التفطن إلى بداية الإحساس باللامبالاة يمكن اعتماده كنقطة بداية في إيجاد العلاج النفسي والبحث عن الحلول العملية لإنقاذ شبابنا من الضياع.
قد لا ننتبه كثيرا إلى إصابة شخص قريب منا باللامبالاة. فنراه غير آبه بما يدور حوله ولا يظهر تأثره أو مشاعره إزاء الأحداث بمختلف درجات أهميتها. وأحيانا يتصرف ببرود مع الجميع. وقد لا يكتفي بعضنا بعدم الانتباه لذلك بل يمرّ إلى عدم تفهمه ويتسرع في إطلاق الأحكام كأن نقول إنه شخص سلبي أو إنه بلا إحساس.
علم النفس يعرّف اللامبالاة على أنها حالة نفسية تتَّصف بعدم التأثّر بالمواقف التي تثير الاهتمام وفقدان الشعور والانفعال بأمرٍ ما وعدم أخذه بعين الاعتبار. ويقول علماء النفس إنها حالة وجدانية سلوكية معناها أن يتصرف الشخص بلا اهتمام في شؤون حياته أو حتى الأحداث العامة كالسياسة وإن كان هذا في غير صالحه، مع عدم توفر الإرادة على الفعل وعدم القدرة على الاهتمام بشأن النتائج.
المصاب باللامبالاة يعمد إلى قمع أحاسيسه وتعبيراته وقد يفعل ذلك عن قصد فيكون قاسيا مع وجدانه في كبت أحاسيسه أو لاشعوريا لأنه مصاب بحالة نفسية لا يعي تمظهراتها. لكن في جميع الحالات يظل تصرفه اللامبالي دليلا على إصابته بأزمة نفسية تستدعي العلاج أحيانا.
ونلاحظ اليوم أن الشباب والمراهقين كثيرا ما يحاولون التعامل مع الأمور بلامبالاة وقد يخفي ذلك عكس ما نتصور. فالكبار ينتقدونهم ويقولون إنهم جيل من الكسالى وإنهم سلبيون ولا يمتلكون مقومات الشخصية القوية ولا الشجاعة لمواجهة المشاكل ولتحمل المسؤولية.
شخصيا كلّما تأملت وضعية هذه الفئة من الشباب خاصة منهم العاطلين عن العمل والذين تركوا مقاعد الدراسة لاحظت أنهم لا يهتمون لمرور الزمن. فهم لا يكترثون لأن يمر اليوم مثل الأمس ولا يبدو أنهم يفكرون في الغد أيضا. تمرّ أيامهم على نفس الإيقاع بين النوم والتكاسل ثم الخروج للتسكع أو لاحتساء القهوة وتدخين السجائر صحبة الرفاق، إن استطاعوا شراءها، من ثمة يعودون في وقت متأخر إلى البيت قصد الهرب من أقرب الناس إليهم وتجنب الجلوس والالتقاء بوالديهم أو إخوتهم. ينامون ويستأنفون اليوم الموالي على نفس الشاكلة وكأنهم لا يشعرون بمرور الزمن ولا بتقدمهم في السن.
وكأن لا أهداف لهم في الحياة ولا طموحات يلهثون وراء تحقيقها عبر البحث عن حلول لأوضاعهم. وكلما اقتربت من أحدهم لتتحدث معه تجده إما أنه يستمع إليك دون اهتمام ولا تفاعل أو يقدم إليك إجابات ساخرة من كل شيء. حينها تكتشف حجم اللامبالاة التي غرق فيها. وعندما يتفاعل معك أحدهم ويجيبك تدرك حجم اليأس والمرارة والأسف الذي يملأ وجدانه إلى درجة أفقدته الأمل في كل شيء، وجعلته يختار هذا النمط من المعيشة القريب من الموت البطيء.
هؤلاء الشباب يعيشون معنا في صمت أو يحاولون لفت الانتباه لأنفسهم عبر تصرفات متمردة ورافضة لكل شيء حتى للحوار. نراهم لا يهتمون لا بالسياسة ولا بالشأن العام ولا بشؤونهم الخاصة ولا بأسرهم ولا حتى بأنفسهم. وأغلب المحيطين بهم لا يتفهمون وضعهم النفسي فقط يكتفون بالاستغراب والنقد وأحيانا بالتوبيخ واللوم.
شباب يئس من الحياة لأسباب متنوعة وهو يقدم نموذجا حيا للشعور الدائم باللامبالاة التي تعدّ دليلا على مرورهم بأزمة نفسية تشبه حالة الاكتئاب التي تمثل الوجه الآخر لليأس وفقدان الحياة لمعناها عندهم. ولكلّ أسبابه سواء كانت الفشل الدراسي أو الفشل في تحقيق الذات وفي إيجاد مورد للرزق أو الفشل العاطفي وغيره. لكن الثابت أنهم أموات على قيد الحياة. وللأسف لا تحاول عائلاتهم ولا المقربون منهم انتشالهم من دائرة اليأس التي غرقوا فيها لأنهم لا يتفهمونها.
ويبدو تطور حالة اللامبالاة إلى اليأس المفرط ثم الخمول الفكري والبدني شبيها بانتشار فيروسات مرض عضال في الجسم حين تنتشر في سرعة وصمت لتنهش جميع أعضائه وترديه طريح الفراش في انتظار النهاية.
وجل الشباب والمراهقين في تونس وفي غيرها من الدول العربية سواء العاطلين عن العمل والمتسربين من المدارس والمعاهد يعيشون هذه الأوضاع ويقضون أيامهم بشكل متكرر ومملّ وتكتفي أسرهم والمجتمع بإدانتهم ولومهم إلى أن تزداد أوضاعهم سوءا فتجدهم بمرور الوقت المخزن الذي يزود الآفات الاجتماعية التي أثقلت كاهل أهاليهم وكاهل المجتمع برمته فتتفاقم نسب الانتحار أو نسب الجريمة أو أعداد المنحرفين والإرهابيين وغيرها من ظواهر الانحراف عن الطريق السويّ.
مشكلاتنا أننا نكتفي كأشخاص وكمجتمع وكدولة بالانتقاد وإطلاق الأحكام وتنتبه قلة قليلة منا إلى أن الحل هو إعادة الأمل في الحياة لهؤلاء الشباب وتحويلهم من طاقات خامدة ضائعة إلى قوة تقدم وتغيير ونجاح. واللامبالاة لمن يفهمها هي بمثابة جرس الإنذار الذي يلفت الانتباه إلى أن الشخص المصاب بها دخل في دائرة الفراغ واليأس المفرط. والتفطن إلى بداية الإحساس باللامبالاة يمكن اعتماده كنقطة بداية في إيجاد العلاج النفسي والبحث عن الحلول العملية لإنقاذ شبابنا من الضياع.
نقلا عن العرب