يبدو ان هناك مقاربة بين الشعراء والكهرباء والقمر..كونها تدخل في صميم الولادة العسيرة لإية قصيدة تنبلج بها أسارير الشعراء ومن إكتوت قلوبهم بنار الحب ، أو تولعوا بحب الوطن والدفاع عنه بوجه ما يتهدده من أخطار وما تمر به من محن وشدائد.
ويوم لم تكن هناك كهرباء في سالف الدهور، كان الشعراء يتغزلون بضوء القمر للدلالة على جمالية الحبيب ، حيث لاتوجد سوى القمر والنجوم وبعض الكواكب تتلألا في السماء ، وأبدع الشعراء في نسج أروع القصائد في وصف حبيباتهم أو الهيام بهن، أما في زمن الكهرباء الوطنية فقد اختفى ” الحب العذري” وراح الحب التكنلوجي والمادي والولع في الفساد الاداري والمالي وبيع الأحبة وضياع الاوطان هو اللغة السائدة في أغلب مضامين قصيدة اليوم.
ولا أدري ان كان عزوف أغلب شعرائنا هذه الايام عن نضم الشعر مرده الى وجود الكهرباء الوطنية أم بسبب طغيان الفساد والارهاب بمختلف أشكاله في الحياة ما عرض القصيدة العربية الى الاندثار والتلاشي، ولم تكن هناك ” معلقات” تبهر العشاق والهائمين في بحور العراق ، كما كان يجري في ايام قصص العشق العربي ، بدءا من قيس وليلى الى جميل بثينة وعنترة وعبلة وقيس ولبنى وكثير وعزة وغيرهم من الشعراء الفحول الذين أبدعو ا أروع ما جاد به اللسان العربي من عذب الكلام ، ليضفي جمالية رائعة على اللغة يسيرها الشاعر ليبهر بها قومه، ولتكون بمستوى حبيبته.
ورغم ان وزارة الكهرباء الوطنية العراقية احتضنت الكثير من الشعراء والمبدعين بين صفوفها ، الا انهم لم يتكمنوا في الاونة الاخيرة من ان يوظفوا غياب الكهرباء عن المواطن العراقي ليرشدوه الى ان يتمتع بضوء القمر ويتغزل فيه الشباب والحالمون بعشق عراقي يغترف من بحور الهوى ما يعيد لتلك الاجيال اصالتها ، وتعاد لنا تلك الايام السالفة يوم كان الشباب يتخذون من طبيعة القمر الساحرة مجالا للتغزل بالحبيب وجمالية القمر والليالي الساحرة ، كما اننا لم تشعر في قصائد الجيل الجديد هذه الايام مايدل على عاشق تكهرب او اكتوى بنار الكهرباء من أجل حبيبته، بعد ان غاب القمر عنا، كما غابت الكهرباء الوطنية، وكان الاحرى بشعرائنا استغلال العودة الى ذكريات الماضي القديم بعد ان تنطفيء الكهرباء عنا لساعات طويلة وربما لايام ، لانجاب قصائد ترفد الذوق العراقي ببدائع الكلمة، بعد ان يعود الشعراء لينهلوا من ضوء القمر وجاذبيته الساحرة ما يعيدهم الى صور شعراء ذلك الزمان من العشاق العرب الذين ما زلنا نهيم بشعرهم وقصائدهم التي تهز الوجدان.
شعراء عراقيون كثيرون لم ينتبهوا الى ان هناك عودة الى أيام زمان ” الحب العذري ” ليغردوا بجمال القمر ويعيدوا التغزل بحبيباتهم ، أو على الاقل لكي يشجعوا الشباب العراقي في ان يستغل حالات السهر في التمتع بضوء القمر وسحره العجيب ويوظفه لاغراض اثارة مشاعر الحب الجياشة ، لكي يعيدوا لنا حلاوة القصيدة العربية وجماليتها الساحرة الأخاذة ، بعيدا عن صخب الحاضر وبلواه القاسية وعمليات الاجرام وتفكك الحياة والمجتمع وانحلال القيم الذي رافق العملية السياسية التي ولدت ميتة ولم تنفع كل محاولات غرف الانعاش لاعادة الحياة لها مرة اخرى.
أحد الشعراء رد مازحا على هذه الظاهرة بالقول : يلومون كهرباءنا والعيب فينا وما لكهربائنا عيب سوانا!!