من الامور التي تثير الاستغراب وتجعلنا في حيرة من أمرنا هو هذا الكم الهائل من الكشف العلني للخطط العسكرية .
فمن المعروف في الحروب ان عنصر المباغته او المفاجأة يعد من اهم عناصر تحقيق الانتصارات .
وعنصر المباغتة او ما يسمى بـ (المفاجأة) يرتكز في تطبيقه على حالة التكتم الشديد بخصوص بعض الامور التي لها تماس مباشر في آلية تحقيق النصر.
ولعل في مقدمة تلك الامور – الخطة العسكرية الموضوعة – الاسلحة وأنواعها وأعدادها – عدد القطعات ألعسكرية – عدد القوات المقاتلة وصنوفها – طرق الامدادات – الاستعدادات اللوجستية .
ولكن ما نراه ونسمعه ونقرأه في وسائل الاعلام يتنافى تماما مع كل ما ذكرناه ويجعلنا نقف طويلا امام هذه الظاهرة الخطيرة .
وهنا قد لا نضع اللوم على اجهزة الاعلام التي تبحث عن السبق الصحفي وخاصة في ظروف كظروف الحرب
ولكننا نضع اللوم كل اللوم على من يقوم بتسريب تلك الاخبار الخطيرة والحساسة والتي تتعلق بالأمن الوطني والقومي .
اذ بات من غير المقبول او المعقول ان تتناول وسائل الاعلام كل خطوة تنوي قواتنا المسلحة القيام بها وتكشف عن تحركاتها المستقبلية واستعداداتها وأسلحتها وحتى خطوط توجهات حركة آلياتها الامر الذي يدفع العدو لرصدها والتعامل معها بخطط مضادة مدروسة ووفق معلومات دقيقة .
لقد وصل الحال بالبعض ان يكشف عن الخطط العسكرية بكل مفرداتها ويتكلم بإسهاب عن الية تنفيذ تلك المفردات كاشفا عن معطيات التعامل المستقبلي للخطط كالتوجه لتحرير المنطقة (سين) بعد اكمال تحرير المنطقة (صاد) .
وبغض النظر عن كون تسريب تلك المعلومات قد يكون عملا مخططا له لتحقيق اهداف تدخل في مجال الحرب النفسية ، إلا ان تتبعنا لحالات الكشف المستمر للمعلومات العسكرية قد اكد لنا ان هنالك تخبط وعدم ادراك لأهمية تسريب تلك المعلومات لكونها تتدفق بشكل عشوائي وغير مدروس .
فقد شاهدنا الجميع يتكلم عن النية للتوجه لتحرير منطقة ما وهذا الاعلان يدفع بالعدو للتحرك بسرعة لجعل تلك المنطقة ارضا محروقة من خلال عدة اساليب مضادة مثل التلغيم والتفخيخ وإعادة انتشار قواته وتمكنه من وضع السلاح المناسب في المكان المناسب كالقناصة والهاونات وغيرها وهو ما يصعب من مهمة قواتنا في تحقيق اهدافها .
ثم كيف يمكن لعسكري ان يكشف عن نوايا قطعاته قبل ان تتوجه تلك القطعات للمهمة المكلفة بها ؟ .
لان العدو سيكون عندها مهيأ تماما لمواجهتنا خصوصا وان الاعلان عن نية التوجه قد تم قبل فترة طويلة مما يعني ان العدو قد استشعر بالمهمة القادمة لقواتنا وبدأ بأخذ الاحتياطات اللازمة للمواجهة الامر الذي قد يوقعنا بين امرين احلاهما مرا وقاسيا فأما الفشل في تحقيق الانتصار (لا سامح الله ) أو اننا سنقدم تضحيات كان من الممكن التقليل منها لو اعتمدنا السرية في خططنا العسكرية .
ورغم قناعتي بان الجميع يعلم اننا نخوض حربا نيابة عن العالم إلا ان الامر المستغرب هو اننا ما زلنا نتجاهل امننا الوطني والقومي بصورة قد تكون غير مقصودة او مقصودة في بعض الحالات.
ومن الامور الملفته للنظر في تسريب المعلومات العسكرية هو اننا اذا قمنا بشراء دبابة مثلا من احدى الدول فإننا نقوم فورا بالإعلان عن تلك الدبابة ومصدرها ومواصفاتها وأعدادها وكمية العتاد القادم معها و…الخ من المعلومات الخطيرة وهذا خرقا واضحا للأمن الوطني.
وهذا الحال ينطبق على الطائرات والمدفعية والراجمات والعجلات وجميع الاسلحة لان من مفردات الحفاظ على الامن الوطني هو السرية التامة للقوة العسكرية التي تملكها الدولة لأنها احدى عناصر تفوقها واحد اسرار تحقيق مبدأ المباغتة او المفاجأة في اي مواجهة محتملة.
ثم ألا يعلم من يصرح بتلك المعلومات الخطيرة عن نوع السلاح ومواصفاته بأنه يقدم للعدو وعلى طبق من ذهب مواصفات السلاح المضاد الذي يجب عليه استخدامه لمواجهة اسلحتنا ، خاصة وان هنالك دول تبيع كافة الاسلحة ودول تدفع فاتورة تلك الاسلحة .
ولذلك نجد ان اغلب دول العالم تتكتم بصورة كبيرة على ما بحوزتها من اسلحة لكي تجعل الاخرين يحسبون لها الف حساب ، وما تسربه عن امتلاكها لنوع معين من السلاح فله مآرب ومقاصد اخرى تدخل ضمن مفهوم الامن الوقائي .
لقد تسبب الكشف عن خططنا العسكرية وتحرك قطعاتنا وأسلحتنا في اعطائنا خسائر كان من الممكن تلافيها لو تمتعنا بالسرية المطلوبة .
وعلى الحكومة ممثلة بالقائد العام للقوات المسلحة المحترم والسيد وزير الدفاع والإخوة قادة المجاميع الجهادية العاملة تحت مظلة الحشد الشعبي الابطال ان تلزم جميع منتسبيها بعدم التحدث عن الخطط العسكرية والأسلحة وان يترك الامر للناطقين المخولين مع التأكيد على نفس المبدأ في اهمية الحفاظ على السرية والامتناع بالإدلاء عن اي شيء يسبب اخلالا بموازين القوى مع العدو.
ولابد ان تكون هنالك اجراءات رادعة بحق من يخالف تلك التوصيات تصل لحد الاتهام بالخيانة العظمى .
اما التبريرات بان الحرب خدعة ولابد من وجود حرب نفسية مرافقة للحرب العسكرية فانا اقول نعم.
ولكن يجب أن يتم ذلك وفق خطط مدروسة ومن قبل خبراء مختصون في هذا المجال لان قيادة الحرب النفسية لا تقل ضراوة وأهمية عن الحرب المسلحة بل من الممكن ان تحقق انتصاراتها قبل استخدام السلاح في الجبهات .