23 ديسمبر، 2024 12:46 ص

الكورونا على اجنحة الفراشة

الكورونا على اجنحة الفراشة

رب سائل يسأل عن علاقة فيروس كورونا المنتشر الان في اغلب بقاع العالم ، بكل هذه الفوضى ، والازمة الاقتصادية والانسانية التي يشهدها العالم الان ، اضافة الى تداعياتها المستقبلية الخطيرة .

الاجابة على هذا السؤال تكمن في نظرية الفوضى ، او اجنحة الفراشة .

وهذه النظرية سجلت باسم العالم الامريكي ادوارد لورانز ، وهو خبير في الأرصاد الجوية ، وتنبع فكرتها من أن أجنحة الفراشة في مكان ما قد تحدث تغيرات بسيطة في الجو يمكنها في النهاية أن تغير مسار أو تؤخر أو تسرع أو حتى تمنع حدوث إعصار في مكان آخر، وهذا لا يعني أن الفراشة تقوم بتوليد الطاقة أو إنشاء الرياح والإعاصير مباشرة، ولكن المقصود أن رفرفة أجنحة الفراشة ستكون بداية لمجموعة من الظروف قد تؤدي في النهاية إلى إعصار أو تغيرات كبيرة في الجو ، وبذلك تمثل رفرفة الجناح تغيرًا طفيفًا في الحالة الأولية للنظام يؤدي إلى تغير شامل في النهاية ، مثل تساقط احجار الدومينو الواحدة تلو الأخرى ، أي لو لم تكن الفراشة ترفرف بجناحيها، فان مسار النظام سيكون مختلفًا إلى حد كبير . . وعلى هذا الأساس فإن أي حدث مهما كان بسيطا قد يؤدي في النهاية إلى إحداث جسام .

وتسمى هذه النظرية ايضا بنظرية الفوضى التي أخذت شهرتها من عالم الأرصاد الجوية المشار إليه في أعلاه ، حيث لاحظ عام 1961 ، عندما حاول التنبؤ بالحالة الجوية للأشهر المقبلة، من خلال احتساب درجات الحرارة للأشهر الماضية ، واختصاراً منه للوقت قام بادخال بعض البيانات في الحاسوب متجاهلا كسور الرقم ، فأدخل الرقم (506. 0)بدل (0.506127) . هنا ظهرت النتيجة المفاجئة.
فمع تراكم الأشهر التي عكف (لورنز) على دراستها، وجد أن التباين أخذ في الاتساع حتى انحرف الخط البياني للتحليل بالكامل عن ذلك الذي حصل عليه بإدخال الأرقام كاملة قبل تجزئة الكسر المؤلف من ستة أرقام.
فأدرك أن ما قام به من حذف لجزء صغير من الأرقام، ظناً منه أنها غير ذات أهمية، قد أثر جوهريا على التحليل فاعطى نتائج مغايرة تماما .

ومن هنا يتبين أن الإنسان لايستطيع التكهن بالنتائج على وفق معطيات أو مسلمات مسبقة ، دون حساب دقيق ، حيث أن هناك كثير من الأمور المتشعبة التي لايستطيع ضبطها والتحكم بها قد تؤثر على المخرجات .

و في هذا السياق، يصبح فيروس الكورونا وانتشاره اكبر دليل على صحة نظرية أجنحة الفراشة . حيث أن فيروس متناهي في الصغر استطاع أن يقلب العالم رأسا على عقب . وتحول إلى جائحة تداعى لها العالم اجمع فانهارت اسواق المال في نيويورك وروما وباريس وفرانكفورت ، وتقلصت الصناعة في الصين الى أكثر من 25% وأثر ذلك على أسعار النفط فانخفظت انخفاضا كبيرا وصل إلى 32 دولارا للبرميل الواحد ، واعلنت حالة الطوارئ في كل من ايطاليا والولايات المتحدة الأمريكية واستراليا ، وأغلقت الحدود في المانيا واسبانيا ، وتم زج 100الف جندي فرنسي لمكافحة هذا الفيروس ، وأغلقت المدارس والجامعات في أكثر دول العالم ، وتم حظر التجوال في دول أوروبية عديدة ، وتعطلت المحاكم وأطلق سراح كثير من السجناء ، وأصبح مصير العالم مجهولا بعد ازدياد عدد المصابين والوفيات من جراء هذا المرض . كما اغلقت أماكن العبادة لاول مرة في مكة والفاتيكان والقدس ، وتوقفت الصلاة في كل الكنائس والمساجد ، ودور العبادة الأخرى .

في بداية انتشار الفيروس في الصين فرح بعض المسلمين ، لانه أصاب الكفار واعتبروه عقابا لهم ، حتى اجتاحتهم الموجة ، فأصبح الجميع في دائرة الخطر كالأواني المستطرقة . حيث لافضل لأحد أو دين أو طائفة على أخرى . ثم بدأ الوعي ينتشر وأخذت الخطابات الدينية تتراجع ، حيث أدرك الجميع أن هناك تهديدا مشتركا قد داهمهم . .

وتحدث كثير من الناس عن أسباب التركيز على بناء دور عبادة فخمة بدل انشاء مراكز بحوث علمية تخدم الإنسانية ، أو التوسع في بناء وتجهيز المستشفيات لمعالجة المساكين والفقراء والتخفيف من معاناتهم والآمهم ، وهنا بدأت الخلافات الدينية بالتراجع . كما تكشفت حالة التفكير الديني الزائف ، المشترك بين الأديان، والذي يستند إلى الجهل، وبالتالي تقديس الحجارة والأشخاص ، الاحياء منهم والاموات ، وحسبوها حامية لهم من الأمراض والكوارث .

وهكذا أثبتت نظرية أجنحة الفراشة أن أحداثًا تبدأ صغيرة في منطقة ما ولكنها سرعان ما تؤثر وتمتدُّ إلى العالم كلِّه ، وقد تحدث كوارث هائلة . وهذا ما يدعونا الى التفكير بالمصير الإنساني المشترك على الكرة الارضية . بيتنا الذي يأوينا .