18 ديسمبر، 2024 8:06 م

اللاعنف في المجتمعات الديمقراطية

اللاعنف في المجتمعات الديمقراطية

  اللاعنف أداة قوة إستراتيجية للتحرر ووسيلة للاستنهاض الحياتي لكنه في المقام الأول يعني الفعل , فاللاعنف يدفع الناس في طلبهم للعمل العادل والأخلاق بدون اللجوء إلى الإكراه المادي واللاعنف يشتمل على العمل الأخلاقي , عدم السكوت على الظلم , ونداء إلى التعبير عن النظرات الشخصية إلى الأخلاق كخطوة نحو مساعدة الآخرين في المجتمع الأوسع .

أولاً:- مفهوم العنف واللاعنف.

  لابد من التعرف على نقيض اللاعنف وهو ” العنف ” بكل ما يمكن أن يوصلنا إلى هذا الهدف ويمكن تعريف العنف بوجه السياسي وهو: ( استخدام للقوة بهدف الاستيلاء على السلطة أو الانعطاف بها نحو أهداف غير مشروعة ) . كما عرف أيضاً بأنه : ( الانتهاك لممتلكات الآخرين والتعدي على أرزاقهم وحرياتهم ) . أما اللاعنف فقد عرف من فبل المهتمين بتعريفات عدة , منها : بأنه سلوك سياسي لا يمكن فصله عن القدرة الداخلية والروحية على التحكم بالذات وعن المعرفة الصارمة والعميقة للنفس . وهناك تعريف أخر وهو : شكل من التحرك السياسي يتميز بغياب كل تصرف عنيف . ويمكن تعريف “اللاعنف ” بالاتي : ( أسلوب من أساليب العمل السياسي والاجتماعي يحاول أن يجعل قوة الضعيف وملجأه الأخير مرتكزاً على إثارة الضمير والأخلاق لدى الخصم أو على الأقل لدى الجمهور الذي يحيط به ويرمي إلى ترجيح كفة الحق والعدالة ) .

   أن صورة اللاعنف قد اتضحت معالمها في كونها صورة لا تمت إلى القوة بصلة ومن خلال هذه الصورة يمكن تقديم تعريف لمبدأ اللاعنف , وهو : ( وسيلة من وسائل العمل السياسي والاجتماعي تستبعد القوة في الوصول إلى أهدافها وتفتقد التعدي على حقوق الاخرين وتقوم على أساس الاعتراف بالآخر ) .  

ثانياً :- الفرق بين اللاعنف والخنوع والاستلام .

  هناك من يعد اللجوء إلى اللاعنف نوعاً من الضعف وقلة العزم والعجز عن المواجهة وانه نوع من الاستسلام والخنوع , وبما أن هذه المصطلحات تتميز بمعنى أخر عن اللاعنف , فالاستسلام يعني الانقياد ومعلوم أن الانقياد يعني الخضوع من قبل طرف إلى طرف أخر دون أن يكون لهذا الطرف الخاضع اي مبادرة أو شرط . أما الخنوع فيعني الخضوع والذل , خنع له واليه يخنع خنوعاً :ضرع إليه وطلب إليه وليس بأهل أن يطلب إليه وليس هذا المعنى بأفضل حال من معنى الاستسلام .

   وبما أن علاقات الإنسان متنوعة ومختلفة فمنها ما ينحصر في نطاق أسرته ومنها ما يخرج عن هذا النطاق ليشمل القبيلة والمجتمع , وبناءاً على هذا الاختلاف تختلف ميادين اللاعنف وحسب التقسيم التالي :-

1- اللاعنف السياسي :- وينحصر نطاقه في ميدان علاقة الإنسان بالدولة .
2- اللاعنف الاجتماعي :-ويشمل هذا جميع العلاقات التي تربط الإنسان بغيره من أبناء مجتمعه .
3- اللاعنف الديني :- ويتناول هذا القسم ميدان الأخلاق , والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى .

ثالثاً :اللاعنف المطلق .

   اللاعنف المطلق طرح يشوه الصورة الحقيقية الناصعة التي يكون عليها مفهوم اللاعنف وان كان هناك وجود لطرح ” اللاعنف المطلق ” فإنما هو موجود في فكر هؤلاء الذين يطرحونه مما يحسبونه على اللاعنف في حين أن اللاعنف بعيد عنه .

  لقد تحدث رائد اللاعنف “غاندي” عن هذه النقطة بما تمكن من خلاله التمييز بوضوح بين اللاعنف واللاعنف المطلق الذي لا وجود له أطلاقاً وإنما هو اسم لمعنى أخر أقحم هذا الاصطلاح للدلالة عليه .يقول غاندي في تعليقه على مجموعة من أبناء شعبه حين تركوا منازلهم و هربوا من الشرطة التي شنت هجوماً على قريتهم والتي نهبت أموالهم ونساؤهم إذ إنهم برروا هربهم بامتثالهم لأوامره وتعليماته باللاعنف علق على كل ذلك في قوله : ( أردت أن أراهم يقفون كالترس بين الأعظم قوة وبين الأكثر ضعفاً , والحق أنه دليل بعض من شجاعة أن يدافع الناس عن مقتنياتهم بحد السيف ويصونوا كرامتهم ودينهم ) وقول كذلك : (إني أفضل ألف مرة أن أخاطر فألجأ إلى العنف على أن أرى عرقاً بأسره يتعرض للإبادة) .

  ويصرح غاندي باستبعاده لوجود فكرة اللاعنف المطلق قائلاً : ( بما إننا لسنا أرواحاً طاهرة, فإن اللاعنف الكامل نظري تماماً كخط إقليدس المستقيم ) . إذاً ففكرة اللاعنف المطلق لا وجود لها , وإنما طرحت جهلاً , أو قصداً من قبل خصوم اللاعنف .          

المصدر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

زينب ليث :مفهوم اللاعنف في المجتمعات , نحو مجتمع الحوار واللاعنف , نخبة من مثقفي العراق , مكتب الثقافة والإعلام , بغداد , ط1, 2016.