22 ديسمبر، 2024 7:18 م

شاءت حكمة المولى أن نجتمع اليوم في سفينة واحدة وأن نساهم جميعا ، وكل من موقعه في قيادتها مدركين بوحدة المصير والقدر الذي يقودنا الى شاطئ الأمان .
وليس غريبا أن يدّعي كل منا بالتأريخ العريق والجهد الذي بذله في المساهمة في بناء لبنات مؤسسات هذه الدولة العريقة ، وكل منا لديه العشرات بل المئات من ‏القصص والأحداث عبر مسيرة طويلة من أروع سنوات عمرنا أمضيناها في ‫بناء وخدمة هذا الصرح العظيم ، وكل منا لديه بصمة هنا أو هناك ، ضمن شواخص شامخة تشهد بها عراقنا من خلال مشاريع جبارة ، نفذت من أقصى الشمال إلى أطراف الجنوب .
ورغم سنوات البأس واليأس والاضطهاد و الحروب والحصار المرير ، حافظت كوادر هذه الشركات على شرف المهنة ‏وأخلاقياتها وأخص بالذكر في مقدمة هذه الكوادر المهندسين الذين لم تغيرهم تقلبات الزمن ولم تتمكن مخالب الزمن من خدش روحية الصبر والتحدي التي يمتلكونها .

أما اليوم فقد كتب لنا أن نعيش لنرتقي العهد الجديد من تأريخ هذا البلد الجريح ، والأمل معقود على المتصدين من الشرفاء المتواجدين في ساحة التحدّي ، في تحمل القسم الأكبر من مسؤولية إعمار هذا البلد ‏المدمّر والمنهار ، وقد قدّمنا كلمة الأعمار وجعلناه الهدف الأساسي لنا ، نمرّ اليوم باختبار عصيب وفريد من نوعه ، وهي أن السفينة التي تجمعنا لتنقلنا الـى بر الأمان ، تعاني من التصدّعات ، وأن هذه التصدّعات باتت تثقل كاهلنا ، وبدأت تجرفنا بعيداً عن مسارنا ، وكلنا ندرك جيداً قساوة الظروف القاهرة والاستثنائية التي تمر بها البلد وأنعكاساتها الخطيرة التي ليس بالوسع التقليل من شأنها إلا إذا ابتعدنا عن مسار وطنيتنا ، ودخلنا في دهاليز الإنتهازية والأنهزامية التي لا تؤمن بالشعور بالمسؤولية وعدالة التصرّف .
لقد حققت الشركات العامة الهدف الذي تم إنشاؤها من أجله في الفترة التي تم تأسيسها ( سنوات الحرب العراقية- الأيرانية ) ، وكما جاء في المادة (٢) من قانون الشركات العامة ، (( لبلوغ اعلى مستوى من النمو في العمل والأنتاج واعتماد مبدأ الحساب الأقتصادي وكفاءة استثمار الأموال العامة وفاعليتها في تحقيق اهداف الدولة ورفع مستويات اداء الأقتصاد الوطني )) . حيث نفذت العديد من المشاريع الستراتيجية في الوقت الذي ترددت الشركات الأجنبية بل إنسحبت بسبب الحرب ، وكذلك تم تنفيذ معظم المشاريع التابعة للدولة ذات الطابع السري أو الحيوي ، ونتيجة لأكتساب كوادرها الخبرات وأمتلاكها البنى التحتية المتينة من آليات ومكائن ومعامل ، تمكنت هذه الشركات من إعمار العراق بوقت قصير بعد الدمار الشامل الذي أصاب العراق في عام ١٩٩١ ، مع التذكير بعوامل أخرى مهمة ساهمت في ذلك ، أهمها القبضة الحديدية للدولة ، والأدارة المركزية المقيتة بجانب الدعم المالي المفتوح ، التي ساهمت جميعها في إنتزاع جميع مكامن الطاقة من المهندس العراقي . لكن ظروف الحصار المفروض على العراق وتأثيراتها على جميع مفاصل الحياة بدأت تنهش بجسد المهندس العراقي قبل جسد الشركات ، أمام عجز الدولة وفشلها في المقاومة ، فبدأ الأنهيار من منتصف تسعينات القرن الماضي . وجميع المحاولات التي خاضتها الأدارات المختلفة منذ ذلك التأريخ والى يومنا هذا ، لم يتعدى سوى الأصرار في البقاء في دائرة الوهم ، وعدم القناعة بمغادرة هذه المحطة ( نتيجة جهل أو سوء إدارة أو مخطط مدروس !!!) ، حتى تحولت هذه الشركات الى كهوف مظلمة ، عجزت جميع الأدارات عن تغييرها .
‏وعند الخوض عن أي حديث عن المحاولة لمعالجة جوانب الفشل التي منيت بها هذه الشركات ، وبناء على مقتضيات الواقع الجديد ، نجد أنفسنا وجهاً لوجه أمام القوانين والتعليمات النافذة التي أصبحت لا تنسجم ولا تواكب الظرف الحالي ولا توفر الحلول اللازمة لمعالجة العجز الحالي وبالتالي يكون مصيرنا الإخفاق والفشل .

‏علماً بأن تلك القوانين والتعليمات التي مازالت نافذة الى يومنا ، هي التي أوصلتنا الى حافة الأنهيار نتيجة ركودها وعدم مواكبتها التغييرات التي حدثت وتحدث في محيطنا . وما زاد في الطين بلّة ظهور ( جهابذة العصر ) الذين نصّبوا أنفسهم مشرّعين أو مفسّرين لنصوصها حسب أهواءهم ، مرتكبين أخطاء جسيمة بحق مؤسسات عريقة .
‏إن التناقض والعشوائية في القرارات التي نعيشها اليوم ، بغض النظر عن الأسباب الحقيقية ( جهلاً كان أو سوء إدارة أو إجتهاد شخصي ، أو مخطط مدروس ) ، أصبحت سمة واضحة من سمات العصر الجديد ، بل باتت تشكّل مشهداً حقيقياً لواقع ( الفوضى الخلّاقة ) !!!!