22 ديسمبر، 2024 11:14 م

الكتلة العابرة …حل أم خدعة؟!

الكتلة العابرة …حل أم خدعة؟!

تميّز العراق كبلد مستقل منذ بدايات تأسيسه انه بلد مكونات، وهذه الميزة جعلت منه بلداً متنوعاً، في فكره وثقافته وديانته وعروقه العقائدية..
تبعا لذلك عاشت هذه الأديان والقوميات متكاتفة ومنسجمة، وعلى الرغم من الظلم الذي وقع على الشعب العراقي بعد سيطرة البعث الفاشي، على مقدرات الشعب العراقي،وتحكمه بمصير وحياة أبناءه،إلا أنه ظل محافظاً على هذا الانسجام،فلم نشهد حدوث أي صراعات قومية أو مذهبية مجتمعية.. ولكن النظام البعثي سعى إلى ضرب هذه المكونات،لمحوها وإنهاء تواجدها على الأرض العراقية،لذلك سعى إلى تهجير الكرد الفيلية،وإشعال حرب مع الأكراد أنتجت عمليات الأنفال وكارثة حلبجة المؤلمة، وفي نهاية الأمر إعلان حربه على الأغلبية الشيعية في البلاد..
اتخذ النظام الصدامي أساليب متعددة في ذلك،فمنها عمليات القتل والاغتيال والإعدامات للرموز الوطنية، في خطوات عدتها منظمات دولية حرب إبادة جماعية على مكونات الشعب العراقي،حتى مجيء أحداث احتلال العراق عام2003 والتي غيرت مجرى التاريخ تماماً،فبرزت ظاهرة التنوع للمكونات لتكون الأداة الرئيسية في تشكيل مجلس الحكم،وما تلاه من حكومات متعاقبة،وفي خضم كل مايدور في البلاد من منعطف خطير، ظهرما سمي بـ(الإصلاح) وتعالت الأصوات التي نادت بالتغيير،وما خلفته التظاهرات من انقسامات حادة في المشهد السياسي عموماً،تعالت الأصوات المنادية بإيجاد تغيير حقيقي في عموم المشهد،فتوالت الأصوات المنادية بهذا التغيير، على أن يكون تغييراً بنيوياً في هيكلة الدولة عموماً، تبدأ بعبور كل أشكال الانتماء القومي والمذهبي، لتشكيل كتلة تمثل العمق الوطني لا المذهبي أو القومي لتكون عابرة لكل هذه المسميات،فكان رئيس ائتلاف عراقيون السيد عمار الحكيم أول من أطلق هذا المصطلح وبدأ فعلاً بإعلان كتلة أسماها “عراقيون” لتكون نواة لهذا التوجه.. وتوالت بعد ذلك الأصوات المنادية، لتشكيل هذا التكتل لتكون انطلاقة أولى، نحو التغيير المنشود لبناء دولة المواطنة الحقيقية.
الكتلة العابرة جاءت بعد توسع رقعة الخلاف السياسي،وتأثير ذلك الخلاف على الشارع،حتى أضحت فلسفة الثأر حاضرة في خطاب الكتل السياسية،لذلك تأتي هذه الدعوات من اجل إعادة رسم خارطة سياسية جديدة للبلاد، تأخذ على عاتقها هذا التنوع وهذا الخلاف،وربما تعد منفذاً مهماً لإنقاذ الوضع السياسي عموماً،بعد وصولها إلى انهيار كامل في البنى التحتية السياسية، وذهاب البلاد إلى المجهول،الأمر الذي يستدعي وقفة جادة وحريصة على مستقبل البلاد والعباد..
عملية تشكيل الكتلة العابرة، ما هي إلا واقع أستند عليه الداعون لها أو من يروّج لها،وعلى الجميع تقبل فكرة أن الأغلبية ينبغي لها أن تتجاوز المذهبية والقومية إلى فضاء الوطن،وتجاوز مرحلة التخندقات والأيدلوجيات الفكرية التي أعطت ذريعة للفساد والفاسدين أن يكونوا أداة لهذا المكون أو ذاك،وهذا ما شهدناه فعلاً من حماية الفاسدين وتشكيل مكاتب اقتصادية كبرى، من اجل احتكار للعقود والصفقات التجارية لهذه الكتلة أو تلك .
يرى كثير من المحللين السياسيين أن”الكتلة العابرة” أصبحت حقيقة ينبغي على الجميع التعاطي معها بإيجابية،وجعلها نقطة الانطلاق لأحداث التغيير المنشود على مجمل العملية السياسية،ناهيك عن كونها تعطي زخماً للجميع في الانطلاق لتكوين هذه الكتلة، على أن تكون منافسة في تشكيل أي حكومة قادمة، أو السير نحو بناء كتلتين قويتين يكونان متنافستين في الحصول على رئاسة الوزراء،وبمنافسة شريفة بعيداً عن لغة التخوين والفساد،أو شراء الذمم الأمر الذي يجعل الأوضاع السياسية تسير نحو التسوية والحلحلة،كما انه سيحدث ثورة تغيير فكري لدى الجمهور ليعيد حساباته كلها في اختيار الأصلح كممثل في البرلمان للمثلي البرلمان القادم،وأن هذا التوجه سيكون أكثر وعياً وادراكاً بان الكتلة الوطنية العبارة للطائفية والآثنية هي من تستطيع تشييد بناء نظاماً سياسياً عادلاً يكون قادراً على بناء وطن حر.
ربما عندما يصدق ساستنا النية، ويتداركوا اخطائهم، فعندها ستكون تلك الكتلة خطوة باتجاه تصحيح العمل السياسي، وما يتلوه من معالجة للمشاكل التي نعاني منها، وعندها ربما سيصدق الشعب انها ليست خدعة جديدة..