يقال ((في السياسة عندما تكون في موقع المهاجم يجب ان تكون شديد الاهتمام بإرسال رسائل التهدئة مع الطرف الاخر خصوصا حين يمتلك هذا الطرف مقومات الدفاع)) ويقال ايضا((اما اذا كنت في موقع الدفاع، فمن الخطورة ان تتلقى رسائل الطرف الآخر بكثير من حسن النية))..!!
المتابع لتوجهات حكومة اقليم كوردستان منذ بداية الازمة التي افتعلها حكومة نوري المالكي تزامنا مع بدء شركة اكس موبيل البترولية العالمية لأعمالها في كوردستان ،نجد ان الاقليم اراد منذ البداية ان تكون الحوارات الخاصة بشأن هذه المسالة ضمن حدود التفاهم والتوافق السياسي تفاديا لاتساع رقعة الخلافات ، وقطع الطريق امام محاولات فرضها التي من شانها ان تسبب المزيد من التباعد السياسي بين الطرفين ، وهذا يعني ان الاقليم اتخذ موقفا دفاعيا ليتمكن من خلاله شرح ابعاد وضوابط عمل هذه الشركات التي اذا ما انهت اعمالها مستقبلا ستدر بفوائدها الاقتصادية على العراق عموما ، الا ان سياسة الفوقية التي مارستها الحكومة مع الاقليم أدت الى تفاقم الازمة واتساع رقعتها ، وكشفت في ذات الوقت سوء النوايا لحكومة المالكي خصوصا حين المح باستخدام القوة العسكرية ، وحشرها في الخلافات السياسية معتبرا اياها جزاء من صلاحياته كقائد عام للقوات المسلحة ، والتي ادت في حينها الى تفاقم الازمة ، وزادت من احتمالات الاصطدام العسكري بين الطرفين لو لا التدخلات الاقليمية والدولية التي اجبرتها ضمان مصالحها في المنطقة ، لدخل العراق مجددا في متاهات حرب جديدة بطلها (القومي ) نوري المالكي ، وشلة من المنتفعين والحاسدين على معالم النهضة الكوردية في اكثر من مجال ، و الذين دفعوه ولا يزال بهذا الاتجاه ..
لذلك فانه من الطبيعي ان يتخذ حكومة اقليم كوردستان موقفا حازما من ممارسات حكومة المالكي باتجاه المزيد من الضغوطات لإخضاع الاقليم لسلطتها المطلقة ، وبسط سيطرتها الكاملة عليها بهدف انتزاع الاستقلالية المحدودة منه التي اجازتها قوانين الفدرالية بهذا الخصوص ، وهذا الموقف بحد ذاته كانت اشارة واضحة من ان حكومة الاقليم قد اتخذت قرارها بعدم القبول بالضغوطات مهما كانت نوعها وحجمها في ظل نظام سياسي اقره الدستور وصوت عليه 80% من ابناء الشعب العراقي ، الذي انهى كل حالة من حالات التسلط الفردي المطلق على مقدرات الشعب وطموحاته القومية الوطنية.. وهذا يعني باعتقادنا ان الرسائل التي يبعثها المالكي تحوم حولها الشكوك وكثير من الغموض ، ومن حق الاقليم ان لا يتلقاها بمزيد من حسن النوايا لأن السنوات الماضية أثبتت ان العقلية التي تشارك المالكي في اسلوب تعامله مع الكورد هم من أصحاب النوايا السيئة ، ويغارون من العملية النهضوية التي يشهدها كوردستان ، وينظرون اليها بعين الحسد والحقد والكراهية ، وهم نفس الوجوه التي صفقت للنظام البائد وممارساته العدوانية التي سببت الويلات والخراب لكوردستان على مبدأ سياسة الارض المحروقة ، ولهذا نجد تلك العقليات لا يزال تراوح في ذات المربع المعادي للنهضة الكوردية ، بل وتسعى لوضع العراقيل في طريقها للحيلولة دون ارتقاءها لمستوى الطموح الوطني والقومي للكورد الذين واجهوا طواغيت كل العصور بصلابة الايمان بحتمية الانتصار وانتزاع حقوقهم المشروعة .
