22 ديسمبر، 2024 11:19 م

الكهرباء: خصخصة أم مقاولة؟

الكهرباء: خصخصة أم مقاولة؟

يبدو أن هناك التباسا لدي المعنيين بالشأن العراقي وكيف تحل المشكلات والأزمات الكثيرة التي يمر بها البلد، ودون تمحيص لجئوا إلى الخصخصة أو كما يسميها علماء الاقتصاد والسياسية بـ (الخوصصة) privatization وكأنها الحل المثالي لتلك المشاكل وبنظرهم أن جوهر هذا المفهوم هو بيع القطاع العام للمستثمرين كي يأخذ المستثمر على عاتقه حل الصعوبات وتوفير خدمات للمواطنين أفضل من الخدمات التي يقدمها القطاع العام أو ما يسمى بقطاع الدولة، بينما التطبيق العملي لهذا التوجه يرتبط بطبيعة اقتصاد البلدان المراد خصخصة اقتصادها، وأي تجريب في هذا المجال، ينبغي أن تكون البداية بعيدة عن الفساد بشقيه المالي والإداري. لأن بوجودهما لا توجد نوايا حسنة لحل الأزمة.
ولا بد أن نذكر أن ما جرى من خصخصة في العالم الغربي وخاصة بلدان أوربا الغربية هو أن تتولى شركات كبرى عملاقة بإمكانياتها المالية والتقنية وتعمل كمؤسسة لإدارة الصحة والتعليم والماء والكهرباء وكل ما يتعلق باحتياجات المواطن وفق عقود مع الدولة وشروط منها دفع مبالغ كبيرة كضرائب للدولة لكي تتمكن الدولة من تقديم خدمات جبارة للمواطنين من تبليط شوارع وأرصفة وحدائق… يحسها المواطن المنتفع، ومنها تدفع رواتب العاطلين عن العمل لحين حصولهم على عمل وهي رواتب الحد الأدنى التي تمكن العاطل من العيش بكرامته، فضلا عن الإعانات التي تقدمها البلدية بين الحين والآخر من أثاث ولوازم بيتية،ومساعدة دفع نسب من إيجارات السكن ضمن ضوابط تحددها الرواتب أو الدخل السنوي أجور دراسة الأبناء لذوي الدخول المحدودة وغيرها كثير.
هل ما جرى ويجري من “خصخصة” في العراق تشبه ما ذكرناه؟ بالطبع لا يوجد أي رابط وطبيعة اقتصادنا متخلف ومختلف تماما، وفي ظل غياب صدق النوايا وبدون النزاهة والمصداقية سوف لن ينجح أي مشروع وإن كان ظاهره خيرا، وتجربة أكثر من ثلاث عشرة سنة، تعد برهانا نظريا وعمليا، إذ لم يحصد المواطن إلا الفساد والبطالة وتدهور الصناعة والزراعة وسرقة واردات النفط…
ربما هذه المقدمة تبين الأسباب التي دفعت المتظاهرين في كل أنحاء البلاد إلى التظاهر ضد خصخصة الجباية لأجور الكهرباء، ترى هل نحتاج “خدمة” مستثمر لا يهمه سوى الربح ولدينا آلاف العاملين في مديريات الكهرباء يعانون من البطالة المقنعة. قيل أن الناس لا تدفع أجور الكهرباء وأن الدولة عاجزة عن إجبار المواطن على الدفع، هل هذه الإجابة مقنعة!؟ وهل بديلها هو المستثمر الذي يرفع سعر الوحدات الكهربائية أضعافا مضاعفة وما زال انقطاع الكهرباء مستمرا، وخطوط الأسلاك تملأ الشوارع والأزقة بفوضى عارمة، تخدش الذوق العام، فضلا عن خطورتها على المواطنين وخاصة أسلاك مولدات الشارع، أو ما تسمى في بغداد بـ (خط السحب) وإذا كانت الحكومة لا تستطيع جباية الأموال، بأي قوة يستطيع المستثمر تحقيق ذلك؟ ليس لديه حيلة سوى قطع الكهرباء عن الملايين ممن لا يستطيعون الدفع فهل تقبل الحكومة أو البرلمان أن يسود الظلام والحر الشديد صفيا والبرد القارص شتاء لملايين البيوت لا ذنب لأصحابها سوى عدم قدرتهم على دفع أجور باهظة وغير واقعية ؟
ونأتي على تفاصيل التعاقد بين المستثمر ووزارة الكهرباء ممثلة بمديرياتها في المحافظات؛ فمن شروط العقد أن يستأجر المستثمر الآليات التخصصية مثل الرافعات والسيارات وغيرها من قبل الوزارة، لكنه حصل على موافقة الوزارة باستخدامها مجانا. وبنود العقد تنص على تشغيل 80% من كادر الصيانة والجباية (فني وعداد) من دائرة الكهرباء على أن يدفع المستثمر رواتبهم وجميع مستحقاتهم (الترقية والترفيع) وواقع الحال تم تشغيل عدد قليل منهم وأغلبهم من أصحاب العقود التي لا تتجاوز رواتبهم 500ألف، وإعادة بقية الكادر الذي يتجاوز راتبه المليون والنصف بحجة عدم الحاجة إلى خدماتهم واستخدم غيرهم بأجور لا تتجاوز 400 ألف وهذا مخالف لبنود العقد، كما أن المستثمر تعاقد على (الضغط العالي والواطئ) صيانة فقط دون تطوير، ونستنتج من هذا كله أن العقود التي أبرمت مع المستثمرين كانت لصالح المستثمر ولم تنتفع منها الدولة شيئا يذكر، والعملية برمتها هي عبارة عن مقاولة، الخاسر الأكبر فيها هو المواطن.