تزايدت مخاطر وباء أو جائحة كورونا، حتى أصبح اغلاق المدن وحضر التجوال إجراءات شائعة في أغلب دول العالم لمنع انتشار هذا الفيروس .
وعلى مدار التاريخ فرضت السلطات الرسمية إجراءات صحية لمنع انتشار الأمراض والأوبئة ، ولعل أهمها الحجر الصحي ، ويسمى كرنتينة Quarantine وهي كلمة مستمدة من اللاتينية وتعني الرقم 40. ولعلها تعود إلى جذور دينية ، حيث كان يتم حجر الأشخاص لمدة أربعين يوما .
وبهذا الصدد فإن هناك مناطق في مصر وبيروت وجدة تسمى بهذا الاسم . كما أن محلة الكرنتينة في باب المعظم في بغداد كانت فيها بناية للحجر الصحي ولذلك سميت بالكرنتينة .
يسيطر القلق على كثير من الناس نتيجة تسارع وتيرة انتشار فيروس كورونا المستجد حول العالم، حيث بات العزل المنزلي طريقة لابد منها لتجنب الإصابة به .
ان انتشار الأوبئة يشكل دوماً امتحاناً للمجتمعات البشرية ، حيث ان العزل والحجر الصحي يهدد العلاقات الاجتماعية نتيجة الشك والريبة تجاه الاخر ، ويؤدي الى تغيير انماط وسلوكيات الحياة الاجتماعية . كما يؤدي الى تفشي السرقة والسطو في المجتمعات ، نتيجة الحاجة او استغلال الظروف الاستثنائية التي يعيشها الناس .
والخوف من فيروس كورونا المتجدد هو خوف طبيعي إلا أنه أصبح مضاعفا ، وذلك ناتج من طبيعة المرض الغامضة وكثرة الشائعات اولا ، ثم انه يرتبط بنظرة المجتمع للمصاب باعتباره مصدراً للعدوى يجب تجنبه وعدم مخالطته ، وهذه النظرة الدونية تمتد لتشمل أسرة المصاب ايضا ،
وهناك كثير من الاشخاص عبروا عن تخوّفهم من انتشار هذه النظرة السلبية للمصاب بكورونا، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من أضرار اجتماعية، ورؤية بعض الناس له على أنه عيب أو شيء علينا أن نداريه .
غالبًا ما يكون الحجر الصحي تجربة سيئة لأولئك الذين يخضعون له حيث يؤدي الى الانفصال عن الأحباء ، وفقدان الحرية ، وعدم اليقين بشأن حالة الوباء ، اضافة الى الملل .
وللحجر المنزلي تبعات سلبية اخرى ، اذ قد يؤدي إلى انهيار التواصل الاجتماعي، خصوصا للمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة أو ممن يعانون من بعض الامراض ، حيث لايستطيعون الاتصال بمعارفهم لضعف امكانياتهم في التواصل الاجتماعي بواسطة الانترنت ، الذي يبدد كثير من ساعات العزلة .
إن اغلاق المدارس وعمل بعض الناس من منازلهم ، يشعر الكثيرون بأنهم معزولون عن ممارساتهم اليومية وحياتهم الاجتماعية .
كما ان قضاء مزيد من الوقت مع الأسرة داخل المنزل قد يجلب السعادة إلى كثير من الناس، إلا أن البعض لا يتمتع بذلك، لاسباب عديدة .
وتشير الأبحاث حول آثار الحجر الصحي إلى أن افتقار الناس إلى العلاقات الاجتماعية ، قد يؤدي بهم الى المعاناة من مشاكل صحية . جسدية ونفسية شتى .
اما بالنسبة للفقراء وعمال الاجور اليومية فانهم سيكونون عرضة لمشاكل الحياة المالية وسوء التغذية ، وهذا قد يدفعهم الى التمرد من الالتزام بالحجر الصحي المنزلي .
فهناك قصص لعمال بسطاء يصرون على الخروج إلى العمل، وهم يفضلون العدوى وربما الموت على أن يظلوا بلا عمل . وهذا قد يدفعهم للثورة في وجه الحكام خصوصا في الدول الفاشلة ، لتنصل حكومات هذه الدول من مساعدتهم ماليا ، أو الاهتمام بمشاكلهم الحياتية والاجتماعية .
وبالرغم من وجود بعض حالات التكافل الاجتماعي في توفير منتجات غذائية وتوزيعها على الاسر المتعففة ، الا ان هناك قلقا يساور الكثير حول مصير هذه العوائل اذا مامكثت في المنازل فترة طويلة ، خصوصا إزاء عزوف الدولة عن القيام بواجباتها الأساسية تجاه مواطنيها .
ومن الناحية النفسية فان العزلة تعتبر نقيضاً للأمان حيث يشعر الناس بالقلق والتوتر لانعدام اليقين في المستقبل .
وفي دراسة كندية اطلع الباحثون على مئات الحالات، وتوصلوا إلى ان هناك علاقة ثابتة بين العزل الاجتماعي والاكتئاب ، وكذلك اضطراب ما بعد الصدمة ، ولم تختلف النتيجة كثيرا بين المتزوجين والعزاب.
وتقول كارلا بريسينوتو، الرئيسة المساعدة لبرامج طب الشيخوخة في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، والتي ساهمت في الدراسة المذكورة، إن “الآثار الصحية للوحدة مذهلة”. وأوضحت إن أكثر ما يقلقنا هو فقدان استقلاليتنا ، وكذلك التعرض لأزمات صحية .
وبما أن البشر يشعرون بأمان أكبر داخل المجتمع ، فإن العزل الصحي ينظر إليه كحالة طوارئ جسدية، وفق تصريح للطبيب الأميركي، فيفيك مورثي، لشبكة فوكس نيوز الأميركية.
وقال مورثي: “على مدى آلاف السنين، أصبحت قيمة التواصل الاجتماعي مخبوزة في نظامنا العصبي بحيث أن غياب مثل هذه القوة الواقية يخلق حالة إجهاد (stress) في الجسم”.
لكن لا أحد يستطيع ان يخمن حتى الآن عما اذا كانت نوعية حياة الخاضعين للحجر الصحي ستتراجع بشكل أو بآخر نتيجة إغلاق النوادي والأنشطة الاجتماعية والترفيهية الاخرى .
ان استمرار وجود الجائحة والفزع الإعلامي الذي يحيط بفايروس كورونا يشعران الناس بقلق اكبر ، فتتضخم مخاوفهم، وقد انعكس ذلك على المستوى الجماعي فدخل الناس في حمى الشراء خوفا من نقص مواد معينة، وهلعا من الازدياد المطرد في حالات الوفاة على مستوى العالم .
كما ان هناك شعورا بالقلق من العواقب الاجتماعية والاقتصادية والصحية العامة ، جراء الانهيار شبه الكامل للحياة الطبيعية – المدارس والدوائر والمعامل ، اضافة الى حظر التجمعات والنوادي الثقافية والعلمية ، أو حظر التجول ،الذي ربما سيكون طويل الأمد ، خصوصا وان هناك شكوكا بجدوى الحجر الصحي في غياب المعالجات الدوائية واللقاحات الناجعة .
ومع ذلك فان الحجر الصحي والمكوث في البيت يبقى هو الحل الامثل في مثل هذه الظروف ، لعدم وجود بديل ناجع . حماكم الله وايانا من شر هذا الفيروس .