ومن هنا نجد امتناع الحكومة المركزية من صرف مستحقات شركة اكس موبيل التي تمارس عملها في كوردستان يستهدف أولا واخيرا فرض ارادات سياسية تتعلق بمبدأ تجديد ولاية ثالثة لنوري المالكي الذي يتامل دعما كورديا بهذا الشأن للحد من حجم المعارضة الشديدة التي يواجهه من قبل شركائه السياسيين بسبب تفرده باتخاذ القرارات التي زادت من رقعة الازمات السياسية ووقوفه بالضد امام كل مشورة سياسية تساعد في تخيف شدة الازمات الكبيرة والمستعصية على الحل .. والاهم هو عدم رجوعه للبرلمان حول في مسالة عودة البعثيين للواجهة السياسية بل ومشاركتهم في انتخابات مجالس المحافظات التي اثارت حفيظة العديد من الكتل السياسية الشيعية ، وخلقت أكثر من سؤال حول نهجه السياسي واسبابه ، وتبرئة ساحة الضالعين بتهم الارهاب وسرقة المال العام ، والتستر عليهم على مبدأ عف الله عما سلف، فضلا من تنسيب عدد كبير من ضباط الكبار في الجيش السابق للنظام للعمل مجددا في الجيش الحالي ، وتسليمهم مناصب قيادية مهمة ، واحاطتهم بالرعاية والاهتمام التي زادت من شكوك حول مصداقيته في ادارة البلاد على اسس المصلحة الوطنية العليا…
لذا فان المصلحة الكوردية يتطلب عدم الانجرار وراء الوعود الآنية ذات المغزى لكسب الوقت الذي يمارسه الحكومة خصوصا ان قراءة الرسائل الموجهة للقيادة الكوردية من قبلها تندرج في لائحة اللعب السياسية لنوري المالكي الذي اصبح امر تنحيه عن السلطة مطلبا من مطالب شركائه السياسيين الذين وقعوا مرارا وتكرارا في شبكات هذه اللعب دون ان يجدوا مخرجا تنجيهم من اثارها وتداعياتها ، وبلا شك فان الرجوع الى تأكيداته وتصريحاته حول الاحقية الدستورية للمادة (140) ، ومن ثم دون تنفيذها على ارض الواقع يجد المواطن الكوردي حجم المراوغة والمطاولة التي يمارسه المالكي في شان المستحقات الكوردية ، واستمراره في الهاء الكورد بقضايا جانبية التي لا تصب في مصلحته السياسية خصوصا في ظل الدعوات التي تخرج هنا وهناك حول تخفيض مقدار الموازنة الممنوحة لإقليم كوردستان التي اذا ما قورنت مع طبيعة الانفجار السكاني هناك نجدها هي دون المستوى الاستحقاقي للكورد ، ولا تتلاءم مع حجم البناء والأعمار التي تشهدها كوردستان ، واصبح بموجبها اقليما نهضويا يستقطب الشركات العملاقة من جميع انحاء العالم ، ويتسابقون بهدف الفوز بفرص الاستثمار المتاحة في ظل واقع أمني قائم على اساس تكاتف الجميع لإبراز دور الاقليم الناهض بحيوية ونشاط جاد الذي بدأ خطوته الاولى في بداية التسعينيات بإصرار على تغيير صورة الخراب والدمار في كوردستان الى معالم عمرانية شامخة ، ومؤسسات حكومية تمارس عملها وفق ضوابط قانونية ودستورية لا تختلف من حيث الاداء للواجب الوظيفي عن دول الكبيرة ، ولا تنقصها ما يميزها عن الحكومة المركزية من حيث الكفاءة والمقدرة على الارتقاء بمستوى خدماتها المقدمة على كل المستويات..
على هذا الاساس ان الصراع القائم بين حكومة المركز المتمثل في شخص نوري المالكي وحكومة اقليم كوردستان هو صراع بين ارادتين ، ارادة تريد اصحابها ان يعود الكورد كما كان به الحال قبل عام 2003 ، وارادة تدفع بالشر لنحور اصحابه من اجل حماية المكتسبات المنتزعة ببحار من الدماء ، والحفاظ عليها على اسس المصلحة القومية والوطنية ، بكل الطرق والوسائل المتاحة التي تبعد شبح الاجواء المشحونة بمخاطر الحروب والنعرات ، ولهذا فان مقاطعة جلسات الحكومة والبرلمان من قبل الكورد ، هو اجراء دستوري وقانوني لحين يدرك الطرف المقابل مخاطر نهجه المغاير لاتفاقية اربيل التي ابرمتها كل الاطراف السياسية لضمان ديمومة العملية السياسية التي تلف حولها الغموض الى الان في اكثر جانب نتيجة لسياسة التفرد للحكومة ورئيس مجلس وزراءها نوري المالكي ، وهي سياسة وضع العراق في مفترق طرق مجهولة لا تظهر اثارها الا حين تقوم الواقعة وسط البراكين المحتملة بالانفجار في كل وقت…