23 ديسمبر، 2024 5:32 ص

الكيان الصهيوني: مساران جدليان لمعالجة القلق الاستراتيجي والخوف من المستقبل

الكيان الصهيوني: مساران جدليان لمعالجة القلق الاستراتيجي والخوف من المستقبل

الكيان الصهيوني ومنذ اقامته على ارض فلسطين وتشريد اصحابها، في واحدة من ابشع الجرائم البشرية التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا حتى في العصور الغابرة.. لم يشعر بالاستقرار والامان بل بقلق الوجود وبالذات في عقول منظري استراتيجيته لتثبيت شرعية وجوده. حتى بعد اتفاقات اوسلو واقامة السلطة الفلسطينية في رام الله لم ينعم هذا الكيان الصهيوني بالاستقرار والامان خلال تسعينيات القرن المنصرم بل على العكس تماما؛ كانت العمليات الفدائية تقض مضجع المستوطنين وبالذات حين تنصل هذا الكيان عن التزاماته المنصوص عليها في اتفاقات اوسلو، مما دفع بالفلسطينيين بمعاودة الكفاح والنضال بشتى الطرق المتاحة، لإجباره على التسليم بحقوقهم والتي من ابرزها؛ اقامة دولتهم على ما تبقى من ارضهم، دولة ذات سيادة ومعترف بها دوليا وعاصمتها القدس الشريف. في السنوات الاخيرة او ان الحديث كان يجري في السنوات الاخيرة عن تحالف عربي مع الكيان الصهيوني للتصدي او تشكيل جبهة ضد ايران وطموحاتها في المنطقة العربية، وهي محاولة لتبرير التطبيع المجاني بلا ثمن ذي قيمة ذات اعتبار بل هي محاولة بائسة؛ لصرف الانظار عن المسار الحقيقي لهذا التوجه الا وهو صفقة القرن. ايدي كوهين والذي يظهر باستمرار على التلفزيونات العربية، في لقاء معه على قناة روسيا اليوم، في برنامج قصارى القول الذي يديره العراقي، الدكتور سلام مسافر الذي صاغ اسئلته بذكاء، اخرج بها الحقيقة الغاطسة في لاوعي كوهين، قال حين سئل عن هذا التحالف؛ ان الكيان الصهيوني، لن يدافع عن العرب وفي قول اخر له، اضاف؛ ان (اسرائيل) لا تدخل في حرب مع ايران “لخاطر” سواد عيون العرب. التصدي لطموحات ايران هي مشكلة العرب وليس (لإسرائيل) اي مشكلة مع ايران بحد ذاتها كدولة وليس كنظام..؛ لا تشكل مشكلة لإسرائيل، وعلى العرب مواجهة ايران وحدهم بمعزل عن (اسرائيل). في قول اخر له في ذات اللقاء قال حين سئل عن عملية التطبيع بصورة عامة وعن زيارة نتنياهو الى مدينة نيوم على البحر الاحمر، حيث التقى ولي العهد السعودي وبحضور وزير خارجية الولايات المتحدة؛ ان الزيارة قد حدثت بالفعل وان النفي السعودي لا غير من امرها او واقع حدوثها اي شيء. ان العرب هم من يحاولون بناء علاقات مع اسرائيل وليس العكس، وان اسرائيل لا تحتاج لتلك العلاقات بقدر ما يحتاجها العرب، وهم من يدقوا ابوابنا طلبا لتلك العلاقات. ان هذه الغطرسة والصلف الصهيونيان لا يتوقفا على ايدي كوهين (الذي تربطه قرابة بكوهين الاخر، مدير الموساد الذي رافق نتنياهو الى مدينة نيوم)، بل ان اغلب الصهاينة ينحون ذات المنحى ولو بدرجات مختلفة، وبخطاب مخاتل، والادهى ان هذا الامر لا ينحصر فقط بالكتاب الصهاينة بل ايضا بالمسؤولين، في عملية استخفاف مهينة ومذلة من ساسة ومحللوا السياسة في هذا الكيان الصهيوني بالقدرة والقوة العربيتين، وهنا نقصد بقدرة وقوة الانظمة العربية البائسة والفاسدة سواء ما كان منها قد رحل او ما كان منها قد حل محل الذي رحل الا بعض الاستثناءات وهي لا تتعدى