال. إنه رأس الحربة التي طعنت بها إيران العرب.
لذلك لا يمكن أن تقارن طائفية حزب الله بطائفية الأحزاب والتيارات اللبنانية الأخرى. فهو وإن بدا طائفيا فإن طائفيته ما هي إلا غلاف شفاف يختبئ تحته مشروع استعماري إيراني الغرض منه اقتلاع البلد من لبنانيته وعزله عن محيطه العربي.
كان حزب الكتائب بالرغم من طائفيته الكريهة لبنانيا بعمق وصلابة. بحيث يمكننا القول اليوم إن لبنانيته الزائدة أدت به إلى اختراع لبنان العابر لمحيطه، الذاهب لكونيته بتعبير سعيد عقل.
ما فعله حزب الله كان أسوأ بكثير حين اختطف طائفة لبنانية بأكملها ليضعها في خدمة مشروع دولة أجنبية، ليس من مفردات ذلك المشروع الإيمان بوجود لبنان. لقد فتح أبواب لبنان لغزو إيراني لا يقوى أي طرف لبناني على التصدي له.
لقد استعان حزب الكتائب بإسرائيل عام 1982، فكانت كارثة الاجتياح الإسرائيلي بكل ذيولها المذلة وكان حزب الكتائب من بين الأطراف التي أصابها ذلك الذل.
أما حزب الله فإنه لا يستعين بإيران على اللبنانيين، بل هو يمثلها في حربها على سيادتهم على أراضيهم واستقلالهم وحريتهم وسبل عيشهم وطريقتهم في النظر إلى العالم والتعامل معه.
خطر حزب الله لا يكمن في أنه احتكر شيعة لبنان مادة لمشروعه المُهدى سلفا لإيران وهو أمر جلل على المستوى الإنساني، بل في ما ينطوي عليه ذلك المشروع من سعي جاد وحثيث لابتلاع لبنان وأجزاء من سوريا وضمها سياسيا إلى إيران. وهو ما يمكن أن يشكل محميات تقاتل إيران من خلالها محيطها العربي. إيران التي تعاني من عزلة دولية تجد لها اليوم من خلال حزب الله منفذا إلى البحر المتوسط. أكان ذلك ممكنا لو أن الدولة اللبنانية بكل بنيتها الطائفية موجودة؟
الواقع يقول غير ذلك. لقد استولى حزب الله على الدولة اللبنانية لا بقوة الطائفة التي يدعي تمثيلها، بل بقوة السلاح الإيراني.
من جهتها فإن إيران لا تعتبر لبنان إلا مكبا لنفاياتها مثله في ذلك مثل العراق. وهنا بالضبط تكمن مأساة وجود حزب الله وصيا على الحياة السياسية في لبنان.
ليس شيعة لبنان وحدهم في خطر في ظل استمرار وجود حزب الله مسلحا، بل اللبنانيون كلهم كذلك.
نقلا عن العرب