5 نوفمبر، 2024 6:31 ص
Search
Close this search box.

الكرد الفيليون ازمة الهوية بين المذهب والقومية -2

الكرد الفيليون ازمة الهوية بين المذهب والقومية -2

مشاكل الكرد الفيليون
للكرد الفيليين مشاكل لا تعد ولا تحصى ولكننا نحاول هنا ان نحدد اهم المشاكل التي تمثل عقبات كبرى امام اي تحول نوعي من شأنه ان يعيد الحياة الى هذه الشريحة الايلة الى التلاشي ومنها:
1- مشكلة الجنسية التي لازالت قائمة منذ الانتداب البريطاني للعراق وليومنا هذا, ففي العراق يعاني الفيليون من وصمة التبعية الايرانية وفي ايران يعانون من وصمة التبعية العراقية ونعتهم بالعرب وهناك الالاف في العراق لا يملكون الجنسية العراقية لحد الان وما يترتب على هذا من اثار اجتماعية ونفسية خطيرة ومدمرة, اذ يمنعهم هذا من السفر والتعيينات في دوائر الدولة والتسجيل في المدارس الا في مراحل أولية, والوضع  في ايران ليس افضل, فمن استطاع من خلال العلاقات الشخصية مع الاحزاب الشيعية الموالية لايران ان يحصل على الجنسية الايرانية فقد نجى وتمكن من مسخ شخصيته واستفرس وتأيرن ان صح التعبير, والا فان لعنة الكارت الاخضر)اقامة مؤقتة تمنح للاجانب) لا زالت تلاحق الالاف منهم ليومنا هذا في الجمهورية التي يفترض ان تكون اسلامية, اما خارج حدود العراق وايران فان الكرد الفيليون مشتتون في جميع اقطار الارض وليست هناك احصائية محددة لاعدادهم وبلدان تواجدهم ولكن الاعم الاغلب ان الغالبية تقطن الدول الاسكندنافية التي احتضنت مئات الالاف  منهم بعد ان جفاهم الاخوة في المذهب واللغة والوطن, فهؤلاء حصلوا على جنسيات اوروبية وتعلم اولادهم لغات وعادات دول المهجر وانصهروا الى حد ما فيها, ولن يستغرق الامر طويلا حتى ينمسخ الجيل الثالث في المجتمع الاوروبي يعينه على ذلك حالة اللاأنتماء التي يعيشها الاباء فكيف بالابناء؟ وهناك مؤسسات اوروبية تحتضنهم وتعطيهم شعوراً حقيقياً بالانتماء الى مجتمع متطور ومتمدن يعيش فيه الافراد سواسية في الحقوق والواجبات, فما الذي يدفع بالفيلي الشاب الناشيء في اوروبا الى ان يتمسك بفيليته؟
2-انعدام التراث الادبي الفيلي فقد ادت قرون من التشرد والضياع الى انعدام اي اثر فيلي مكتوب. ان الاستقرار الاجتماعي والجغرافي والسياسي هو الذي يمثل القاعدة الاساسية لبروز ثقافة ادبية مكتوبة واي شعب في العالم يعيش حالة الصراع من اجل البقاء لايمكن له ان ينتج ثقافة وادباً باي حال من الاحوال, فالاهم يتقدم على المهم, بل تصبح محاولات الانتاج الادبي من باب الترف الثقافي والفكري الذي يُنتقد عليه فاعله, فعندما تشعر بالخوف لا يمكن لك ان تحلق في فضاءات الفكر والمعرفة, ولكن هذا لم يمنع من بروز ادباء ومفكرين فيليين كتبوا والّفوا باللغة العربية او الفارسية ولكنها لم تكن كتابات تخص الثقافة الفيلية بقدر ما كانت محاولات تبين مقدار انصهار هؤلاء في الثقافة الجديدة عربية كانت او فارسية.