اصبع او اصبعين على اكبر عدد من اصابع اليد الواحدة.. ان هذا الصلف الصهيوني ما هو الا خدعة يخدعون بها انفسهم او كذبة يكذبون بها على انفسهم قبل غيرهم، وهم الذين يعرفون حجم القلق الوجودي الذي يعاني منه هذا الكيان سواء ما كان منه على صعيد النمو الديموغرافي في طرفي الوجود، الصهيوني المغتصب والفلسطيني صاحب الارض الشرعي، على ارض فلسطين، او على صعيد التطور المستقبلي في التشكيل المقبل للعالم. من الخطأ الاستراتيجي التصور؛ ان صفقة القرن قد ماتت او اسدل الستار عليها، بتغير رأس الادارة الامريكية، ان صفقة القرن لم تمت لأنها المعالجة الاستراتيجية للقلق الوجودي (لدولة اسرائيل) الا بالنضال والكفاح العربي والفلسطيني معا على درب واحد في جميع الاوطان العربية، وعلى ارض فلسطين بأولوية اولى وبقوة اكبر وبأتساع اوسع، في سبيل الحرية بإطارها الشامل والواسع والجامع للهدف العربي والفلسطيني المصيري المشترك؛ كمشروع تُواجه به وبقوة الشعوب العربية وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، مشروع صفقة القرن بمساريها العربي والفلسطيني. ان بايدن لا يختلف عن ترامب كلاهما عنوانان لكتاب واحد، بمضمون ومحتوى واحد، لكاتب واحد، الا بصياغة عنوانان للإشهار والتسويق. ان بايدن الذي يمثل الجناح الوسط من الحزب الديمقراطي والقريب من الحزب الجمهوري لجهة الاسلوب والعمل، ونائبته كامالا هاريس المتزوجة من يهودي، ناشط في لوبي جي ستريت وهي واحدة من لوبيات الضغط الصهيونية المتعددة في امريكا، بالإضافة الى ايباك.. مهمتها منذ وجودها في عام 2007؛ هو الدفاع عن مصالح وامن ووجود (اسرائيل). كامالا هاريس لاتختلف عن زوجها، فهي قد زارت (اسرائيل) عدة مرات للتضامن والاسناد والدعم لها. جو بايدن هو الاخر قال مرة قبل سنوات، اثناء زياره له الى تل ابيب: لو لم توجد (اسرائيل) لعملنا على وجودها. عليه من الخطأ التصور ان بايدن سوف يختلف عن سلفه الاحمق بل نعتقد انه سوف يكون الاخطر على الدول العربية الهشة داخليا في المنطقة العربية وعلى القضية الفلسطينية بسياسته التي سيكون فيها من الخدعة والنعومة الشيء الكثير، بما يُسهل تمريرها من تحت سقوف الاوضاع العربية الساخنة والمشتبكة اشتباكا، تضيع في اتون هذا الاشتباك؛ الرؤية التي تحدد خيوط اللعبة وماسكوها واهدافهم، لذا، فهذه الاوضاع وما ينتج عنها من احداث ولقاءات وزيارات وتغييرات، تحتاج الى التوقف كثيرا امام كل واحدة منها للفحص بعين العقل الثاقب كي نصل الى حقيقة هذه الحركة او تلك او هذا التغير او ذاك التغير، والى حقيقة هذا الحدث او ذاك، ومعرفة من يقف وراءها واهدافه. تحاول امريكا و(اسرائيل) جعل ايران هي عدو العرب المركزي ولا وجود لعدو اخر بما في ذلك اسرائيل، في لعبة غش مكشوفة في حرف مسار مخطط اعادة تشكيل الجغرافية السياسية لدول المنطقة العربية او التعمية والتغطية على هذا الهدف المضمر كي يتم تمريره تحت غطاء عداوة ايران للعرب. ايران لها ما لها وعليها ما عليها وهي في كل الاحوال ليست حمامة سلام او حملا وديعا، انها دولة مقاتلة، تبحث عن مصالحها وطموحاتها القومية. لكنها مع هذا ليست هي العدو الذي يهدد مستقبل الوحدة الجغرافية للدول العربية، لأن هذا، وببساطة لا يصب استراتيجيا في مصلحتها بل هو يؤثر