18 ديسمبر، 2024 4:44 م

الكويت قبل شهر من الغزو -1-

الكويت قبل شهر من الغزو -1-

في محاولة لفهم الأحداث التي دفعت الطاغية صدام لقراره الاحمق, في احتلال ارض الكويت, والذي أشبه ما يكون بالانتحار السياسي والعسكري, فتم تدمير جيشه, وإحراق أسلحته التي كلفت خزينة الدولة النصيب الأكبر من ايرادات النفط, بالاضافة لتدمير جميع مرافق الحياة في العراق, فتم تدمير الجسور والقصور والمؤسسات والابنية, وقد جمعت مجموع من الصحف الكويتية وتتسلسل تواريخها من الأول من تموز/1990 لغاية الثاني من آب/1990, كي اهم كيف كان ينظر الكويتيون للأحداث, خصوصا ان الاعلام العراقي كان مستمر بنشر الأكاذيب والاستمرار بمنهج تسفيه وعي العراقيين, فلم يكن اهل العراق يمكنهم ان يعرفوا الحقيقة من خلال الاعلام العراقي الرسمي.

مقال اليوم هو الأول من تموز لعام 1990 ذلك الصيف الساخن على كل المنطقة نتيجة هيجان ثور بغداد (صدام) معتقدا انه الاقوى والأكثر حكمة في المنطقة, مع احداث إقليمية كانت تنذر بوقوع زلزال سياسي قريب.

 

· صدام: الحرب القادمة ستطول

كانت الماكنة الاعلامية للعراق تتحدث عن حرب قادمة بين العرب والصهاينة, وسيكون العراق طرفا فيها وبطلها سوبرمان العالم (صدام), وهذا الامر كان حتى على لسان صدام نفسه, ففي الاول من تموز نشرت صحف الكويت مقالا مترجما وفيه وجه الصحفي الغربي سؤال مباشر لصدام عن هواجس حرب قادمة.. فقال صدام: “الحرب القادمة ستطول, ومحصلتها لن تكون كما تشتهي اسرائيل”, حيث كانت حرب اعلامية مستمرة بين طرفين, صدام ضد بريطانيا واسرائيل وامريكا, باعتبار صدام يمثل خطر كبير على اسرائيل.

ففي أول لقاء لصدام مع الصحافة الغربية من عام 1987 تحدث فيه عن تصميمه الشخصي على الوقوف في وجه العدوان الاسرائيلي ضد اي دولة عربية, في محاولة منه لرسم صورة البطل العربي المنقذ, او صلاح الدين الأيوبي الجديد, الذي يخوض الحروب وينتصر دائما, بعد ان صور الاعلام البعثي ان صدام انتصر في حربه ضد إيران! في تشويه للحقيقة المرة التي تجرعها صدام وخرج خاسرا للكثير بعد حرب الثماني سنوات.

كان صدام خلال الأشهر الاولى من عام 1990 في تصعيد إعلامي ضد الطواحين, في حرب اعلامية مجرد تصريحات وتهويش إعلامي, هو وأفراد عصابته, فمرة يصرح انه سيحرق نصف اسرائيل, ومرة اعلامه يصرح بامتلاك مدفع عملاق اعجوبة الزمن يمكن أن يدك تل ابيب, وكما يقول الصحفي الغربي ان تصريحات صدام تعبر عن حالة غضب تتملكه في تلك الاشهر وهو لا يبوح بسره, بل يرسم مسار الغضب انه موجه لعدو افتراضي, لكن قد تكون هبوط اسعار النفط وتراكم ديون الحرب وارتفاع معدلات البطالة مع ضعف كبير في ادارة الدولة, بالاضافة للصراعات العائلية خصوصا عامي 1989 و1990, كل هذه الامور تلقي بضلالها على صدام نفسيا مما جعله كالثور الهائج.

 

 

· الإعلام الغربي والنفخ في صدام

انتهج الاعلام الغربي والعربي منهجا واضحا, وهو: أنه جعل من صدام اسطورة والرئيس الاقوى, وانه سيجلب حقوق العرب الضائعة, مما جعل صدام لا يترك مهاجمة القوى الغربية في لقاءاته الصحفية, حتى اصبحت عادة كي يرسخ في مخيلة اتباعه ومعجبوه من انه البطل القومي المدافع عن العراق والعرب والاسلام, في ذلك الزمن الصعب.

كانت التقارير الصحفية الغربية تتحدث عن ترسانة العراق العسكرية وأنه اصبح خامس اقوى جيش بالعالم, في تقارير غير مهنية كاذبة للنفخ في الثور الهائج في القصر الرئاسي في بغداد, وتقارير اخرى تتحدث عن امتلاك صدام تكنولوجيا الاسلحة النووية, وانه تحول لخطر حقيقي على حلفاء الغرب في المنطقة, وكانت تصل رسائل الى القادة العرب تحذرهم من خطر صدام.

اما الاعلام العربي فاستمر باقامة مقارنات بين صدام وعبدالناصر, وان صدام محبوب الامة العربية وفارسها, وأن العقبة الوحيدة امام اسرائيل هو صدام!

مع ان اسرائيل لم تهدد بل كانت تبحث عن حلول غير عسكرية, فقط صدام يتحدث عن حرب قادمة للمنطقة ويرسم في المخيلة أن العدو سيكون الصهاينة.