3-اندثار اللهجة الفيلية بسبب استعراب الكثير منهم وتحول البعض الى السورانية وفي احسن الحالات فان ما بقي من هذه اللهجة هو المنطوق منها والذي تناقلها وحملها الاجداد في قلوبهم الى الاباء والابناء وهي لهجة آيلة الى الزوال والاندثار فمعظم الكرد الفيليون لا ينطقون لهجتهم الا بنسبة لا تتجاوز ال50-60 في المئة في احسن الحالات وقد ادخل الكثير منهم كلمات عربية كثيرة الى لهجتهم على الجانب العراقي فيما ادخل الفيليون على الجانب الايراني كلمات فارسية بحيث اصبحت لهجتهم اقرب الى الفارسية, ومن المشاكل الاخرى هو ان انفتاح الكرد الفيليين على الثقافات الاخرى وعدم حساسياتهم تجاه المجتمعات المختلفة وانعدام الحس القومي ادى الى تكوين حالة من اللااوبالية تجاه اندثار لهجتهم, فحين يتزوج الفيلي من عربية مثلاً تكون لغة الام للاطفال هي العربية او لهجة الام الاصلية اياً كانت دون ان يحاول الرجل الفيلي تعليم ابناءه اللغة الثانية بسبب التكاسل والامبالاة والشعور بالاحباط وعدم وجود الدافع الكافي للاقدام على هذه الخطوة او ربما شعوره بالاكتفاء بالانتماء المذهبي ومن انه يعلم ابناءه لغة القران وهي افضل من اية لغة الى اخر ذلك من التبريرات الواهية, والعكس صحيح فعندما تتزوج المرأة الفيلية بعربياً تتكلم مع ابنائها بالعربية في المنزل رغم عدم وجود اية ضرورة لذلك بمعنى ان في كلا الحالتين فان تناسب وتصاهر الفيليون مع غيرهم يكون على حساب اندثار اللهجة الفيليية الجميلة.
4-انعدام الشعور بالهوية وهي متأرجحة بين القومية والمذهب, بسبب قلة الوعي الثقافي, فقد تصور البعض ان الانتماء لمذهب جعفر الصادق (ع) يعني بالضرورة الانتماء للعروبة او العكس فان الانتماء للقومية الكردية يعني التسنن بالضروة كون الغالبية العظمى من الكرد في العراق ودول الجوار يتعبدون حسب المذاهب السنية الاربعة وان كان المذهب الشافعي هو الغالب  وكل المذاهب محترمة لدينا, وعليه كانت الحساسية شديدة لدى المتدينين الفيليين من القضية القومية! لهذا انخرط الكثير منهم في احزاب دينية شيعية في محاولة لارواء عطش الانتماء, صاحبه في الغالب مسخ الهوية الفيلية وفي احسن الحالات التكتم والشعور بالاحراج عندما يدور الحديث عن الاصول والانتماءات القومية والعشائرية, في حين نجد ان انخراط العلمانيين الفيليين في الاحزاب الكردستانية لم يواجه عقبات نفسية ما قد مكن هؤلاء من الصعود الى مواقع متقدمة في الاحزاب الكردستانية كالسيد جبار الياور والدكتور صاحب قهرمانة الذي يحتل منصب وزير دولة عن التحالف الكردستاني.
5-عدم وجود تجمع فيلي عالمي يرعى هذه الشريحة الموزعة على اكثر من 40 دولة في العالم لتمثل مركز لللقاء وتبادل الخبرات وتقوية اواصر العلاقات بين الفيليين في جميع انحاء العالم وتعمل على تمثيلهم لتكوين لوبي سياسي للمطالبة بحقوقهم داخليا وخارجيا واحياء ثقافتهم.
6-تنكّر الشخصيات الفيلية المعروفة لابناء جلدتهم بمجرد وصولهم الى المنصب او الموقع الذي يمكن من خلاله التاثير والتغيير, هذه الحالة وان كانت صفة عراقية عامة الا انها لدى الفيلية مفرطة وبارزة بقوة  حتى لدى من يعلن انه فيلي الانتماء الا انه لا يسعى الى لم الشتات او يقوم باية محاولات لتاسيس مشروعاً من شانه المساهمة في حل ازمات بني جلدته والمساعدة على التخفيف من معاناتهم الازلية, ومثال ذلك السيد عبد الصمد رحمن وزير الهجرة والمهجرين اذا كان يشعر بحرج شديد من انتمائه الكردي الفيلي رغم انه وصل الى موقعه بسبب انتمائه الفيلي.
