23 ديسمبر، 2024 4:47 م

الكلام مركب تائه.. تتلاطمه الأمواج

الكلام مركب تائه.. تتلاطمه الأمواج

التصريحات غير المسؤولة، التي يطلقها الساسة.. على عواهنها، هجمت العراق.. لم تبقِ فيه حجراً على حجرٍ، إنها مثل قنابر المدافع، حيثما تسقط تحطم ما تطاله، حتى بات المعنيون بتنفيذ الدستور، يخترقونه من جوانب عدة، مع أن معظمهم أسهموا بكتابته، او كتب في ظل مناصبهم، لكنهم يتنكرون له.. والحبل على الغارب.

أولى وأبرز أشكال التنكر للدستور، هو كيل التهم لنظرائهم في العملية السياسية، كسبا لود الشعب، وتملقا على حساب نزاهة مسؤولين ذوي مكانة وطنية بارزة، تسقيطهم ليس “طولة شارب” لأنهم جزء من كرمة العراق.

فحين يتصدى أحدهم للتحدث عن تبديد أموال، من قبل الحكومة، وكأن رئيس الوزراء وتشكيلته، يقبضون الأموال الداخلة للبلد، من ريع النفط، بأيديهم، كما لو أن الأموال سائبة ولهم صلاحيات التحكم بها، ناسين ان أي فلس يدخل العراق، تتسلمه الجهات المعنية وليس أفرادا، مهما كانت مناصبهم.

من يتحدث بهذه اللغة، يدلل على ان عقليته تشكلت في عهد تفرد الطاغية المقبور صدام حسين، الذي يمسك بشؤون البلد بيدين من حديد ونار.. قادر على ان يصفر مخزون البنك المركزي ويبزل ما في الارض من مكامن نفطية وعيون.

هذا الكلام لا يصح في العهد الدستوري؛ ربما يفسد وزير او مدير عام، بالإنفاق وتبديد الأموال وتسريبها في غير مواضعها، لكن لا أحد.. لا رئيس الوزراء ولا سواه، يتحكم بالأموال الواردة، من ريع النفط! وآليات إيداعها، فلا يصح التلميح الى ان صاحب القرار الأعلى هو المسؤول الأوحد، عن الأخطاء التفصيلية، وملوحا بأن له منفعة ما.. او نسبة، من غض الطرف عن تلك الأخطاء.

هذا كلام غير واقعي، قد يغتر به المواطن البسيط، ويرضي فضوله؛ بإيجاد شماعة يعلق عليها الحزن الذي عاث بمستقبل العراق فسادا، في حين السياسيون يعرفون جيدا.. ما لا يعرفه المواطن، من أن كل شيء يجري بموجب سياقات مالية أطرها الدستور، لا يطالها رئيس الوزراء.. سواء أكان نوري المالكي او سواه، إنما القنوات التصديرية والبنكية التي لا صلاحية لأحد عليها، هي التي تتسلم أقيام النفط، وتتشاور مع هيئات الرأي في وزارات النفط والتخطيط والمالية، بشأن جولات التراخيص، وآليات التصدير والقبض وسواها، وان الخبراء الماليين والاقتصاديين والنفطيين، يبلورون موقفا لشكل التراخيص وأقيام العقود، لا تفرد لرئيس الوزراء او وزير النفط او سواهما بشأنها.. لجان ومنظومات عمل.

أما كيف يتم الفساد، فهذا شأن خلقه الشيطان مستترا، إن فضح؛ ينجر مرتكبوه الى القضاء؛ فكيف يعرف أحدهم فسادا، ولا يقدم مصادره والوثائق التي علم من خلالها كل تلك المفاسد، التي يدعمها بأرقام مفترضة، لو طولب بما يدعمها من أسانيد؛ لعجز! وإذا توفرت لديه ولم يطلع القضاء عليها؛ حينئذ يعد متسترا يتواطأ مع جريمة!

يتنطعون بكلام فضفاض، وكأن العراق بميزانية واحدة، على مدى إثني عشر عاما؛ بل إحدى عشرة موازنة بواقع واحدة لكل عام بإستثناء 2014.

المتحدثون ينطلقون من شائعات الشارع، بينما هم في قلب الحدث وجوهر، خاضعين لإرتداد الرأي من الشارع الى الحكومة، في حين الحكومة هي التي يجب ان تصنع القرار، ولا تصرح بموجب الشائعات، إنطلاقا من إجراءات لا يعلمها سوى الموظفين الذين يتسلمون الأموال ويودعونها خزينة الدولة، التي لا سلطة عليها لرئيس الوزراء ولا لوزير المالية ولا لمحافظ البنك.

وهذا يعلمه السياسيون لكنهم كسبا للرأي العام، يقولون كلاما يغازل الفهم الشعبي القاصر، لتأسيس علاقة جماهيرية (زلفى) يسفحون في تدعيمها، أشخاصاً في السلطة فعلا، لكن الفساد يتسرب من بين أصابع القرار الحكومي، بموجب إرادات تحيد مناصبهم.. من كان منهم رئيسا للوزراء او بأي منصب.. بل والمتقولون على شاشات الفضائيات، هم جزء فاعل في صنع القرار، والتحكم بمجرياته؛ فلماذا لم يُقدِموا على إقاف رعاف المال النازف في الفساد، ما داموا يشخِّصون أفرادا بعينهم سببأ فيه.

يا إخوتي دمرتنا التصريحات غير الدقيقة، التي يراد منها كسب غير مشروع لود الشعب، وتلطخت سمعة مسؤولين نزيهين؛ إنتهزها دهاة مفسدون لتمرير أغراضهم.

فبحسب وصف البعض يبدو المالكي.. مثلا.. واقفا على منصة ميناء الفاو، يبيع نفط، مثل الدوارة: “نفط.. نفط” وكل باخرة تمتلئ يقبض المال، ويضعه في عب دشداشته، التي يتمنطق عليها بحزام جلدي.

الأمور ليست هكذا يا إخوان، فإذا الناس بسطاء لا تعرف كيف يجري تصدير النفط وقبض وايداع ريعه، أين مسؤوليتكم!؟ أتمنى ان تتحدد التصريحات بما يخدم مصلحة البلد وليس إستعرض بطولة شعبية؛ إستنادا الى معلومات تضلل المواطن!

ولا تنسوا أن المتضررين من تلك التصريحات.. ولو بشكل غير مباشر.. من حقهم مقاضاتكم، ومنهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.. مثلا!

فلنكن بحجم النهوض بحضارة العراق، وليس بناء شخصية جماهيرية، بالغدر وتهديم البلد وتضليل المواطن وإستعدائه ضد حكومته! كفى كيلا لإتهامات تدرون ببطلانها جيدا، ولنتجه جميعا لتنقية الفساد ونشر النزاهة؛ كي نقوض “داعش” من داخل عقولنا بدءاً، ثم نهزمها ميدانيا على الارض، ونشرع بالبناء الفعلي للعراق.. متسامحين مع بعضنا؛ رأباً لتصدعات لا رابح فيها، عند المناجزة؛ إنما الكل خاسرون.. فلا نصر فعلياً عند إشتعال الفتيل… وتبادل الإتهامات رجس يغذيه أعداء العراق، فإجتنبوه.