 

· ملك الاردن والدفع بصدام نحو الهاوية

نقلت الصحف الكويتية في اليوم الأول من تموز/1990 مقال مترجم يتحدث عن تصريحات صحيفة لملك الأردن في تلك الأيام الساخنة قوله: ” إنه يرفض استبعاد فكرة دعوة قوات عراقية للمرابطة داخل الأردن على أمل أنها ستكون داعمة لاستقرار الاردن ورد اي عدوان محتمل”, هذا التصريح العجيب لملك الاردن ساهم في أمرين.. وهما:

الأول: النفخ في صدام وتعظيم قوته العسكرية والمساهمة في زيادة غروره, ويزداد شراسة وهيجان, يترسخ عنده موقفه وتصريحاته ضد القوى الغربية والاقليمية.

ثانيا: رفع مستوى مخاوف “اسرائيل” من صدام وقوته العسكرية, مما دفع باسرائيل لردة فعل اعلامية ودبلوماسية واسعة, لنشر الهلع من هتلر جديد, للتحذير من خطر صدام على المنطقة والعالم.

 

· تصريحات غبية لصدام

كان صدام في ذلك الصيف الساخن لا يترك التصريحات العنترية, مما جعل الإعلام يصوره خطر قادم للمنطقة والعالم, والاكثر غباء هو تصريحاته ضد بريطانيا وأمريكا مما جعل الإعلام الغربي يشن حرب اعلامية شرسة ضده, واستغلت اسرائيل تصريحات صدام الرعناء لتصبح ضحية طاغية يحاول الاعتداء عليها! كانت حرب اعلامية ساخنة الهدف منها دفع صدام لحفرة لا يخرج منها ابدا, كي يتم ردعه وتحقيق اهداف غير معلنة للقوى الغربية.

ومن التصريحات الرعناء لصدام هو دعوته امريكا لسحب سفنها من الخليج قائلا: “ان احد لم يعد بحاجة لحماية ناقلات النفط” ثم فسر استمرار تواجد السفن الامريكية في الخليج بانه ” اما للتجسس لصالح اسرائيل او ان واشنطن تخطط لاثارة مواجهة عراقية – ايرانية بهدف تقييد العراق واحياء العمليات العسكرية”, فانتبه لمدى غباء هذا التصريح الذي يطالب أمريكا بإيجاد ذريعة ما لاستمرار تواجدها في الخليج, وثانيا يتكلم نيابة عن باقي دول المنطقة والتي لم تتذمر من تواجد السفن الامريكية بل اغلبها عمل على تطوير التعاون العسكري مع أمريكا, خصوصا مع استمرار عنتريات صدام الذي اوجد ذريعة للاخرين للارتباط العسكري بامريكا.

وكانت أمريكا تدرس وتخطط جيدا اقامة حدث عسكري كبير, يكون هو الذريعة لتوسع نشاطهم داخل الخليج والمنطقة باسرها, ويكون صدام مفتاح الحل لأمريكا.

 

· أمريكا وحملة التحذير من صدام

كان صدام يعيش أجواء المؤامرة وأن العالم مصطف ضده, لأنه يمثل العدل والحق, وكل المخالفين له يمثلون الباطل والظلم, هكذا كان يظن ويتم تغذيه فكرته الغبية عبر الإعلام الغربي, وكان للوفود السياسية الامريكية والبريطانية حراك كبير في المنطقة محذرة من خطر صدام.

وعمل الاعلام البريطاني والامريكي تضخيم قصة المدفع العملاق الذي يروم صدام صناعته لدك تل ابيب به, ويهدد العالم لاحقا, وكانت كذبة سخيفة, لكن الاعلام عمل على نشرها ودعمها حتى صدقها صدام نفسه, وكان يعمل على بناء هذا المدفع الخرافي!

هكذا عملت الماكنة الاعلامية الامريكية وبريطانية على النفخ في بالون صدام وتضخيمه وجعله عنوان للكراهية والشر القادم نحو دول الخليج بالخصوص, وقد اعطاهم صدام الذريعة عبر تصريحاته الاعلامية الغبية لنشر هكذا افكار, مع ان القوى العظمى تستطيع ازالة نظام صدام بضغطة زر.

 

· سؤال خبيث وجواب احمق

في احد اللقاءات الصحفية الغربية مع صدام في تلك الأيام الساخنة تم توجيه سؤال لصدام عن البرنامج النووي العراقي, فاشار صدام الى الضربة الاسرائيلية عام 1981 لمفاعل تموز وقال: ” انه لم يكن لنا برنامجا نوويا خلال الحرب العراقية – الايرانية, بل كانت هناك اغراض عسكرية فقط”.

وقد سأله الصحفي: عما اذا كانت الاسلحة النووية رادعا كافيا؟ فقال صدام: “نعم” ولكنه لم يصمت بل ابتسم واضاف: “اذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لاغراضنا اسلحة نووية بهدف إيجاد توازن اسلحة والتي اعطيت سابقا لاسرائيل فاننا لن نمتنع عن قبولها”.

 

· احتلال الكويت غير مطروح إعلاميا

وانا اتصفح صفحات الجرائد الكويتية يوم الاول من تموز/1990 لم اجد اي مخاوف عن تهديد من قبل الطاغية صدام لغزو الكويت, بل كانت الامور بعيدة, وكان الإعلام الكويتي مساند لبغداد في حربها الإعلامية ضد الاعلام الغربي.

انتظروا اليوم الثاني من تموز/1990 لنكتشف ماذا حصل وكيف سارت الامور, ومتى يكشف الطاغية صدام عن نواياه الحقيقية بعيد عن مزايدات تحرير فلسطين وردع اسرائيل.