الغريب في العراق أن السياسة فيه ترف لمن احترف هذه المهنة وألاغرب ان السياسي جاهل وأمي في فن وعلم السياسة، والدليل واضح كثرة المشاكل وقلة الحلول، وثمة علل وأدواء كثيرة مصاب بها شعبنا كما قال الأستاذ الدكتور على الوردي ، ولا بد للحكومات ان تصاب بذات الأدواء والعلل ، لانها جاءت من رحم هذا الشعب ، وان اي حكومة تتشكل تكون كسابقتها ، كثيرة الكلام قليلة الانتاج تجنح الى الفساد ، وتظلم نفسها والعباد ، والدليل آلاف المسؤولين الكبار الذين احيلوا الى المحاكم كانت تهمهم ثابتة وقد لا أكون مبالغا ان كل المسؤولين الذين توالوا على السلطة منذ عام 2003 باستثناء القليل منهم، كانوا من الفاسدين ، ولا زالت قضايا فسادهم تترى على القضاء .
ان السبب لكل ما تقدم هو ان ما كان عيبا صار مقبولا لدينا ، فالمرتشي في الستينات ، كان يفصل من الوظيفة بقرار قضائي ، وعندها تختل موازينه ، فلا يعود يرتاد المقاهي ، ولا يزوج من بنات الناس ، ولا يدعى لوليمة ، يظل سائرا في الحارات منكس الراس خجلا من الناس ، اما اليوم فالمرتشي يتباهى بعملته ويرفع الرأس بعنفوان المنتصر بوجه من يحتج على رذيلته ، ولا يجد أب يردعه او ام تنصحه او زوجة تتألم لفعله الشنيع، اما سارق المال العام فصار عمله مقبول بفعل لجان الكتل الاقتصادية وصار تقسيم المغانم تقليدا متفق عليه بين الأحزاب والكتل وصار بيع المناصب بالمزاد العلني ، والفاسد أصبح هو المقبول والنزيه هو المنبوذ ، انقلبت المعايير ، وصارت العلل لاتحصى ولا تعد ، ولم يعد هناك خجل او وجل بل إصرار عند الكتل ان لا يأتي وزير الا منهم ويكون فاسدا مثلهم ، والاغرب ان أغلب الكتل لا ترغب بالتغيير رغم انقلاب موازين الموارد المالية بسبب انقلاب موازين مبيعات الخام ، ورغم الجائحة ، فإن هذه الكتل ورغم كل الانتقادات الموجهة إليها لا زالت تطالب بهذه الوزارة او تلك الهيئة او تلك المديرية العامة ،
ان الكتل السياسية مطالبة بإعادة النظر في سلوكها السياسي ومطالبة بأن تقر بان هناك الملايين من الكفاءات المبدعة . والعقول المبعدة عن الأداء العام ، وانها باتت ملزمة بفسخ الطريق أمام هذه الكفاءات لتأخذ دورها في عملية تجاوز العلل ، وإعادة التفكير بالجديد من الوسائل والسياسات الكفيلة بإعادة العراق إلى سكة السلامة والتقدم….