23 ديسمبر، 2024 6:48 ص

الكي الكي.. ولادواء غير الكي

الكي الكي.. ولادواء غير الكي

لاأظن أحدا منا قد نسي الألعوبة التي لعبها رئيس برلماننا وأعضاؤه بخديعة ومراوغة منقطعتي النظير، تلك الألعوبة التي صاغوها بحيلة ومكر ودهاء، يوم صوتوا على المادة 38 من قانون تقاعدهم، ولاأحسب ذاك الجرح الذي تسببوا به للعراقيين قد اندمل، فقد كان وقع الـ (كلاوات) شديدا وقاسيا على العراقيين كلهم، الذين ماكانوا يسيئون الظن يوما بشخص، إلا بعد أن يتمادى في غيه وطيشه و (يدوس بالبطن). فقد هب العراقيون حينها متحدي الرأي ومتفقين على معارضة التصويت على قرار يتمتع النواب بموجبه بحقوق وامتيازات تقاعدية، لاتستند على أسس قانونية وشرعية ومهنية وأخلاقية وحتى إنسانية وكان ماكان حينها، وأقرت المحكمة الاتحادية عدم أحقية مثل تلك الـ (سحتيات) وفرح الشعب بأن صوته -وهو صوت الحق- بات مسموعا بعد ان كان مغيبا ومهمشا، وتلك لعمري كانت البشرى السارة التي تأمل المواطن بعدها بشائر أخرى ستمطر عليه من لدن ممثليه في مجلس نوابه، لاسيما أن نصيبه من البشائر المفرحة بات بسببهم صفرا، فيما يزخر نصيبه من المفاجآت المحزنة والمبكية برصيد هائل ومتراكم منذ عقود.. بل قرون في ظل مسميات؛ عهد الدكتاتورية والحروب والظلم والقمع. وقطعا بحلول عام 2003 توقع جلنا زوال هذه المسميات كلها، ذاك أن مسببها قد انقشع شخصه واختفى ظله وتبدد حزبه وتشرذمت أزلامه وكل متعلقاته. وكان من المفترض ان يحل محل تلك المسميات؛ عهد الديمقراطية والسلام والعدل والإنصاف. لكن يبدو ان كثيرا من أمثلتنا العراقية مازال نافذ المفعول، أولها المثل القائل؛ (نفس الطاس ونفس الحمام). وثانيها المثل؛ (بدلنا عليوي بعلاوي) وثالثها؛ (راح معيط إجه أمعط). او كما يقول شاعرنا:

رب يوم بكيت فيه فلما

صرت في غيره بكيت عليه

إذ هناك كثير من النواب الذين توخى فيهم المواطن المروءة، وأن يكونوا الناطقين باسمه والمداعين بحقه والمدافعين عنه، والذائدين عن حماه، فكانوا على عكس هذا تماما، وأثبتوا أنانيتهم في المناصب المكلفين بها، بعد أن ظنوه تشريفا لاتكليفا، وصفقة مربحة لا واجبا مقدسا، وفرصة العمر في الاغتناء لافرصة العمر في دخول التاريخ من باب حكمة القيادة. وهم بهذا فقدوا الكثير من مقومات انتخابهم ثانية. فالخديعة التي تفنن في صنعها المصوتون حينها على المادة 38 جرحت إحساس العراقيين، أضعاف الجراح الغائرة التي سببها الاحتلال والإرهاب وموقف بعض الدول الإقليمية، إذ هذه المرة جاء الجرح كما يقول المثل؛ (الحمى تجي من الكراعين) الأمر الذي لن يفوته العراقيون جملة وتفصيلا، بل هم يرفضونه هذه المرة رفضا مشوبا بالتخوين وانعدام الثقة بمن يمسكون تشريعات البلد؟

ان الرأي العام والخاص والموقف الثابت منذ بداية حملة إلغاء التقاعد والامتيازات، مازال ذات الرأي والموقف، ومازالت المرجعية ورجال الدين يفتون بحرمة تلك المخصصات والرواتب، فهل يرفض هؤلاء النواب كل هذه الآراء والمواقف لاسيما التي اتخذتها المرجعية؟ وهل تكفي خطب الجمعة والمناشدات التي يطلقها شرفاء البلد كي تكون رادعا لمن يروم الاحتيال على المواطن والالتفاف على القانون؟ أم الأمر يتطلب موقفا أقسى من التحريم والرفض والشجب والإدانة!. ولو علمنا أن جر المواطن آنذاك الى حالة من الرضا عن إقرارهم قرار تقاعدهم المبطن، قد مر -بغفلة من العراقيين- دون معاودة فتح حسابات وتصفيتها، فإن حساب المظاهرات الأخيرة لن يغلق ولن يعلق الى حين آخر، ولن يرجأ الى إشعار غير مسمى، فالعراقيون هذه المرة عازمون على كنس القاذورات من كراسي مجالس البلاد الثلاث، ومصرون على إزاحة السيئ والخبيث والمراوغ والخداع والكاذب والمتواطئ والموارب والسارق والمرتشي، من مراكز قيادات عراقه الجديد.

نعم..! هذه المرة ستأخذ المظاهرات شكلا أكثر جدوى من سابقاتها، فهي أقرب للانتفاضة منها الى التظاهر، وإن كان قد قيل إن آخر الدواء الكي، فالحال اليوم في مؤسسات العراق كافة، يستوجب تطبيق هذا القول، بعد ان استنفد العراقيون مع استشراء الفساد وتسلط المافيات وحيتان السرقات.. كل العلاجات الوقتية والمعالجات الترقيعية وأنصاف الحلول.. فالكي الكي ثم الكي.. ولا شيء يصلح دواء غير الكي.

[email protected]