مثلما كانت بغداد شاخصة بتراثها كان اهلها الطيبين جل ماتستهويهم لعبة صراع الديكة وهي لعبة شعبية يفضلها بعض العراقيين وقد افترض اصحابها خصائص جعلتها نوعاً من المتعة.. فثمة تفرد في مقومات وجودها وخصوصية في التفاصيل جعلتها لعبة لها مرتادوها من الخاصة.. وهي في ذات الوقت لعبة رياضية تتحكم فيها قوانين محددة وثابتة.. تنتهج اشكالا لا يمكن الخروج عليها. وبين هذا وذاك تقودنا هذه اللعبة الى حكايات تنغرز في الذاكرة تتكشف حولها اسرار وقناعات واساليب يتحتم على كل من يتابع تفاصيل هذه اللعبة الارتطام بها والعمل على التعرف اليها.. ومثلما تقودنا محاولة الكشف عن اسرار لعبة شعبية طاغية تنشر حلتها فوق ملامح ما.. تأتي حكاية ” صراع الديكة” كي تحرك صوراً غرفت ملامحها من تقاليد صانعيها.. حكاية عذبة بوقائعها واسرارها وطقوسها المصاغة التي تكسبها وجوداً حيوياً.
فما زالت الذاكرة تتمسك بتلك المشاهد الماثلة في الاذهان منذ سنين تحكي قصة جولات لصراعات غير مستحبة بين الديكة وخاصة الديكة الهراتية المشهورة بشراستها في نهش لحم ابناء جلدتها الديوك وما ان تحقق نصرها المؤزر حتى تبدأ بالدوران حول حلبة الصراع رافعة اجنحتها بعملية لاتخلوا من تحدي .. وثمة سائل يسأل لمَ هذا الاهتمام بالكتابة عن لعبة على وشك الانقراض والجواب ان هذه اللعبة عادت من جديد ولكن باسلوب متميز وشخوص ليست محسوبة على فصيلة الدواجن فصيلة تنفرد بميزة الادمية المتوحشة فصيلة لاتشبه الا نفسها في الانفلات الاجتماعي الذي تخطى حدود الاخلاق المتعارف عليها سلاحها يختلف عن سلاح الديوك سلاح اشد منه فتكا وقساوة واهانة للكرامة خاصة وان هذا السلاح هو المتوفر داخل قبة البرلمان فما ان تبدأ الجلسة وتشتد المناقشة حتى يتحفز البعض من النواب ” حفظهم الله ورعاهم ” باستخدام السلاح الابيض ” سلاح قناني المياه ” فيبدأ التراشق بهذه القناني وتبدأ عمليات الصد والرد حتى باتت هذه الصراعات عادة يفضلها البعض على اسلوب الاقناع بالحجة والمنطق فلم يعد مبدأ ” الخلاف لايفسد للود قضية” معمولا به كمبدأ يكشف الوجه المشرق من الحضارة ..ففي مجلسنا الموقر انقلب هذا المبدأ وصار ” الخلاف يفسد للود قضية ” وعملية الصمود والتصدي باتت هي الاسلوب الشائع بين البعض من النواب وربما ان استخدام قناني المياه في حسم القضايا العالقة تندرج ضمن الاساليب الاكثر حضارية في غسل الذنوب الملوثة .. ونعود مرة اخرى الى لعبة صراع الديكة المحببة لدى عامة الناس فالديك المنتصر يبدأ بنفش ريشه حال انتصاره على خصمه الذي يبدو في نهاية اللعبة منهكا وغالبا ما يكون جريحا يلعن حظه العاثر على هذا النزال غير المتكافيء .. فيما يبقى الديك المنتصر رافعا جناحية ملوحا بالنصر من خلال دورانه المستمر حول حلبة النزال في عملية تحدي كثيرة الشبه بما يجري حاليا من صراع في الساحة السياسية العراقية فما ان يشعر السياسي بان الفرصة سانحة له حتى يبدأ باطلاق التصريحات حول مواقف سياسية ساخنه غالبيتها تسهم في تأجيج الصراع الطائفي ” كفانا الله شره ” ليس حبا بالطائفة التي ينتمي اليها ولا حبا بالعراق بقدر حبه وتمسكه بالمنصب والكرسي الذي يتربع عليه دون اقتدار وحتما دون كفاءة حتى ليترآى للناظر حجم التزييف والتحريف في صدق الولاء للطائفة.. هذا الاسلوب بات مكشوفا ولايجدي نفعا في استمالة المواطنين وتجيرهم لحساب فوز ذلك السياسي في الانتخابات النيابية القادمة ..
ومع اقتراب موعد اجراء هذه الانتخابات استنفر السياسيين امكانياتهم المادية والمعنوية ودخلوا في انذار ” ج ” مثلما يحصل في الجيوش خلال الازمات ليكون لهم حصة الاسد في الفوز بهذه الانتخابات وهم اكثر تشبها بالديك الهراتي عندما يستنفر قدراته وامكانياته العضلية لخوض جولة المواجهة مع الديك المنافس له فاذا به ينهش لحمه بهجوم صاعق لايخلوا من دموية .. لكن تلك الجولات لها تقاليدها وهي في كل الاحوال تتشابه في المظهر مع الصراعات الحاصلة بين السياسيين فالكل ” نافش ريشة ” ويتراءى للسياسي انه تجاوز المرحلة ” الديكية ” ووصل الى المرحلة “الطاووسية ” حيث تراه يتقلب في مشيته رافعا ذراعيه حتى كلامه بات مخنوقا مبحوحا من كثرة الصراخ .. ويعد فوزه بالانتخابات ينتقل من مرحلة المنافسة الى مرحلة الديك المنتصر الذي يفرض شروطه لكن الروائح المنبعثة منه تبقى روائح عفنة غير قابلة للشم بعد ان كثر الهم والغم ” صلي على محمد وال محمد ” ومهما قال واشار واوضح واعرب وادان وشجب فان لعنة الشعب ستطارد كل سارق خان الامانة وارتضى لنفسه المهانة