شبه أمي أقلق علوم الاستخبارات العسكرية
{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
لم يكن الطاغية المقبور صدام حسين، سني الهوى، إنما شمل بجبروت ظلمه شعب العراق كافة.. الشيعة والسنة والكرد والدليم والتركمان.. ولم تنج منه حتى الأقليات محدودة العدد والتأثير، لأنه يساوي بين الجميع في توزيع الجور، عادلا في ظلمه! فما أبشع ما جرت يداه على العراق ودول الجوار، وما أقسى ما تطاير من شواظ حارقة ألهبت الوضع العالمي كله، لخصه الشاعر مظفر النواب بالقول: “مجيئه للحكم كارثة وحكمه كارثة وسقوطه كارثة”.
بركان شر
تداعيات منصهر الشر المتفجر من براكين حكمه، تنساب الى كل الفئات، بدليل، أن إنسانا غير متعلم، يقف منه بشدة، ويقهر ديكتاتورية صدام بضعفه.. بشون مشتاق علوان (39 سنة) تحصيله الدراسي “يقرأ ويكتب”لكن أية نظرة واعية، متدربة على معطيات مدرسة الحياة، كافية لتشخيص خلل بقاء هذا المهووس بالدم والمعتقلات، رئيسا على واحدة من اهم دول العالم اقتصاديا.
فقالها بشوان وأستشهد فيها؛ معارضا لا منتمٍ.. على الاصعدة كافة، فهو مثقف ذاتيا وليس منهجيا، ولم ينخرط في أي حزب، إنما أدرك الظلم فوقف بوجهه.
كلنا.. شيعة وسنة.. نقتدي بالحسين.. بل حتى أمم غير مسلمة تتخذ من أبي عبد الله هاديا في الاصرار القوي على الحق، من منطاق ضعف، ضد الباطل، الضعيف بقوته، فالباطل أوى تهافتا من الحق مهما غلظ ظاهره.. خواء من مجوف من الداخل.. لاجوهر له، الا “بوخة” إستعراضية، إنكشف أمرها فغطى عليها بهستيريا الاعدامات.
إمحاء
وقف بشون وحيدا.. لا تسنده فئة ولا يدعمه حزب ولا يعلم به أحد سوى الله وكتابة التقارير لتنظيمات البعث المنحل والامن العامة، تصدى بالقول وهمة الفعل.. فردا.. ضد صدام؛ فنقل وكلاء الإستخبارات العسكرية أقواله، وما ينوي الاقدام عليه، للجهات الحزبية والامنية والعسكرية، فإمحى من الوجود الدنيوي شهيدا خالدا عند الله.
“قل موتوا بغيظكم”
يقتعد بشوان تخت عرشه بين قصور الجنة، وسط الانبياء والصديقين، تحف به حوريات الجنة، بينما الوشاة الذين حرموه لذة الحياة التي لم يقطع فيها سوى تسعة وثلاثين عاما، يتلظون الان في سقر.. من مات منهم كب على وجهه في جهنم، ومن ما زال حيا مضه التشرد، مطلوبا لعشائر كثيرة “دكوا معها الناقصة بالكتابة على ابنائهم فأعدموا”.
شتان بين طريد ترعبه أنفاسه وأصوات خطوات أقدامه، وخالد طيب المقام عند الله ورسوله.. بشوان مشتاق علوان، تولد 1949، إستشهد في العام 1988، تحت جناح الحديث النبوي الشريف: “كلمة حق عند سلطان جائر”.
لم يتح له قولها بوجهه، إلا انه لم يتنكر لها، حين جوبه بها في دهاليز معتقلات الاستخبارات العسكرية؛ إذ عز عليه أن يعتذر “مو آنة” لحظة تكالبت سياط الاستخبارات تلهبه بسعارها وقالعات الاظافر، حتى فقئت عيناه وبترت أطرافه وإمحى من الوجود الدنيوي مرتقيا بأحلى بهاء تلقفته ملائكة السماء.
كونه متزوجا ذا أولاد، تلك ندبة في مشاعره، عالقة، جزاه الله عن عياله حسن مآب، وجزى العيال عن أبيهم خيرا ثرثارا وفيرا.
دولة لوحده
فبشوان غير المتعلم.. يعمل عسكريا.. بناء على تحصيل دراسي لم يتخط القراءة والكتابة.. يقرأ ويكتب فقط، لكنه أقلق المنظومة الإستخبارية، في جيش الطاغية المقبور.
بلغت خطورته عليهم، انه حين لم يجدوا إمتدادا إنتمائيا له.. لا حزب ولا طائفة ولادولة، إعتبروه لوحده جهة معارضة.. بشخصه شكل كتلة في نظرهم، فجاء في أمر إلقاء القبض عليه.. نصا: “سبب الاعتقال معارضته للنظام” وهذا تعبير قضائي توصف به الكيانات الجماعية، اما الافراد فتوجه لهم تهمة “التهجم على رأس الدولة” أو “الثرثرة غير المؤدبة” او “الحقد على الحزب والثورة” او “عدم الايمان بفكر القائد”.
تافه ظلوم
ثبت مخلصا لموقفه الشخصي من صدام: “ظالم تافه يسوق سوء أخلاقه وهشاشة ألفاظه بقسوة السلطة، إلزاما للمثقفين والفقهاء على الإقرار له بحكمة لا يرتقي لها”.
لم يكتفَ بتعذيبه بين الامن العامة والاستخبارات العسكرية؛ حسب العائدية، إنما نقل الى جهاز الامن الخاص؛ لأنهم إحتاروا بشأنه؛ فظنوا أن وراءه كياناً أوسعَ مما يتصورون، وهناك في “الجهاز” قضى نحبه مرتحلا من وساخة دولة صدام الى طهر الجنة!
ظل البعث البائس يلاحق يتاماه بما يدل على وضاعة حزب بلغ حد مطاردة الصغار في عوائل أعدم أباءها، وباتت حائرة بتأمين لقمة عيشها.