23 ديسمبر، 2024 9:36 ص

الكرباسي يفتح في “ظلال العروض” مغاليق الأوزان الشعرية

الكرباسي يفتح في “ظلال العروض” مغاليق الأوزان الشعرية

عند دراسة تاريخ العلوم ونشأتها، نكتشف أن العلوم بمجملها مرت بمراحل تطور مختلفة، وواقع الحياة دالٌ على ذلك، فوسائل الاتصال والمواصلات على سبيل المثال المتاحة اليوم، لم تكن كذلك قبل عقد أو قرن أو ألف عام، فالتطور قائم في كل ناحية من نواحي الحياة البشرية، بيد أن التطور بين علم وآخر يختلف من حيث الزمن، فهناك تطورات متسارعة في بعض العلوم وأخرى متهاودة، والتطور في العلم الواحد هو الآخر يختلف من حيث المرحلة التي قطعها ليصل الى ما وصل اليه اليوم، إذ يأتي عالم فيطور من اختصاصه وتظل براءة الإختراع ملازمة له لسنة او عشر سنوات أو خمسين سنة حتى يأتي عالم آخر ويطور في ذلك الاختصاص فنشهدُ جيلاً جديداً من الاختراعات في ذلك العلم، ولكن العالم بالتأكيد  شهد في نصف القرن الأخير تطورات متسارعة في مجمل العلوم.

وهناك اعتقاد بأنَّ بعض العلوم قفلت على نفسها ولم تعد هناك فسحة للتطور، ومن ذلك علم العروض في الشعر العربي، الذي قفل على بحور أحمد بن خليل الفراهيدي حتى صارت صفة غالبة له، فإذا ذكر البحر في محفل أدبي ذكر معه الفراهيدي الذي كان أول من نظّم التفعيلات الشعرية القائمة أصلا في بحور وأطلق على كل بحر اسماً يناسب التفعيلة. وكادت أن تكون بحور الفراهيدي قاعدة ثابتة، إلا أن العروضي والمحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي المولود في كربلاء المقدسة عام 1947م على بعد 500 كيلو متر من مثوى الفراهيدي المتوفى في البصرة عام 170هـ، جاء ليكسر هذه القاعدة ليُشكّل من أصول الخليل مائتي وعشرة بحرٍ جديد يُمثل فتحاً جديداً لباب الأدب المنظوم بعد مضي أربعة عشر قرناً.

هذا الفتح الأدبي نرى طلائع تفعيلاته التي تمخر عباب البحور في”هندسة العروض من جديد” في 391 صفحة من القطع الوزيري، و”الأوزان الشعرية العروض والقافية” في 719 صفحة من القطع الوزيري، و”بحور العروض” في 157 صفحة، وفي سبيل أن تأخذ التفعيلات مستقرها في ذهن القارئ اللبيب وخلده أتبعها الكرباسي بثلاثة أبيات لكل بحر جديد لتامه ومجزوئه ومنهوكه، هي بمثابة نماذج لكل بحر مستحدث، وحتى يكتمل البيت الشاهد ويسري مفعوله في الوسط الأدبي جاء الأديب الجزائري الدكتور عبد العزيز مختار شَبِّين ونظم على شاكلة البحر الجديد قصيدة، فصارت من مطالع البيت التام والبيت المجزوء والبيت المنهوك، وملاحقها ديواناَ كبيراً من ثلاثة أجزاء تحت مسمى: (ظلال العروض في ظئاب المطالع والملاحق)، علق عليه الأديب اليمني الدكتور محمد مسعد العودي، فجاء الجزء الاول في 360 صفحة من القطع الوزيري وضم 199 قصيدة شاهدة على مطالع الظلال صدر عام 2014م، وجاء الجزء الثاني في 424 صفحة من القطع الوزيري وضم 201 قصيدة شاهدة صدر عام 2014م، وأما الجزء الثالث والأخير الذي صدر حديثا (2015م) في 528 صفحة من القطع الوزيري، كقرينيه عن بيت العلم للنابهين في بيروت، فقد ضم 186 قصيدة شاهدة، مع 52 قصيدة لبحور مولدة من بحور الكرباسي والفراهيدي الأصلية، هي بمثابة ملاحق قابلة للزيادة، كان مطلعها للكرباسي وملاحقها لشبين.

