عانى الكرد عبر فترات زمنية ليست قصيرة من تاريخهم شتى أنواع القتل والتشريد والتهجير القسري والنفي والأضطهاد سيما ابان فنرة الأستعمار العثماني الفاشي وفترة الحكم القومي العربي الفاشي المتمثل في حكومات العراق البعثية والتي كانت نتاجا تركيا عثمانيا بأسماء عروبية. وحقق الكرد في العراق قدرا جيدا من المكاسب بعد نضال وجهاد مرير ضد الطغاة مستفيدين من الوضع الدولي الجديد واستثمار علاقاتهم الدولية الجيدة ، وعلى أرض كردستان العراق هزمت الأفكار الشوفينية والعنصرية وتأسس لعصر جديد وبزغ فجر جديد فجر الحرية وبناء الأنسان وحفظ كرامته ، وتحقيق هذه المكاسب شجع أشقائهم في بلدان أخرى مثل تركيا وسوريا وايران على المضي بنفس الطريق لتحقيق أحلامهم هذا من جانب ومن جانب آخر فأن تحقيق هذه المكاسب ونشاط الكرد في أقاليمهم الموزعة على دول محيطهم لا يروق بالتأكيد لأعدائهم وخصوصا الأتراك الذين ما انفكوا يضربون الكرد بشتى أنواع الأسلحة وتحت مرأى العالم كله مستغلين تحالفهم مع الناتو وعلاقاتهم المتينة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
أما فكرة اقامة الأقاليم السنية في العراق فجاءت ليس ايمانا من سنة العراق بالدستور العراقي الجديد الذي أقر حق تشكيل الأقاليم والذي عارضوه ولم يصوتوا عليه، وانما جاءت مع ازدياد المد السني في المنطقة و بدعم سعودي تركي فاضح وبالتعاون مع المتطرفين من سنة العراق مثل طارق الهاشمي واسامة النجيفي ، فكما أن السعودية وأتباعها تسعى لضرب الشيعة ومحاصرتهم وقتلهم فأن تركيا تسعى للضغط على الكرد وابتزازهم وتطويقهم ومحاصرتهم وقتلهم وافشال مشروعهم بإقامة دولتهم المنشودة وضربهم ضربة قاضية وبأيدي عربية ، سيما وإن التيار السني العربي المشبع حد الثمالة بالأفكار العروبية العنصرية لا يقل خطورة عن الفكر التركي الأتاتوركي المعادي للشعوب فهو لا يؤمن بالتعددية أو حقوق القوميات والأقليات الأخرى أوالتعايش معهم، بل يريد مسخها والقضاء عليها تماما وتحت شعار الإسلام الأردوغاني الذي استخدمه العثمانيون لحكم المنطقة بعد أن دخلوها وهم يعبدون الأوثان. ولهذا فأن اقامة الأقاليم السنية أشد الأمور خطرا على الكرد لأنه يقوض وجودهم كما أن هذه الأقاليم السنية سوف تتلقى دعما متنوعا لا حدود ولا نظير له من المحيط العربي السني الغرض منه مساعدة الأتراك لضرب الكرد.
فلا حليف حقيقي للكرد غير شيعة العراق وعلى الكرد عدم التفريط بهم أو التغاضي عن دعهم لأن في ضعف شيعة العراق يكمن وهن الكرد ، واذا كان الشيعة والكرد تصديا معا لتأسيس الدولة المدنية الحديثة وأن الرئيسين الطالباني والبارزاني من أهم أركان هذه الدولة لخبرتهما الواسعة وتاريخهم النضالي الرائع فعليهم أن لا يجاملوا على حساب دماء الشعب العراقي وعلى حساب القانون والدستور أو التخلي عن تحالفهم التاريخي مع شيعة العراق الذين شاركوهم المحنة وعاشوا معهم في خنادق القتال ضد الطاغوت يوم كان طارق الهاشمي واسامة النجيفي ينعمون برغد العيش في دولة الطغاة ، فكما نريد أن تكون كردستان العراق نموذجا لبناء الدولة المدنية الحديثة فلا نريدها أن تكون ملاذا للقتلة والإرهابين والسارقين وقطاع الطرق ، فلا غرابة أن يحال أحد رجال الدولة الى القضاء مهما كان حجم التهمة الموجهة إليه وهذا ما يحصل في دول متحضرة كثيرة فلا قدسية لأحد مهما علت مرتبته ولا قدسية أو حرمة إلا للدم العراقي وحده. فاذا كان القذافي قتل شعبه ولم ينج من العقاب وحسني مبارك بعظمته وهيبته يمثل بكل خشوع أمام القضاء واذا كانت الأصوات اليوم في العالم تطالب بمحاكمة بشار الأسد لأنه يقتل شعبه وفي تونس تنصب محكمة لرئيسها الهارب زين العابدين بن علي وفي البحرين واليمن على الطريق لمحاسبة حاكميها وكذلك في اسرائيل الذي حكم على رئيس دولتها السابق موشي كاتساف بالسجن سبع سنين بتهمة الأغتصاب؟ فما بالنا نحن نأوي متهما بالقتل مثل طارق الهاشمي ونعتبره رمزا وطنيا فوق القانون لا يجوز المساس به؟ وما هو الفرق بينه وبين الرؤساء العرب الآخرين؟ فاذا لم يسلمه الكرد للقضاء في بغداد فهذه سبة للقيادات الكردية وذنب لا يغفره التاريخ لهم.!