23 ديسمبر، 2024 8:58 ص

الكرادة …الجرح آخر نازف في وطني العراق ..وهل يوجد مكان يخلو من الجراح في وطني…يومها الاسود الحزين الذي شهد سباق الشهداء للارتقاء الى اعلى عليين فرحين بما آتاهم الله من رحمته ونعمه ..مخلفين ورائهم قلوبا حرى ونفوسا ثكلى وارواحا هائمة في فضاء الارض ليس لها من قرار…ولكن هل امتاز يومها عن ايام جراحنا النازفات في ربوع الوطن في كل ارجائه ..الشرق والغرب والشمال والجنوب.
اهدأ ايها الجرح ..وقف عن النزف ..جسد العراق ساحة لمدى المجرمين الملثمين مجهولي الهوية ..ربما كانوا اصدقائنا ..اعدائنا المتلبسين بأثواب الصداقة …ربما كانت خناجرهم المسمومة تمتد الى قلوبنا بصور البسمات او التعاطف او الآسي او دعوات الويل والثبور لصغائر الامور اما لكبائرها فهم قد اعدوا مسبقا خطط التمزيق والتفريق والقتل الجماعي والفاعل مجهول الهوية…واما من تكشف نيته وتعرف هويته ويثبت جرمه فيتحفظ في ان يقال عنه ما يقال عن المجرمين ربما لأن لديه صك الغفران من سلطة الميثاق والتراخي وعدم نفاذ الامر الا ان تخرج الامور عن اعتيادها.
اختلفت الآراء بشأن السبب والمسبب الفاعل والمادة التي استخدمت في التفجير الف الف تساؤل عن مصير من لم تعرف هويته او يتعرف على جثته …
السلام على زمن الهمجية الاولى التي تعرض الافراد للقتل فرادى او جماعات ..ثم تلف اجسادهم بالأكفان ويشيعون الى مقابرهم بسلام ليثووا فيها آمنين .
اي لوعة احرقت قلوب الفاقدين واي ندى من سماء الرحمة يحتوي اللهيب ويخمد الاوار.
اي انين ارتفع الى عنان السماء تلقته الملائكة بالشموع والدموع وانحنت بين يدي الاله رافعة له الدعاء.
واي ا رؤوم وقفت مذهولة لا تنبت ببنت شفة اذ الفجيعة افقدتها القدرة على الشعور او الاحساس بالالم..لماذا يربي الاهل الابناء ليقدموا ضحايا لالهة الغدر والعدوان وهمجية القتل قتل الشعوب مع سبق الاصرار والترصد.
…………………….
كتبت قبل سنوات قصة قصيرة بعنوان (الروح البرئية ) وهي ايضا تتحدث عن حالة معينة من الارهاب في وطني وهي وان كانت تتحدث عن شخصية مفردة لكنها اشارة صريحة الى ما يتعرض له الشعب العراقي من مآسي لن تنتهي مادام التشرذم والتفريق والتمزيق قائما ومادام هناك صنم يعبد اسمه مبدأ ( تغليب المصلحة الشخصية) وهي تأخذ اشكالا والوانا وانواعا منها (الشخصية, الفئوية, الحزبية, القومية, الطائفية) لنعمل من اجل ان تكون لنا مصلحة وطنية فحسب وندافع عن الهوية الوطنية فحسب. فهل يكفي ان نقدم استنكارنا للتفجيرات الإرهابية او اية اعتداءات اخرى تستهدف مدننا وقرانا وابنائنا في جميع محافظاتنا واستهداف ابناء الشعب او الجيش الباسل او القوات الامنية المظفرة او الحشد الشعبي المقدس او ابناء العشائر الغيارى. وكيف يمكننا ان نفشل مخططات المجرمين بالنيل من وحدة ابناء العراق وتفويت الفرصة امام من يريد زرع الفتنة بين اطياف المجتمع العراقي….؟؟؟؟؟ليس من سبيل الا سبيل واحد هو الوقوف صفا واحدا كالبنيان المرصوص والعمل بروح المواطنة والانتماء لهذا البلد المقدس العراق الغالي…
والان لتقرأ معا(الروح البرئية)
الروح البريئة

كنت بين الارض والسماء محلقا بجسدغير جسدي كانها صارت ذرات نورانية متواصلة ترسم وتجسم ذات الجسد الذي كنته ذات يوم والذي اراه في هذه واللحظات.