 

مائز الشرق والغرب

ما جاء به الكرباسي من بحور مستحدثة ومولدة، تمثل إضافة كبيرة في مجال العروض، حفظت للفراهيدي براءة اكتشافه للبحور، وكشفت بعد قرون متطاولة أن: (علم العروض ليس آية نزلت من وحي السماء، ولا ورداً نُهي عن تطويره) كما يقول الدكتور شبين وهو ينظم ملحقاً على “بحر المهزّج التام” الذي نظم الكرباسي مطلعه قائلا:

هل أتى حديثٌ في القوافي مُستنهضا؟ … أم أتاكَ نهيٌ عن عروض مُسترفضا؟

فهذا البحر ووزنه:

فاعلن مفاعيلن مفاعيلن فاعلن … فاعلن مفاعيلن مفاعيلن فاعلن

ينظم عليه الدكتور شبين قصيدة من أحد عشر بيتاً، يقول فيها:

زن حروفَ أشعارٍ تجدْ سحراً أوْمضا … البيانَ فيها ربّك الباري قيّضا

ثم يزيد:

أبحرٌ من الإلهام ما غيضت بالصّدى … كلُّ طائرٍ ألهمتَهُ موجاً خضخضا

لم تنل مقامَ الوحي موسيقى أُنشئتْ … من لساننا، مَن علمها فينا فرَّضا

فالشاعر بما امتلكه من خبرة في البحور، وما يملك من خزين من مئات القصائد في الأغراض المختلفة، يدرك أن استحداثات الكرباسي هي ثورة عروضية حيث يقول في تقدمته على الجزء الأول من ظلال العروض: (ويهمنا في هذا المقام كتابه- الكرباسي- الفريد في بابه “هندسة العروض من جديد” وهو فتح من الفتوحات التي منّها الله على صاحب الكتاب، فميّزه عن كثير من أئمة العروض وعلمائه، قديماً وحديثاً، قد جمع في هذه الهندسة ما كتبه الخليل من أوزانه كلها محفوظة وكاملة غير منقوصة، وزاد عليها بمعادلات رياضية مدروسة أوزاناً أخرى .. ووصل عدد البحور في أشكالها الإيقاعية الوزنية مائتين وعشرة أبحر، كلٌ منها في ثلاثة أقسام، فنجد التام والمجزوء والمنهوك).

والأديب الجزائري الذي كتب ملاحق 639 بحراً مستحدثاً ومولداً، تمثل ثروة نظمية جديدة، هو أكثر الناس وقوفاً على ما أحدثه العروضي الكرباسي من نهضة أدبية كبيرة لها تأثيرها الواسع على الأدب المنظوم في حاضره ومستقبله، ولذلك يضيف في التقدمة: (هذا الكشف العلمي الجديد الذي جمع ذاكرة الإيقاع في دوائر عروضية، فتحت آفاقاً أوسع رحابة، وأوضح صورة، وأسحر خيالاً مما كانت عليه نظرةُ الإيقاع في نظامها القديم، ولا أظن شاعراً مذواقاً يقرأ “هندسة العروض من جديد” لا يجد بين زخم أوزانه المنضّدة كيواقيت العقد جاذبيّة، تدفع به نحو استكشاف الذات الشاعرة فيه، واستشراف أفق الرؤيا المخبأة في ذاكرة القلب شعوراً، أو خزانة العقل صوراً وتفكيراً).

ويعتقد الدكتور شبين أن ما أتى به الكرباسي أصبح حجة على من يتخلى عن الشعر العمودي تحت ذريعة محدودية البحور الخليلية، ويرى أن البحور الكرباسية: (لم تُبق مجالا للشك أمام الذين زعموا أن عمود الخليل لم يستجب لرغبات ذواتهم الجانحة الى التعبير، الغارقة في الخيال، ولم يكن قادراً على احتواء تجاربهم الشعرية، وكان ضيّقا في رصد آفاقهم وتطلعاتهم الشعرية الحديثة، بكونه محدداً لا تتجاوز نماذجه الإيقاعية الستة عشر نموذجاً وزنيا التي عُرفت عند الخليل، هذا موقفهم من العروض القديم، فما موقفهم أمام بناء شامخ لهندسة العروض الجديد، الذي تجاوزت نماذجه المائتين من الأوزان الشعرية التي لم تترك لهم فرصة للزعم والتشكيك)، وهو في الوقت الذي يدعو أنصار الشعر الحر وقصيدة النثر أو الحداثيين أو كتّاب الإختلاف، الى النفرة تحت عمود الخليل والكرباسي، يهاجم: (المبتدعين المتغربين الذين يريدون أن يصبحوا شعراء غربيين بذوات شرقية، وعقلية عربية ترسّب فيها ماض عريق، ونسوا بأن عباقرة الشعر في الغرب لم ينسلخوا من طبائعهم، أو يبدّلوا موروثهم الحضاري الإغريقي أو الروماني بموروث وافد من الشرق، وبذلك امتلكوا حقيقة الفنّ الذي يؤمنون بصوره وقيمه).

وإذا كان الدكتور شبين اقترب كثيراً بشعلة نقده من دائرة الحداثيين وكاد أن يحرق خيمتهم، فإن الدكتور محمد مسعد العودي في تعليقه على الجزء الاول من (ظلال العروض) أشعل قبس النصيحة داعياً الحداثيين الى الالتفاف حول عمود الخليل والكرباسي، بخاصة وأن ظلال العروض جاء: (ليفتح أمام المواهب الشابّة رياضاً يانعة من القول، تنوّعت بتنوّع الحدائق أزهاراً ووروداً ورياحين، لكل نوع منها رائحته، ولكل رائحة من الروائح مذاقٌ وانتشاءٌ، يزيد للنفس صحوة في الخاطر، ومتعة في الاستماع، وحكمة في الفهم. واختلاف مواضيع الديوان كاختلاف الثمار في جنان وارفة، تمدّ أكلها كل حين، يقطفها القاطفون من المشتغلين بالشعر وعاشقيه).

 

الوطن والاغتراب

ليست الوطنية كل الوطنية أن يعيش الإنسان في وطنه وحسب، بقدر ما هي حب الوطن وخدمة العباد والبلاد، فهناك الكثير ممن يبيع الوطن بدراهم معدودة وهو لم يغادر مسقط رأسه أو محل سكناه، وهناك من يعيش خارج الوطن وقلبه ودمه على الوطن يدافع عنه بما يمكن، مستفيداً من الحرية التي يتمتع بها والقوانين التي تحكم بلد الاغتراب أو الهجرة في الدفاع عن وطنه أو الاستثمار فيه، بعقله وخبرته، لما فيه صالح الوطن الأم.

في المقابل هناك من تأسره أعراف الغرب، فينسى وطنه ونفسه ودينه، ويتخلى عن أعرافه، معتقداً أن الذوبان في التقاليد الغربية يرفعه الى مصافهم، مع أن التقاليد الغربية فيها الشين وفيها الزين، وفيها ما يلفظه المجتمع الغربي نفسه، وعن هؤلاء الذين استهاموا بالغرب حتى نسوا تاريخهم ودينهم وتراثهم قال الأديب الكرباسي في مطلع بحر مجزوء المستطيل:

بلادُ الغرب فخٌّ بِبُستان … بها خسرانُ دينٍ وإخوانِ

وهي من البحور المستحدثة ووزنه:

مفاعيلن فعولن مفاعيلن … مفاعيلن فعولن مفاعيلن

وإلى مثل هؤلاء الذين نقدهم الدكتور شبين في تقدمته، يعود ليحدَّ ظُبَّةَ نقده شعراً، فيقول في ملحق بحر مجزوء المستطيل في قصيدة من أحد عشر بيتاً:

مريجٌ كالسراب الذي يغوي … ظماءً بين غِبٍّ وولهانِ

ثم يقول:

غويٌّ كلُّ مَن ظلَّ فيها مســـــ … ــــتهاماً فوق تَيْهاءِ حَيْرانِ

إلينا مدَّت اليمَّ إغواءً … ومثل الموج يسري الجديدانِ

فكم من مواطن قريب من التربة تنازل عن الوطن وكم من مهاجر غريب عن الأهل نازل من أجل الوطن، فالوطني أينما كان هو الذي يحبط المؤامرات، والمتآمر هو المنزوع عن الوطنية وحتى وإن لبس لبوسها، وفي هذا يقول الأديب الكرباسي من بحر المشتبك التام:

