20 ديسمبر، 2024 4:52 ص

الكورد الفيليين …المأساة والمعاناة لاتعني الاستسلام

الكورد الفيليين …المأساة والمعاناة لاتعني الاستسلام

بعد السنوات الثلاثة عشر على سقوط النظام الدكتاتوري وحلول العهد الجديد تحل هذه الأيام الذكرى السنوية السادسة والثلاثين  على مأساة تهجير وتغييب الاف من شباب الكرد الفيليين ، ففي 4/4/من كل عام . تخيم على قلوبنا مشاعر من الألم والتوجع على ضحايانا الأبرياء ومعها مشاعر من الغضب على نظام بربري جمع بين الإستبداد وعدم التسامح ، وأستطاع بكل بساطة من تحطيم حياة مئات الألوف من مواطنيه بتهجيرهم وسلب أموالهم وممتلكاتهم واعتقال أبنائهم منهم والتي كانت تضم اعدادا غير قليلة من المثقفين والعقول النيرة ومن مختلف شرائح المكون  ومن ثم قتلهم غدراً بعد سنوات طويلة من الإعتقال . وكل هذه الجرائم الوحشية إرتكبت بدون أي ذنب من الضحايا،مقابل سكوت المنظمات الدولية والعربية .
هذه المأساة التي غدت واحدة من أفدح الجرائم التي ارتكبها نظام الجور والاستبداد . ان الكثير من الظلم  والحيف الذي مسهم  يخفف كل الفواجع ويلغي كل المحن التي سببها عمدا للعراقيين النظام البائد ، وتعرضهم للمضايقات وللصهر القومي ألقسري على يد السلطات المتعاقبة  خلال فترات طويلة أشدها قسوة في فترة  سنوات حكم البعث في السبعينات والثمانينات ، الفضائع التي ارتكبت بحق الفيليين كانت في إطار إبادةٍ واسعةٍ النطاق وسياسة منهجية تعكس سلوكية النظام الطاغوتي وحزبه الفاشي ، حيث تم تغيب عشرات الآلاف من أبنائهم ومصادرة ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة بسبب هويتهم وانتمائهم القومي وطمعا بقوتهم التجارية والاقتصادية وثقلهم في الشارع العراقي. ان تاريخ نضال الكورد الفيليين في العراق و بغداد ووسط وجنوب العراق سجله التاريخ باحرف وضاءة ، وما سجل شهدائهم الا صفحة بيضاء طاهرة في تاريخ العراق الدامي ، اما في اقليم المحبة وجبال كوردستان فقد كان للكورد الفيليين الدور الريادي لتشكيل الاحزاب الكوردية المناضلة وقدموا الدماء الزاكية للدفاع عن الحقوق القومية والوطنية .
هذا الشعب  الذي سعى للخير على مر السنوات العجاف من اجل مستقبل زاهر لابنائه ، ولشعبه سواء من الكورد اوالعرب اوالتركمان اوالكلدو اشور وغيرهم من الطوائف والمذاهب والاديان.    
ان التطرق لتاريخهم هو متميز في بناء دولة العراق بجميع جوانبه الحياتية ، واخلاصهم وتفانيهم في عملهم ولدورهم البارز على الساحة السياسية وفي جميع مراحل نضال المعارضة العراقية . ولكن اريد ان اكشف جانباً من معاناة هذه الشريحة الكوردية في العهد الجديد ، عهد الديمقراطية لانهم لم ينصفوا هذا المكون المضحي والاصيل.
 اننا لسنا في سبيل  ان نسرد حقيقة اصالة وعراقة الكورد الفيلية في ارض العراق ، وهو من المكونات الكبيرة في  الشعب العراقي تقطن في أماكن عديدة من العراق، من كركوك حتى البصرة ومن شرق ضفاف دجلة والفرات حتى الحدود وتتشكل من عشائر مختلفة لقد ثبت لكل صاحب ضمير ومن يتابع التاريخ ماهية هذا الشعب الابي في التفاني والاخلاص و وطنيتهم وحرصهم على انتماءهم لا عبر المواقف السطحية  انما  عبر طبيعة الهوية التي يحملونها ومن خصائص تركيبة اصيلة ونفسية اجتماعية متفانية و تطلعاتهم  الفكرية والسياسة الزاخرة و في تاريخهم وثائق تثبت تقيمهم  وجودهم الانساني  والقومي ووضوح الانتساب لهذه الارض  بكل مفردات اخلاصهم وعطاأتهم وعيشهم السليم وتطلعاتهم المخلصة والمحافظة على عقائدهم الدينية والمذهبية التي يتشرفون بالانتماء لها . وفي ابشع انتهاك للشرائع السماوية والدنيوية وللأعراف الأخلاقية والمواثيق الدولية عمدت الأجهزة القمعية آنذاك، وبإيعاز مباشر من رأس السلطة ، إلى حرمان الآلاف منهم من حقهم في المواطنة العراقية التي اكتسبوها أبا عن جد ، ونهبت أموالهم وممتلكاتهم وتركوا على الحدود عرضة لمصير مجهول . ومن تبقى منهم رُحَّل إلى سجن نقرة السلمان الرهيب والى سجون أخرى واختفى الكثيرون منهم ومازال مصيرهم مجهولا حتى اليوم .