…آه…تذكرت
هؤلاء هم الذين أحاطوا بي …يا للشقوة … لقد قتلوني اذن …آه أنا الآن اتذكر حرارة الجرح ربما احسها في هذا الجسم الذي أنا عليه الآن وانظر آثرها على الجسد الممدد على الارض تنز منه الدماء وقميصي قد تلون بالدم المراق..
آه…ان فيهم واحدا كنت وثيق الصلة به وكنت احسبه صديقا وكنت احسبه صديقا وقد كنت اعتقده صادقا شريفا.. آه.. يا للهول انه يشير الى افراد مجموعة ليدخلوا آلة التصوير ويصور
أنني ابكي هذا الموقف الذي تشيب منه الولدان ,فكيف ترتضي الضمائر بأن يكون الموت مسرحية او تجارة او مقايضة…أية قضية في هذا…اي عدل …؟
يا لأمي المسكينة …ترى كيف ستتقبل نبأ مقتلي فقد قايضوا بي وقايضوا وقبل اهلي المقايضة ..لكنهم قتلوني.
هتفت آه ….فاستدار لي بوجهه الملائكي وسألني لماذا ابكي …؟ فأشرت له بيدي النورانية التي صارت لي بجسمي الجديد…انظر………..
وضعت العدسة فوق جثتي وراحت تصور تلك المشاهد الدامية واقسم لو انني رأيت تلك المشاهد حتى لو لم تكن حقيقية لفجعت بها واعلنت بأعلى صوتي بأن هذه جريمة لا تغتفر.
و موت ولا شك فليمت الانسان بضمير حي دون ان يلوث يديه بدماء الأخرين..
آه ارى تلك الصور وقد نشرت في الصحف …آه… ورأيتها فمضيت حيث بيتنا , فرأيت امي تلبس السواد وتبكي ..وقفت بجانبها ولكنها لم تنتبه لي وبقيت لتوسل اليها ان تصمن لكنها ما كانت ترتني او تسمعني ثم أه هذا ..هذا ابي يمسك بيديها يحاول ان يهدأ سورة الحزن التي المت بها وأرى دموعه تتساقط على وجنتيه فيمسح دموعه بأصابع يديه …لا. لا.. يا ابي اقول لك انك الان تفعل ما كنت تنهاني عنه في طفولتي اذ كنت تقول لي ..لا تمسح دموعك بأصابع يديك ..اين منديلك يا ولد …؟ كم مرة كررتها علي ..انني اتذكر يوم البستني الحلة الجديدة واخذتني من يدي الى طريق جديد اسير فيه لاول مرة لتقول لي هنا ستمضي الساعات والايام لتدرس ولتكبرولتهنأ بحياتك فالعلم هو الحياة ..واستمعت الى نصيحتك وكم كانت نصائحك ..وفي كل صباح ومع كلقبلة وداع ومع كل ابتسامة لقاء كنت اراك فأحث الخطى وابذل الجهد لكي اتعلم واكبر في العلم .
آه …يا ابي ..اني اراك تتعذب ولا تستطيع ان تسيطر على حزنك لهول ما انت فيه من حزن والم ..كلا يا ابي …انا برئ وقد حملتني الملائكة الى النور والرحمة الالهية …انا بريء وهذا الملاك الرحيم يحملني على جناحه ويمضي بي الى ما اريد دون ان اكلمه ودون ان انبس ببنت شفه اذ يحقق امنيتي بمجرد ان تستقر في خاطري ..انه الآن يبتسم لي ربما لينبهني الى ان ابلغك السلام …ها هو اخي قد حضر…آه ما هذا الضجيج انه يعاني الم الحزن ويبكي ..انني اراه يشد شعره اسفا وغيضا ولوعة واعلم ما يقول في نفسه هو يتمنى لو يستطيع ان يظفر بالذين قتلوني…هو يعلن بانه سيمزقهم اربا ..أربا.. أربا ..انا ورغم حبي لأخي لا اريد ان يكون مجرما ..لا.. لا اريد ان يكون قاتلا …لا أريد ..لا أريد ان
تقتل فمن يقتل يخرج والى الابد من عالم الانسانية ولا يدخل في رحمة الله جل وعلا.
نشرت في جريدة كربلاء اليوم العدد (164) الاسبوع الاول من شهر شباط 2009 وعلى الصفحة الخامسة (الثقافية)