مؤامرةٌ قُطعت خيوطُها بني الوطن … وناصرها نفرٌ نزت على مِللٍ فبدتْ إحَنْ

ووزن البحر المستحدث هو:

مفاعلتن متفاعلن مفاعلتن متفاعلن … مفاعلتن متفاعلن مفاعلتن متفاعلن

ويكمل الدكتور شبين قصيدته الملحقة من اثني عشر بيتاً فيقول:

أُكابدُ أنفسَ طغمةٍ تُثيرُ ضغائنها الفتنْ … وتأتمرُ الظلماتُ في مسارحها بهوى الوثنْ

ثم يقول:

لنا بلدٌ عرصاتُهُ بأعظُمِ أضلُعِنا استوتْ … وفي خضرات حقوله احترفتُ مُغازَلَة الفَنَنْ

حفظتُ ضُحاهُ من الهباء حينَ ترصَّدَهُ السوا … دُ، حاصرَ كلَّ مروجهِ، وأغمضَ أعيُنهَ العَثَنْ

بلادَ أبي لكِ مُهجتي وبَوْحُ نشيج ربابتي … ظمئتُ ولمْ أرَ ساقياً يشقُّ لذي الغَلَلِ الرَّشَنْ

ويعود الكرباسي في مجزوء بحر المشتبك لينظم عن علم الوطن وبيرقه بوصفه رمز الوطنية، فيقول متأسفاً على سقوطه:

لقدْ سقطَ العلمُ الذي علا وطناَ … وزالَ به علمٌ قضى له زمنا

وهو من وزن بحر مجزوء المشتبك وتفعيلته:

مفاعلتن متفاعلن مفاعلتن … مفاعلتن متفاعلن مفاعلتن

وعلى هذا الوزن ينظم الأديب شبين ملحقه من ثلاثة عشر بيتاً، فيقول:

بنودُكِ ندفعُ من دمائنا الثَّمَنا … لها، فنسيمُكِ أمُّ يُذهِبُ الحَزَنا

ثم يضيف في الأبيات الثلاثة الأخيرة:

أنا الوطني أرى اللواءَ لي شرفاً … فإن هو أهْوَ بغابة الدجى وَهَنا

وإنْ بكَ أبْكِ دماً بليلٍ غُربتِهِ … وإن دَجَ أخْبُ مساءَ مغربي غَبَنا

عشقتُ بلادُ لواكِ رمزَ ملحمةٍ … حروفَ قداستهِ أُعَلِّمُ الزَّمَنا

فالوطني حق الوطنية هو الذي يرفع اللواء ويلتف حوله أينما حلّ وارتحل، من هنا فإن الأديب الكرباسي الذي عاش المهاجر والاغتراب في إيران والشام والمملكة المتحدة، وفي الأخيرة بدأ منذ عام 1987م بتأليف أول وأكبر موسوعة عن الإمام الحسين(ع) في 900 مجلد صدر منها 92 مجلداً، يُظهر بين فترة وأخرى حنينه الى مسقط رأسه كربلاء المقدسة، فينشد من بحر المستكمل المسدّس المرفول الموقوص:

عشقتُ تُرابَ طفِّ الحسينِ … فلا أحدٌ يُوازي حنيني

وهذا البحر من المولدات التي استحدثه الأديب الكرباسي، حيث ألحق بالبحور المستحدثة 50 بحراً مولداً أعطى لكل واحد منها اسماً، ووزنه:

مفاعلتن فعولن فعولن … مفاعلتن فعولن فعولن

وهنا يواصل الدكتور شبين ملحقه في أحد عشر بيتا، فيقول:

أرومُ بلاد سرِّ اليقين … ونبعَ دمي وفجرَ الجبين

ثم يضيف في البيتين الأخيرين:

بقرب رُباكِ أمِّي أعيني … ببُعدكِ ليلُ خوفي قريني

أظلُّ أعُدُّ عُمري مرايا … رسمتُكِ في ضُحاها المبينِ

 