7-عدم ثقة الفيليين بانفسهم جرّاء قروناً من الظلم والاضطهاد, ومن اين ياتي الشعور بالثقة وانت مطاردٌ حيثما كنت ومهدد بالنفي والتهجير ومصادرة الاموال ولذلك اتجه الفيليون الى السلبية في سلوكهم والسلمية الشديدة قدر المستطاع ولذلك لا تجد منظمات فيلية سياسية قوية او تنظيمات او ميليشيات مسلحة ضاربة تفرض نفسها على الساحة السياسية بقوة السلاح.
8-عدم وجود دولة راعية لهم فاذا اعتبرنا ان ايران هي راعية الشيعة في العراق ولبنان شئنا ام أبينا, كما نفترض جدلاً أن السعودية هي راعية السنة في العراق والعالم العربي, أما اقليم كردستان فيتمتع باستقلال شبه تام معتمدا على موارده وقدراته الذاتية, فان الفيليين وان كانوا قوميا ينتمون الى كردستان الى ان مواطن تواجهم في بغداد والوسط والجنوب جعلهم محاطين بمن ليس من مصلحته توحدهم وتحولهم الى قوة مؤثرة, ولذلك فانهم والحال هذه لا راعي لهم بالمطلق, غير انه يحذوهم الامل باقليم كردستان ان يعمل على اعادة الحياة للتراث الفيلي وان يتحول الاقليم الى الجهة الراعية لهم ويطالب بحقوقهم القومية, وهناك بعض البرامج حاليا من خلال وجود ساعة اذاعية على قناة شفق تنطق بالفيلية وعلى تلفزيون كردستان ساعة اسبوعية ايضاً اضافة الى سعي الاقليم الى احتضانهم وتقديم التسهيلات للراغبين بالانتقال والاقامة الدائمة فيه وتذليل صعوبات تسجيل العقارات والاملاك باسمائهم وقبول ابنائهم حتى ممن لا يملكون الجنسية العراقية.
9-تشتت الكرد الفيليون فيما بينهم وهم في واقع الحال يمثلون مرآة صادقة تعكس الواقع العراقي الى حد كبير, فبمقدار تشتت الشعب العراقي الى قوميات ومذاهب وتوجهات سياسية مختلفة فان الكرد الفيليون متشتتون بين الاحزاب السياسية والمذاهب والمناطق والعشائر.
أن وحدة الكرد الفيليين تعتبر من الامور الستراتيجية التي لو استغلت لربما حصل الكرد الفيليون على اكثر من 10 مقاعد في البرلمان, أن 400الف يزيدي يحصلون على خمسة مقاعد في برلمان اقليم كردستان فحين ان اكثر من مليوني فيلي حول العالم لا يحصلون على مقعد واحد باصواتهم بسبب تشتتهم وتواصل المؤامرات الهادفة الى الغائهم من الحياة السياسية. أن دخول الفيليون الى البرلمان باصواتهم سيمكنهم من خلق نوع من التوزان السياسي باعتبارهم الجسر الذي يربط العراق من شماله الى جنوبه وسيتحولون  بذلك الى قناة للحوار مع جميع اطراف المعادلة السياسية العراقية ولعل هذا ما يخيف الكثير من الاحزاب السياسية التي  تتاجر باسم الدين وتعمل على استمرار حالة التشتت للكرد الفيليين خوفا من امتداد التاثير الكردي الى مناطق اوسع مما هي عليه الان ناسين بذلك ان وجود قوى كردية فيلية في المعادلة السياسية من شأنه التهدئة وتطييب الخواطر لا التأزيم ونشر العداوات لما يمتاز به الفيليون من سلمية وانفتاح وحب لوطنهم.

يتبع الحلقة الثالثة :اجراءات ضرورية لانقاذ الكرد الفيليين من التلاشي

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات