23 ديسمبر، 2024 5:14 ص

الكتلة الفائزة والفرقة الناجية

الكتلة الفائزة والفرقة الناجية

واحدة من عقد التاريخ الديني والدين الاسلامي تحديداً هي فكرة الفرقة الناجية من النار، وما ان انتشرت في بطون كتب التاريخ حتى بدأ التاريخ المعاصر يماهي الفرقة الناجية وبالاخرى المنصورة والثالثة الصالحة والعاشرة الناسفة لما قبلها جميعها، ناسفة بالفكرة والمفخخات   والانتحاريين، وهذا ليس شأناً بعيداً عن القوانين الطبيعية في فيزياء الكون بدءاً من نظرية الفعل ورد الفعل او فكرة الهجوم يواجه دفاعاً وفي كلا الحالين هناك تصدع في الجهتين او الجانبين. تمتد الفكرة الى صراع الانتخابات العراقية ونتائجها المنتظرة رسمياً رغم انها تسربت في اكثر من لون ونتيجة وكأن الفائزون تسعة آلاف مرشح.
الجميع يقول انا الفائز وهذا ليس سلبياً بذاته بل هو عين الصواب لان الفوز هو امكانية التعبير عن الرأي وقبول الرأي الاخر، ولكن التمشدق بأن هذا الفوز لي لأنني كسبت عدد الاصوات الاكبر، فهذا يعني العودة الى فكرة الفرقة الناجية وهذه الفرقة بالضرورة يجب ان تظهر بوجهها فرقة اخرى وتنتهي الى نسف الجميع والبدء من الصفر.
انّ امكانية التغيير في العراق اليوم اصبحت ممكنة جداً وهي اقرب من اي وقت اخر، وسواء كان التغيير في السياسات او في الوجوه فهو ممكن جداً، ولكن الخطوة الشجاعة المنتظرة لم يبادر اليها أحداً او اننا لم نسمع بها من احد الا من احد افراد التيار المدني الذي اشترط العبور على المحاصصة والطائفية في تشكيل الحكومة العراقية لمشاركتهم في هذه الحكومة، امّا الكتل الاخرى فهي في دوامة صراع محتدم ومساومات حول مراكز ادارة الدولة، وانهم بهذا العنوان ينسفون الفرصة الكبرى للبلد في الحوار الخلاق او الاعتراض المنتج للتصويب واستئناف  الطريق الصحيح، الخطوة الجريئة الكبرى الان في طريق الاصلاح والبناء هو تجاوز عقدة الاستحواذ على مراكز الدولة واختيار ضمانات اخرى تحصّن اداء الحكومة ومراكزها لأي طرف كان من قبيل مراقبة الدستور بفعالية عالية وفصل القضاء باصرار مهني دقيق وتوعية الناس بحقهم الذي يجب ان يأخذوه وبحقهم الذي يهدر ويسرق ومن المسئول عنه.
وهذا ليس صعباً على اي جهة اذ ما ارادت ان تتبناه بقصد الاصلاح أولاً والمحاسبة ثانياً، وليس العكس لأن موضوع الثأرية والانتقام والتسقيط للآخر يخلق طبقة سياسية منافقة تؤذي المواطن وتؤذي نفسها شاءت ام أبت، وتصبح ملعونة على الطريقة الاسلامية والمدنية معاً.
إنّ خارطة الاحزاب السياسية العراقية لم تتأثر بمهدد وجودها في الواجهة السياسية، بالرغم من  تأثر الاحجام التمثيلية لها في البرلمان العراقي بدورته القادمة الجديدة، وهذه النتائج الجديدة هي ضريبة يجب دفعها من اجل النضج السياسي للجميع بما فيهم الكتل التي حققت ارقاماً كبيرة تفوق ارقامها في الانتخابات السابقة لا سيّما اذا التفّت وعملت الكتل والجماعات التي لم تحقق ارقاماً كبيرة حول فكرة ” مصلحة البلد ” و” مصلحة الناس في هذا البلد ” وتتجاوز عقدة جذب الناخب وتسقيط الاخر وتستبدلها بفكرة خدمة الناخب وتصويب ومحاسبة الاخر.