إن تلك الجريمة النكراء التي ارتكبت بدافع أحقاد قومية وطائفية جاءت في سياق حملة ترويع شاملة ضد كل العراقيين الذين اعتبر الحاكم الجائرأنهم قد يكونون عائقا يحول دون بسط هيمنته الفردية المطلقة . ولكن الدافع السلطوي لم يجعل جرائمه تقتصر على الخصوم السياسيين بل شملت النساء والأطفال والشيوخ والأبرياء من الشبان والرجال ، وذلك لبث الهلع والخوف باعتبارهما من أدوات تثبيت السلطة الفردية .    
اننا لانريد ان نعيد للذاكرة العراقية التي اهملتهم  اثبات عراقية هذا المكون المهم والوطني انما حتى يسودهم الإطمئنان على مستقبلهم ،
 اونود الحديث عن دورهم في الحركة السياسية العراقية التي قد اطرتها بكل شموخ في التاريخ القديم والحديث بصفحات من نور ، وقدمت هذه الامة ولازالت قوافل من الشهداء  الذين طرزوا صفحات التاريخ العراقي بفخر واعتزاز بها ، و ساهموا في مجالات الحياة كافة وفي بناء الثقافة والفنون والسياسة. ولكن يجب ومن المفروض ان تكون هناك آلية وخطط تستعجل تخفيف معاناتهم ومداواة جراحهم البليغة التي احدثها النظام المباد ، ويفترض ايضا ان يكون من يتبوأ المراكز العليا في الاجهزة  التشريعية والتنفيذية والقضائية يمتلك من الضمير المنصف ما يدعو للاطمئنان والارتياح ، باعتباره امينا على مصالح العراقيين وراعيا لحقوقهم ومندفعا لتحقيق احلامهم المشروعة ، ويفترض ايضا من المسؤولين كان  من يكون ان يعرف من تاريخ العراق الحديث ما جرى من ويلاتهم وجرائم التي اقترفت بحقهم ، نتيجة اخطاء و جرائم اقترفوها او معاناتهم ومشاكلهم اسبابها اجتماعية ، انما قرارات سياسية بحتة لذا فإن وضع حد لهذه المعاناة الطويلة ووضع حلول واقعية جذرية لمشاكل هذا الطبقة المظلومة  لا يتم إلا بإصدار قرارات من أعلى السلطة تشريعية ويتم متابعتها من قبل السلطة  التنفيذية  في دولة العراق الديمقراطية التعددية . ويتطلب صدور مثل هذه القرارات  السياسية وتشريع مثل هذه القوانين وجود إرادة سياسية وطنية فعلية لدى قيادات القوى السياسية الفاعلة والحاكمة في العراق والبدء بتنفيذه. ولا تنفع معها الحلول الجزئية وأنصاف الحلول بعد مرور كل هذا الوقت الطويل، وتحويل القضية إلى إجراءات جزائية وإدارية بين دوائر الجنسية والدوائر ألأخرى في وزارة الداخلية ووزارة الخارجية والسفارات وغيرها من الوزارات من جهة كما حصل مثلا بالنسبة لقضية الممتلكات غير المنقولة العائدة لهذه الامة الكريمة  بتحويلها من قبل الدولة إلى أملاك متنازع على ملكيتها بين أفراد هم أصاحبها الشرعيين الأصليين ومالكيها الحاليين والتي أدت إلى مشاكل لايسمح المجال لذكرها في هذا الموضوع  وكلفتهم مبالغ كبيرة  وإجراءات إدارية روتينية وقضائية لم ينتهى منها لحد الان في المحاكم ويتخوف البعض منهم متابعتها خوفا على حياته .
ولكن على كل حال  اننا امام مسؤولية يجب ان لا تودي بنا إلى الاستسلام وفقدان الأمل واللامبالاة بل على العكس يجب أن تدفعنا إلى التفكير الجدي بعيدا عن العواطف لتشخيص أخطائنا ونواقصنا ونقاط ضعفنا وأن تحفزنا على أن نواصل جهودنا بأساليب مختلفة وأن نثابر أكثر من السابق إلى أن يتم إحقاق حقوقنا وإنصافنا ونحصل على معلومات عن شهدائنا الإبرار ويتم رد الاعتبار إليهم والينا. علينا برص صفوفنا وترتيب بيتنا وتقييم مسارنا. وفي الختام لتكن هذه المناسبة  الأليمة مناسبة إستذكار لكل الضحايا الأبرياء من أبناء العراق الذين فقدوا حياتهم ظلماً تحت خيمة  الإستبداد .
تحية اجلال واكبار لشهداء الكورد والكورد الفيليين
الذكر الطيب وننحني إجلالاً واكراماً للشهداء وللبطولة التي تحلوا بها والمجاهدين الذين ما زالوا يحملون راية الدفاع عن العرض والمقدسات في العراق  .

أحدث المقالات

أحدث المقالات