19 ديسمبر، 2024 12:50 ص

الكهرباء والمشاعل الحرارية

الكهرباء والمشاعل الحرارية

(مشروع التحدي) عنوان أطلق على مشروع إعمار معمل سكر الموصل، وشرع فيه مع بدايات تسعينيات القرن الماضي عندما كانت تتعرض مواقع العمل في هذا المشروع إلى إلقاء عشرات المقذوفات الحرارية (مشاعل حرارية) بوساطة الطائرات الأمريكية، التي كانت تحلق بحرية فيما يسمى مناطق حظر الطيران (Iraqi no – fly zones) على وفق القرارات الأممية، التي حددت مناطق حظر الطيران العراقي، التي فرضت، بعد حرب الخليج الثانية وحددت هذه المناطق اعتماداً على أرقام خطوط العرض، فكان حظر الطيران يشمل المناطق الواقعة شمال خط العرض ٣٦ وجنوب خط العرض ٣٢ كافة.
بالرغم من خطورة سقوط هذه المشاعل لتسببها في إحداث الحرائق (حدث هذا لمرات) وكذلك ما تسببه من إزعاجات وقلق مستمر عانى منه العاملون في المشروع إلا إن روح التحدي والإصرار مكنتهم من الاستمرار بممارسة واجباتهم المحددة لهم على وفق خطة العمل المعدة للأعمار ، كان الرد الأول في تحدي هذه الطائرات ومشاعلها هي تنفيذ فعالية وضع علم العراق في أعلى نقطة من سماء موقع المشروع فتم تثبيت الراية من قبلي بوصفي مدير المشروع، آنذاك، وكان هذا في أثناء تحليق الطائرات فوق أرض المعمل.
بقيت صورة الطائرات هذه وتحليقها بارتفاع منخفض وما تلقيه من مشاعل لا تفارق ذاكرتي وكنت دائم البحث عن ردود أخرى للثأر مما اقترفته هذه الطيور المزعجة واستمر هذا حتى نهاية العام ١٩٩٩ (بعد قرابة ست سنوات من انتهاء العمل بالمشروع) عندما سخرت خبرتي المستقاة من سنوات خدمتي العسكرية (الالزامية) في وحدات الدفاع الجوي، فكانت أساسا ً في ابتكار وسيلة فعالة هدفها إزعاج طواقم الطائرات المعادية كذلك زرع الخوف في نفوس الطيارين وإرباكهم ومنعهم من التحليق بحرية فوق مناطق الحظر الجوي المنوه عنها في بداية المقال.

جرى التنسيق المباشر مع قيادة الدفاع الجوي (كان حينها الفريق الطيار الركن شاهين ياسين محمد قائداً للدفاع الجوي العراقي) حيث نفذنا مشروعاً مشتركاً معها بالاعتماد على الفكرة الخاصة بالوسيلة المبتكرة في استخدام أجزاء من شبكات المنظومة الكهربائية (من دون التأثير على أدائها الفني طبعاً) المنتشرة في مناطق العراق كافة.

كتب لهذا المشروع النجاح، في نتائجه الفاعلة في إحداث تعويق لمسارات حركة الطيران المعادي، وظهر الكثير من حالات التخبط والهروب وإطلاق عديد من الصواريخ من دون أهداف نتيجة لما واجهته طواقم الطائرات من مفاجآت غير محسوبة ولدت لديهم نوبات كبيرة من الرعب وضعتهم في دوامة حسابات خاطئة.
كانت لروحية العمل المشترك، التي تحلى بها فريق العمل المكلف بانجاز هذا المشروع (مجموعة من ضباط الدفاع الجوي ورهط من العاملين في قطاع الكهرباء) تعبر عن لوحة وطنية صادقة في مضامينها معاني التضحية والشجاعة تحت عنوان كبير هو (التحدي).
غير متصل. جارٍ الاتصال خلال ثانية واحدة…