19 ديسمبر، 2024 12:14 ص

الكهرباء والسلطة.. مقارنة بين حالتين

الكهرباء والسلطة.. مقارنة بين حالتين

بعيداً عن تناول الأسباب الفنية التي كانت وراء حادث الإطفاء الشامل لمنظومة الكهرباء الأردنية الذي حصل، ظهيرة الجمعة (٢١ مايس) من هذا العام وما ذهب إليه المعنيون في قطاع الطاقة الأردني من عرض العديد من الاحتمالات التي أدت إلى هذا الإطفاء بهدف تحديد ظروفه بالدقة العالية لمعالجة سببه وتفادي تكرار ما حصل… حتى وصل الأمر إلى خيار الاستعانة بإحدى الشركات الاستشارية العالمية المتخصصة لتحليل حالة الإطفاء والوصول إلى العوامل المسببة له، هذا الانقطاع في تزويد الكهرباء لم يستمر أكثر من سبع ساعات جرت في أثنائها أعمال الإعادة للمغذيات الكهربائية لعموم مناطق المملكة الأردنية تباعاً، في مساء يوم الاطفاء نفسه، وهذا ما ظهر على شاشة القناة التلفزيونية الرسمية أربعة وزراء من كابينة الحكومة الأردنية من الذين يخص حادث الإطفاء جانبا ً من عمل وزاراتهم مع العديد من المسؤولين ذوي العلاقة جنباً إلى جنب مع الوزير المعني صاحب العلاقة المباشرة بالحادث (وزارة الطاقة) وعلى منصة إعلامية واحدة إذ أدلوا وبشفافية واضحة بتصريحات موجهة إلى المواطن تضمنت عرض الإجراءات التي اتخذتها الأجهزة المعنية لتفادي النتائج المترتبة، في الاقل الأقل حالة الانقطاع المفاجيء للتيار الكهربائي مع بيان أسبابه المتوقعة (قيد البحث) بنحو أولي، ولم يقتصر ذلك على المستوى الحكومي فقط، بل امتد إلى قبة البرلمان الأردني حيث نظمت جلسة خاصة للوقوف على تفاصيل الحادث والاجراءات المطلوبة لضمان عدم تكراره ومنع حصول تبعات تعرض المواطن لخسائر مادية، كانت هذه الجلسة بحضور وزيرة الطاقة والعديد من المعنيين في شركة الكهرباء الوطنية.. كان هذا كله يهدف إلى إطلاع وطمأنة الجمهور إزاء ما حدث حيث تحقق جليا ًمبدأ الاحترام المتبادل بين السلطة ومواطنيها وهو الحاسم لتأمين عوامل التعاون بين المواطن والمؤسسات المختلفة العاملة في المجتمع….
تذكرني هذه الحالة بما كان شبيهًا لها إزاء ما حصل لمنظومة كهرباء المنطقة الشمالية في العراق، نهاية ثمانينيات القرن الماضي، عندما حدث انقطاع شامل للكهرباء المغذية للمحافظات الشمالية الثلاثة (دهوك، أربيل، السليمانية) ولأوقات طويلة، حيث تلقت وزارة الصناعة والمعادن، آنذاك، توجيهاً من رئاسة الجمهورية يقضي بتنظيم ندوة تلفزيونية يظهر فيها المديرون العامون للكهرباء لتوضيح أسباب هذا الانقطاع الذي نتج عن سقوط العديد من أبراج نقل الطاقة الكهربائية بفعل عمليات التخريب الحاصلة فيها وعرض جهود دوائر الكهرباء في إصلاح الأضرار في هذه الأبراج وإعادة خطوط النقل الحاملة لها للعمل بهدف إعادة التغذية الكهربائية للمناطق التي تعرضت للإطفاء الشامل حيث كان لهذا الإجراء أثر واضح في زيادة مستوى تفاعل المواطن وتعاونه مع دوائر الكهرباء المعنية لشعوره باهتمام الجهاز الحكومي بمصالحه وحرصه على توفير الخدمات الضرورية له.
وإذا لم نكن بصدد عرض الجانب الفني لحادث انقطاع الكهرباء الشامل في الاردن فإننا لسنا بصدد عرض المقارنة الفنية بين عمل منظومة الكهرباء العراقية ومثيلتها الاردنية… فلكل منهما ملامحها ومواصفاتها وظروفها التشغيلية الخاصة بها، إلا أن الذي يعنينا هو الفرق في التعامل مع هكذا حوادث في حالة حصولها في بلدنا المجاور للأردن، فهل سوف يكون مستوى التعامل المطلوب بهذا الاهتمام الكبير؟
بالرغم من استمرار معاناة المواطن جراء خدمة الكهرباء البائسة، منذ ثلاثة عقود مضت، لم يحرك المعنيون في هذا الملف تجاه خيار التعامل الشفاف معه لتتم المصارحة بعرض الأسباب الحقيقية وراء تفاقم معضلاته بعيداً عن المسوغات التي يتكرر تناولها وأصبحت محط تندر للمتلقي، فالحالة الرديئة لمنظومة الكهرباء العراقية، اليوم، وعلى وفق ما تستحقه من اهتمام وجهود استثنائية لغرض انتشالها من قاع الاداء المتعثر تستدعي الكثير من الإجراءات وعلى نحو مضاعف لما حصل في الأردن من فعاليات ساهمت فيها الإدارة الحكومية ومجلس النواب والنقابات المهنية والتي تعبر عن حقيقة احترام السلطة لحقوق المواطن والحرص على مصالحه ومثلاً يشار إليه في التعامل السليم مع الأحداث في مجالات الحياة المختلفة.