أوزان وأفكار

في الواقع لا يمكن حصر الأغراض التي تعرض إليها صاحب المطالع، فهي بالمئات، فقد حرص الأديب الكرباسي في كل بحر مستحدث أو مولّد، على تناول غرض من الأغراض الحياتية، فجاءت الأغراض الشعرية بعدد البحور تقريباً، وحسب قول الدكتور محمد مسعد العودي في تعليقه على ظلال العروض: (جاء السفر موسوعة من الأفكار تتشعب إلى شعب، لكل شعبة معنى يزيدُ القارئ فلسفة وإدراكاً، ويفيدهُ تحصيلاً لما اختلف من المعارف والأذكار).

وحيث توزعت قصائد الجزء الأول في مطالعها وملاحقها على 75 بحراً جديداً مستحدثاً، وقصائد الجزء الثاني على 74 بحراً مستحدثاً، فإن الجزء الثالث ضمّ بقية البحور وهي 61 بحراً كالتالي: (المستطرد، المستطرف، المستطيل، المستظرف، المستغرب، المستقرب، المستقضب، المستكمل، المستسقى، المستهزج، المسرّح، المشارك، المشبّه، المشتبك، المشترك، المشذّب، المصداح، المصطفى، المصفّى، المصلح، المضارع، المطّرد، المطوّل، المعكوس، المفصول، المقارب، المقبول، المقتضب، المقرّب، المقسّم، المقسوم، المقضّب، المكمّل، الممتد، المزوّج، المميّز، المنبسط، المنتقى، المنسرح، المنسرد، المنفصل، المنقّى، المنقسم، المهزّج، الموجز، الموزون، الموفّر، الموفور، الميسّر، النادر، النّشب، النّشيب، النقي، الهزج، الهزيج، الوافر، الوجيز، الوزين، الوفير، اليتيم، اليسير).

لقد بدأ الأديب الجزائري الدكتور عبد العزيز شبين في الجزء الأول بقصيدة بعنوان “وليد الدوح” أثنى على الفقيه الكرباسي بما جادت قريحته العروضية، وهي من الوافر قال في مطلعها:

حَجَتْ بمعينك الوُرْقُ الظِّماءُ … وفاضت من فم السلوى دِلاءُ

وأنهى الجزء الثالث والأخير بتقريظ تحت عنوان “الجندي المجهول”، والقصيدة من المسرّح المجزوء، قال في مطلعها:

يا مطلعاً أنحوهُ مِسْكاً جرى … في مُلحَقٍ من إحساسي اخْضَوْضَرا

ثم يقول:

كرباسُ طيباً فوّاحاً زادهُ … ما أطيبَ البدءَ الأنقى الأعطرا

وما عبّر عنه الدكتور شبين نظما، عبر عنه الدكتور العودي نثراً في خاتمة الجزء الثالث، داعياً شعراء العمود وشعراء الحداثة الى الاستزادة من البحور الكرباسية بلحاظ أن ديوان ظلال العروض بأجزائه الثلاثة: (عمل تطبيقي لما أوردته نظرية العلامة الكرباسي في العروض من كتابه “هندسة العروض من جديد”، فظئاب المطالع والملاحق رسمت من أولها إلى آخرها إيقاع الشعر العربي الجديد بتامه ومجزوئه ومشطوره ومنهوكه ومستهلكه، فلعلّ الوزن هذا يكون مستساغاً لدى المتأدّبين والمشتغلين بالشعر، فيكون قالباً يُفرغون فيه خيالاتهم، ويصقلون به قرائحهم، فتتَّسع المداركُ والأخيلةُ بتنوع الإيقاع واتساعه).

وهذه حقيقة لمستها بأنامل الشعور من خلال قراءتي الأدبية للأجزاء الثلاثة من (ظلال العروض)، رغم أني لست من حزب الشعراء، فكيف مَن يرى نفسه من هذا الحزب، فالأجدر بهم أن يتنقلوا في مدرجات تطبيقات البحور الكرباسية، فهي فتح واسع في الأوزان تَعكس في مرآة الشاعر ألواناً من ألوان.