مستقبلا على وحدتها الجغرافية على العكس مما هو في جعبة المخطط الصهيوني بالتعاون وبتبادل الادوار مع امريكا في تجزئة المجزأ من الدول العربية المستهدفة وفي المقدمة منها، العراق. لأن هذه الاستراتيجية هي الضمان المستدام لوجود (اسرائيل) بتحويل صفقة القرن ولو بعد حين الى واقع على الارض وسط محيط عربي من الدويلات العربية الهشة المستقبلية( كما يراد لها، الصهاينة والامريكان؛ ان تكون عليه..) او من دول عربية مبلقنة( (نسبة الى يوغسلافيا..) اي اقاليم مستقلة في دولة متحدة مما يجعل منها دول ضعيفة وغير قادرة على الامساك فعليا بقرارها المستقل بفعل توزعه على إرادات متعددة في دولة واحدة اسميا.. ان صفقة القرن واعادة التشكيل الجغرافي للدول العربية المركزية، هدفان جدليان لأمريكا واسرائيل.. هناك ستة احداث جرت في الآونة الاخيرة، لها علاقة في الذي سبق من هذه السطور لجهتي السبب والنتيجة:- لقاء نتنياهو مع ولي العهد السعودي بحضور وزير الخارجية الامريكي..- عودة التنسيق الامني بين السلطة الفلسطينية واسرائيل..- زيارة السيد محمود عباس الى الاردن ومصر..- استعداد السلطة الفلسطينية في العودة الى المفاوضات مع اسرائيل..- اغتيال العالم النووي الايراني، فخري زاده.. هذه الاحداث جميعها مترابطة ترابطا عضويا، في مسارين؛ – تركيز مقولة او فرية ان ايران هي العدو الاول للعرب وليس اسرائيل، باغتيال العالم الايراني من قبل اسرائيل وبضوء اخضر امريكي وبعون استخباراتي امريكي، فهما امريكا واسرائيل حققا غرضين، تصفية او التخلص من شخصية علمية ايرانية، وتأليب ايران على دول الخليج العربي، الامارات والسعودية، والذي كان من نتيجته؛ توجيه اصابع الاتهام للدولتين من قبل المسؤولون في ايران، مع ان الدولتين ليس لهما القدرة والامكانية على القيام بهذا الاختراق الخطير لجهة المعلومة والتوقيت والتحضير والتنفيذ.. – التغطية على ما يخطط لفلسطين والدول العربية المستهدفة بشغل الرأي العام العربي والفلسطيني بأن الاوضاع الحالية مشحونة بالترقب لفعل عسكري مقبل، بالرد الايراني والذي سوف يقابله رد حاسم امريكي كما يقول ويهدد ترامب ايران به. مع ان الفحص العميق لمعطيات الواقع، وبصناعته، بأفعال على الارض، تنتج منها هذه المعطيات، والتحكم باتجاه حركتها في السعة والتطور؛ تشير الى ان صانعها يعلم علم الاحتمال الكبير جدا ان لم نقل علم اليقين والذي مفاده؛ لن يكون هناك رد ايراني في الظرف الحالي، وربما لا يحدث لاحقا. وبالنتيجة ليس هناك رد امريكي. صحيح ان الاوضاع الحالية على جانب كبير من الخطورة، لكنها، خطورة، في عين الوقت مسيطر عليها من الجانبين، الايراني من جهة والامريكي والاسرائيلي من الجهة الثانية، لحسابات يفرضها على الجانبين، الواقع المتحرك على الارض، والمتحكم بتداعياتها من الجانب الامريكي والاسرائيلي. انها لعبة شياطين الكرة الارضية، خبيثة وذكية في آن واحد، وهي لن تتوقف الا في تحقيق اهدافها او انها تُواجه، بمشروع نضالي وكافحي، عربي وفلسطيني، يوقفها عند حدها، ويغير قواعد اللعب في الملعب العربي والفلسطيني على حد سواء، وبالتوازي والتزامن؛ دفاعا عن السلام الحقيقي، وعن الاستقرار الحقيقي، وعن الوجود، وعن الكرامة، وعن الآمال بحياة حرة تتطلع بثبات نحو المستقبل..