ورقة تقسيم العراق الى اقاليم ، تلّوح بها الولايات المتحدة الامريكية بين الحين والآخر ، وهي ربما تعود الى مشروع بايدن الذي دعا الى تقسيم العراق اقاليم و دويلات صغيرة يسهل السيطرة عليها لأجل اغراض واهداف سياسية معروفة. وهو ما رفضته جهات سياسية عراقية عديدة ، لأن التقسيم هذا هو ليس من مصلحة البلد ، اذ يشتته اكثر مما يوحده ويعيده الى عافيته ، بعد ما مر ويمر به البلد من ظرف صعب ، ولا يمكن أن يعيد توازنه السياسي .
وكان مجلس الشيوخ الاميركي قد وافق بغالبية )75( مقابل (23) على قرار غير ملزم بشأن تقسيم العراق الى ثلاثة كيانات طائفية شيعية في الجنوب وسنية في الوسط وكردية في الشمال . معتقدين ان القرار هو الحل الوحيد لوضع حد لاعمال العنف التي يشهدها العراق منذ 2003 والى يومنا هذا ، حيث أن العمليات الارهابية لا تزال مستمرة ، وان الفوضى السياسية تجري على قدم وساق .
وتنص الخطة على وضع “نظام فيدرالي” حسبما يسمح الدستور العراقي ، والحيلولة دون أن يتحول العراق إلى دولة تعمها الفوضى ، بحسب ما يعتقدون . وقد رحب الكورد بهذه الخطة ، لأنها تصب بالدرجة الاولى في مصلحتهم ، وهم الوحيدون المستفيدون من ذلك . معتقدين ان الفدرالية لا تعني تقسيم العراق وتشتته ، بل انه اعتراف بحقوق وواجبات جميع مكونات العشب العراقي ، بما فيها شعب كردستان الذي يناضل منذ عشرات السنين بأقرار الفيدرالية ، وانها – الفيدرالية – ستضمن ترسيخ الديمقراطية وكذلك تعني إرساء الأمن والاستقرار والحرية ، وعدم إعادة الدكتاتورية لحكم البلاد . لكم الامر يعود الى الشعب العراقي نفسه ، فهو الذي يقرر مصيره ويرفض التدخل الامريكي بذلك .
والصحيح أن نظام الفيدرالية ، وان اقره الدستور العراقي النافذ ، الا أن ظرف العراقي الحالي لا يسمح بتطبيق مثل كذا نظام قد يشتت شمل الشعب العراقي بدل من أن يوحده ، وصحيح يضا أن ساسة العراق الذين هم الآن يديرون دفة الحكم ، من سنة وشيعة وكورد ، قد خيبوا آمال الشعب العراقي فلم يحققوا ما كان الشعب العراقي يصبو اليه وما هذه الازمة التي يمر بها العراق الا واساسها المتواجدون الآن في السلطة وبيدهم زمام الامور .
على أن مشروع التقسيم الذي يتحدثون عنه ستضيف تعقيدات جديدة على الأوضاع العراقية المعقدة أصلا وتحتاج الى ترتيب جديد في الخارطة السياسية ، ما لا ينكر أن ما يجري في العراق يسوء يوما بعد آخر، لكن العلاج لا يكن يكون بهذا الشكل .
المهم إن “القرار” الذي أصدره مجلس الشيوخ الأمريكي ، وإن اعتبر غير ملزم، إلا أن خطورته ليست في كونه ملزماً أو غير ملزم ، بل الخطورة في أنه يؤشر إلى تطور جديد في فلسفة التفكير السياسي لمراكز القرار الأمريكي حول التعامل مع الأزمات الدولية ، وعلى وجه الخصوص تلك التي تكون الولايات المتحدة طرفاً أساسياً ومهما في أسبابها وفي تلقي النتائج الصالحة التي تصب في سياستها الخارجية تجاه الدول الاخرى .