شهد العراق تحولات اجتماعية وطبقية ارتبطت بالتحولات السياسية منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة في 1921 والى الان ، وقد كان استقلال العراق عن الدولة العثمانية واتخاذه للملكية الدستورية نظاماً للحكم من التحولات الهامة نحو بناء دولة المؤسسات وتبني التعددية السياسية والديمقراطية المرتكزة الى مؤسسات حاضنة لها في وقت مبكر قياساً مع الدول العربية والاسلامية الاخرى التي كانت ترزخ تحت الاحتلال وتجاهد لاجل الاستقلال ، لكن النظام الملكي واجه مشكلة اخرى تمثلت في نمو طبقي غير عادل عرقل تقدم البلاد نحو عالم التكنولوجيا والتصنيع لهيمنة رجال الاقطاع على القرار السياسي في العراق واحتضانهم لحزب الاتحاد الدستوري الذي يرأسه ثعلب السياسة في الشرق انذاك الباشا نوري السعيد مما عجّل اطاحة الملكية بعد اربعة عقود من قيامها لاسباب عدّة اخطرها هيمنة الطبقية ونمو الحركة القومية العربية وتمدد الفكر اليساري داخل المجتمع وتدخل الجيش في الصراع السياسي مبكراً منذ ثلاثينيات القرن المنصرم وتأثير ثورة مصر 1952 والغاء الملكية وهي ثورة قادها الجيش في مصر وظل الى الان مهيمناً على دفة السياسة فيها .كانت هناك تحولات اخرى من اقصى اليمين الى خارج اليسار برزت بعد التحول نحو الجمهورية في 1958منها تحول القوميين في العراق الى بعثيين (اشتراكيين لايساريين)فلم يكن حزب البعث يسارياً ولايمينياً انما كان حزباً شعاراتياً فقط يفتقر الى رؤية فكرية رصينة وخالٍ من فلسفة حزبية تميزه عن غيره لكنه نجح في ركوب الموجة القومية واستثمارها حتى هيمن على السلطة وانشطر على نفسه في بلدين يحكمهما هما العراق وسوريا ثم بدأ ينهش نفسه ويتآكل داخلياً حتى تحول الى منظمة قمعية وظيفتها تقديس الرئيس وتأليهه لينتهي عام 1991 نظرياً وتُكتب نهايته الاخيرة في 2003 وبين 1991 و2003 حاول اعادة تصنيع ذاته لكنها محاولات تكشف عنها الوثائق المنشورة انها وُلِدت ميتة فقد كان بعض المحاولات تتجه لاقرار التعددية السياسية واجازة تأسيس الاحزاب بشرط الايمان بثورة 17-30 تموز !!وهو استنساخ مشروط لحزب البعث لااكثر !! وقد يراها القارئ نكتة لكنها في حينها كانت خطراً كبيراً يؤرق السلطة ويدفعها لمعالجة اخطائها التي ادت الى عزلتها عن المجتمع اخيراً وتخليه عنها حتى انهيارها امام اول دبابة اميريكية اتجهت نحو مراكز السلطة ، وفيما هيمن حزب البعث على الدولة قبل 2003 فقد هيمنت القوى الاسلامية الشيعية والسنية على الدولة بعد 2003 وانتقل العراق من دولة الحزب الواحد الى دولة الاحزاب وحكومة الاحزاب وسلطة الاحزاب برضا الشعب واختياره وقناعاته المستندة الى تاريخ بعض تلك القوى الدينية وشهدائها والصورة الذهنية الحالمة والمثالية التي يتطلع الشعب ان يعيشها في ظل نظام يقوده الاسلاميون وتسود فيه الشريعة والعدالة والانصاف غير ان تلك الصورة الحالمة اهتزت ثم تكسرت واخيراً تحطمت لتتلاشى نهائياً فقد تكفلت الاحزاب باسقاط نفسها جماهيرياً عبر صراعها البيني الذي اتسم بسمات لاشرعية ولااخلاقية كاستغلال مواقع التواصل الاجتماعي باسماء وهمية وانشاء عشرات الاف المواقع المخصصة لاسقاط وتسقيط الخصم / العدو !! وقد أدى هذا الصراع الى انغلاق اتباع كل تنظيم على ذاتهم والاكتفاء بتقديس قياداتهم وتمجيدها وعدم الاهتمام بما يكتبه الاخرون وينشرونه ويقولونه لكن هذا الانغلاق ادى فيما بعد الى انشطارات طبقية داخل هذه التنظيمات نتجت عن استئثارفئة بكل شيئ وحرمان اخرى من كل شيءوبمرور الزمن ظهر ماكان همساً الى العلن وطفحت روائح المال والمساومات والارقام الفلكية للاستثمار التجاري الذي يقوده رموز هذا الحزب وذاك ، ان هذا سيؤدي الى تبلور افكار جديدة وتطلعات جديدة بدأت بوادرها تبسط نفوذها على الشارع العراقي اثر تنامي الوعي واحاطة اغلب الشباب بالانظمةالسياسية والقوانين وكيفية بناء الدولة فلم يعد الخطاب الشعاراتي مقنعاً ولا الاحالة الى الغيب نافعة بعدما تحطمت الاسوار المنيعة حول المثل الاعلى الذي سينهار هو الاخر تدريجياً وخلف كل ذلك اسباب كارثية اهمها ان التحولات الاجتماعية في العراقية بدأت دينية وانتهت اقتصادية غير ان هذا الاقتصاد لم يكن تراكميا انما كان مالا عاما منهوباً سيضع كل سارقيه امام المسائلة الشعبية وهي مسائلة لاترحم احداً ولاتوقر لصاً ، وفكرياً لن تصمد القوى الحالية امام الموجة القادمة لافتقادها الى نصوص فكرية قادرة على مواجهة التحدي .
انا هنا اقرع جرس الانذار واتمنى وضع الحلول العاجلة فلم يعد الصمت ممكنا ولاالتفرج على انهيار الحلم الاسلامي العظيم ممكناً ايضاً لانه يعني موت الضمير واهتزاز العقيدة ، فمن يسمع ؟؟؟؟