8 أبريل، 2024 4:00 ص
Search
Close this search box.

الكنز المفقود في صحراء العراق الغربية

Facebook
Twitter
LinkedIn

لقد حبا الله ارض العراق بخيرات ونِعمٍ كثيرة ووفيرة، ظاهرة وباطنة، منها ما تم استغلاله ومنها مازالت كامنة، ساهمت تلك الهبات الإلهية بتطور المجتمع العراقي على مدى تاريخه الطويل الممتد عبر الزمن، واستغلاله اياها بتغيير انماط عيشه وتحولها من البدائية الى المدنية والتحضر، فكان لنهري دجلة والفرات الأثر الكبير بتشكل المجتمعات والمدن على ضفاف النهرين منذ آلاف السنين واستغلال الاراضي الخصبة في الزراعة والرعي، حتى سميت ارض العراق بـ “ارض السواد” لكثرة الاراضي المزروعة وانتشار المساحات الخضراء وامتدادها في ربوعها.
وبعد قيام الثورة الصناعية واضطرار الانسان للبحث عن مصادر الطاقة المحركة لعجلة التقدم الصناعي، كان لنفط العراق الوفير الأثر الابرز في تطور العراق ووصوله الى مصاف الدول المتقدمة، وحينما اعتمد العراق على قدراته الذاتية في التنقيب عن النفط واستخراجه وتصديره، بات يحسب للعراق الف حساب، بعدها دخل العراق في جملة مشاكل متتابعة لم يسلم منها حتى اليوم، افقدته مركزه ومكانته.
والنفط كطاقة غير متجددة لا بد ان ينضب في يوم ما، لذلك يجب الاعتماد على مصادر بديلة ومتجددة ونظيفة لسد حاجة البلد من الطاقة، اذ ان العراق اليوم يحتاج الى (30 الف ميغا واط) من الكهرباء، وان محطات الانتاج الحرارية والغازية والكهرومائية تزود العراق بـ (17 الف ميغا واط) في احسن الاحوال وفي ظل احسن الظروف، ولسد النقص الحاصل بالكهرباء لجأت وزارة الكهرباء الى استيراد الكهرباء من دول الجوار بمعدل (1700 ميغا واط) لتعزيز الفارق بين حاجة البلد الفعلية للكهرباء والقدرة على الانتاج، لكن خيرا لم يحصل فالفارق لا زال كبيرا والحاجة الشعبية للكهرباء لازالت ملحة وضرورية في ظل صيف لاهب ودرجات حرارة فاقت مستوى الـ (50 درجة مئوية)، الأمر الذي دعا بالقطاع الخاص الى اعتماد مولدات الديزل في توليد الكهرباء ، تلك المولدات التي اصبحت منتشرة في كل حي وزقاق، واسلاك ممتدة ومتدلية من كل مكان، في مشهد اقل ما يوصف بغير الحضاري، وقال المهندس ماجد عبدالكريم عضو نقابة المهندسين العراقيين في بغداد : ان عدد المولدات الاهلية بلغ اكثر من (150 الف) مولدا في العاصمة بغداد وحدها، وان معدل استهلاك المولد الواحد من مادة الديزل (120 لترا) يوميا، ومن خلال عملية حسابية بسيطة يتضح لنا ان ما مجموعه (18 مليون لتر) من الديزل يتم حرقها يوميا في العاصمة بغداد وحدها لتوليد الكهرباء من قبل مولدات الديزل، مخلفة بذلك سحبا من الدخان الاسود المسبب الرئيسي للاحتباس الحراري والتغيرات المناخية، بغض النظر عن الضوضاء التي تسببها تلك المولدات، تعطي بذلك صورة لا تليق برونق بغداد وجمالها، ناهيك عن حجم المحروقات في 18 محافظة عراقية اخرى.
لقد اصبحت الحاجة مُلًحةَ وضرورية الى ايجاد بدائل للطاقة ولا بد من الاتجاه غربا نحو صحراء العراق الغربية والبحث عن كنزنا المفقود فيها، والاستثمار فيها لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية التي تزخر بها طيلة ايام السنة، وهناك دراسة غربية قديمة يتداولها المثقون العراقيون كثيرا مفادها: لو استغل العراق مساحة في صحرائه الغربية بقدر مساحة الكويت لمشاريع الطاقة الشمسية لاستطاع من توليد كهرباء تسد حاجة نصف مليار نسمة. فما بالك لو تم استغلال مساحات اكبر من الصحراء الغربية !!
فالمنطقة الغربية من العراق لا تزخر بالطاقة الشمسية فحسب، وانما تحتوي على المواد الخام التي تدخل في صناعة الألواح الشمسية وهي مادة رمال السيليكا، فلم تبق حجة لعاجز ولا ذريعة لفاسد، انما يجب وضع الخطط والدراسات للعمل الفعلي والجاد من غير تسويف او وعود فارغة والاتفاق مع شركات عالمية قادرة على نصب مصنع لصناعة الالواح الشمسية مستغلين بذلك المواد الاولية الداخلة في تلك الصناعات وتوفير فرص عمل للشباب العراقي وتقليل نسب البطالة المرتفعة.
ولا يمكن لقائل في اي حال من الاحوال ان مشاريع الطاقة الشمسية مكلفة وباهضة الثمن، فقد انفق العراق طيلة الـ 14 عاما المنصرمة اكثر من 45 مليار دولار على قطاع الكهرباء وانفق المواطنون العراقيون على القطاع نفسه وفي الفترة نفسسها اكثر من (80 مليار دولار) بحسب تصريح عضو لجنة النفط والطاقة النيابية السابقة سوزان السعد، وأوضحت السعد ان الاموال الهائلة التي صرفتها وزارة الكهرباء لتحسين واقع الكهرباء تكفي لشراء اصول شركة جنرال اليكتريك بكل فروعها وخطوطها الانتاجية وتغطي تكاليف نقلها الى العراق لكي تباشر بإنشاء محطات جديدة للطاقة في كل مدينة عراقية.
ان العراق اليوم بحاجة ماسة الى التقدم خطوات باتجاه التحول الى الطاقات المتجددة اسوة بدول المنطقة والعالم ، في ظل تغيرات مناخية قاسية ومتطرفة قد نعاني من نتائجها في المستقبل القريب، وربما نحن نعيش اليوم بداياتها الاولى، اذ ان موجات الحر الشديدة والجفاف القاسي والتصحر ونقص امدادات مياه نهري دجلة والفرات وقلة سقوط الامطار ماهي الا نذير بمستقبل لا يسر عدوا و صديقا اذا ما ظل الوضع على حاله. فلا بد من العمل على تقليل استخدام الوقود الاحفوري لتوليد الطاقة والاستعاضة عنه بالطاقات النظيفة والمتجددة لضمان مستقبل مشرق لأجيالنا اللاحقة.

 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب