5 نوفمبر، 2024 9:43 ص
Search
Close this search box.

الكتلة التاريخية ما بين غرامشي ومفاسد المحاصصة!!

الكتلة التاريخية ما بين غرامشي ومفاسد المحاصصة!!

من سجنه تحول الفكر الماركسي عند أنطونيو غرامشي الى فكرة بناء كتلة إيطالية تاريخية تواجه هيمنة الفاشية لإعادة إنتاج دولة إيطاليا الحديثة ، ومع تصاعد وتائر العولمة ظهرت ميول فكرية لإعادة انتاج الكتلة التاريخية لمواجهة ما وصف ب” العولمة المتوحشة” ، تنبع أهمية مثل هذه المناهج التحليلية لاعتبار ان مهمة المثقف العربي التعامل مع هذا النوع من التجديد بعد ” الربيع العربي” كما سبق وان فعل عبد الرحمن الكواكبي مطلع القرن الماضي ربما في زمان سابق لمفهوم غرامشي عن الكتلة التاريخية للتعامل مع ظواهر الاستبداد فيما واقع اليوم يتطلب إعادة نظر شاملة لإعادة انتاج أفكار متعددة الأطراف لعل الأفضل تسميتها بالكتلة التاريخية لمواجهة هيمنة السلطة الاستبدادية من خلال تجاوز ما انتجه الاستبداد من ظواهر الانسداد السياسي بعنوان الديمقراطية ، فهل يستطيع المثقف العراقي إعادة انتاج فكرة ” الكتلة التاريخية ” لصياغة منهجا لمقاومة هيمنة استبداد مفاسد المحاصصة ؟؟.
حلول مفقودة
مصدر هذا التحليل ان الكثير من النخب والكفاءات الاكاديمية والمثقفة العراقية انما تبحث عن تلك الحلول التي يمكن ان تحول الأفكار المطالبة بالتغيير الى برامج عمل تطبيقية لمواجهة اولغشارية مفاسد المحاصصة في عراق اليوم، والتي باتت تمثل منهجا للامساك بالسلطة من دون حتى النظر الى نتائج الانتخابات او تداعيات الحراك الشعبي في ساحات التحرير كما حصل في عراق تشرين وما يمكن توقعه في عراق ((احتجاجات تشرينية مقبلة)) ما بعد تشكيل الحكومة المقبلة.
معضلة الكثير من النخب العراقية انها تكتفي بتشخيص معضلة مفاسد المحاصصة وتبحث عن تلك الحلول الخارجية كما سبق وان فعلت أحزاب المعارضة المتصدية اليوم لسلطان الحكم من دون ان توجد لأفكارها المضادة للاولغشارية العائلية الحاكمة بعنوان واضح في (( دولة المواطنة))واستبدلت ذلك بمفاسد المحاصصة ومع تواصل تداعيات هذه المفاسد وصلت العملية السياسية الى حالة انسداد حقيقية وحتى وصول عدد من نواب ما يمكن توصيفه بالحركات التشرينية، الا ان نواب هذه الحركات لم تندمج هي الأخرى في برنامج عمل سياسي يمكن ان يكون له واقع التأثير المنشود في المرحلة المقبلة.
اصلاح بلا تطبيق
ما بين هذا وذاك من البحث عن مباني فكرية مثل الكتلة التاريخية عند غرامشي او الغرامشية المتجددة التي نوقشت من قبل كبار المفكرين العرب مثل عابد الجابري او خير الدين حسيب، هناك من تبنى هذه النظرية ومدى تطبيقها ما بعد ما عرف بثورة الربيع العربي في السودان والجرائر وتونس والبحرين ، من دون ان يظهر متبنى فكري عراقي جمعي للتعامل مع كتلة تاريخية يمكن ان تواجه عوائل مفاسد المحاصصة الماسكة بالسلطة الاستبدادية اليوم، الامر الذي يتطلب ليس التوقف عند نموذج الفكرة التي طرحت في مكانها ” إيطاليا” ونجحت في مواجهة الفكر الفاشي حينها ، وتطورت فيما بعد الى نموذج دولي عند بعض مثقفي اليسار الدولي الجديد لمواجهة ” العولمة المتوحشة ” بل اعتقد المطلوب عراقيا التمسك بمفهوم واضح ومباشر لمواجهة السؤال المركزي عن مصطلح ” الإصلاح الشامل “ما بين الخطاب المتدفق من القوى السياسية المشاركة في الاستبداد لنظام مفاسد المحاصصة والتي شهدت عليها مؤتمرات عقدت برعاية الأمم المتحدة او الاتحاد الأوربي ومنها ما عقد في روما عاصمة إيطاليا التي ولدت وطبقت فيها نظرية غرامشي عن الكتلة التاريخية الا ان الأغلبية الغالبة من هذه العوائل المستبدة مرة باسم القومية وأخرى باسم الطائفة والمذهب وثالثة باسم الوطن، لتستعيد الذاكرة ذات وقائع التبريرات التي كانت سائدة في أنظمة مستبدة انما جاءت هذه الأحزاب بعوائلها المعروفة لتكوين دولة من نمط اخر من خلال قانون” تحرير العراق” عبر مؤتمرات في صلاح الدين ولندن لتنتهي” الفوضى غير الخلاقة ” الى دولة فاشلة تمارس فيها الدولة العميقة للأحزاب المستبدة نماذج من الاستبداد المجتمعي والاقتصادي الذي فضح في انتشار المخدرات والجريمة المنظمة وانهيار منظومة القيم المجتمعية نتيجة تراكمات من الاستبداد الذي انتهى الى عدم نفاذ القانون في حالة اللا- دولة التي تدافع فيها الاحزاب عن مفاسد المحاصصة بوصفه ابشع نموذج للاستبداد الوطني .
عراق واحد
اجد ما تحتاجه النخب والكفاءات المثقفة والأكاديمية من الاغلية الصامتة ليس البحث عن عنوان كبير مثل ” الكتلة التاريخية ” كمنهج لمواجهة الاستبداد في جاهلية مفاسد المحاصصة التي تتمسك بها أحزابها، اكثر من البحث عن ” ثقافة الهيمنة المضادة ” التي ربما تتفق مع أفكار غرامشي عن “الكتلة التاريخية ” الوطنية القادرة على مواجهة هيمنة هذه الأحزاب بعنوان واضح لعراق واحد وطن الجميع يمكن ان تطلق مصطلحا تطبيقيا للمواطنة الفاعلة في عقد دستوري جديد ، ولان مسيرة الالف ميل تبدأ بخطوات واعية ، فالخطوة الأولى لابد ان تظهر قوى اقتصادية عراقية تتبنى منهجا واضحا لمواجهة استبداد مفاسد المحاصصة خارج صندوق العملية السياسية الحالية ، لكن هذا الانفصام المصلحي بين مجموعات اقتصادية ترى مصلحها في ترويج مصالح الاستبداد لعوائل مفاسد المحاصصة ، بدلا من تكوين البديل الذي يجعل الأغلبية الصامتة تتحشد لمناصرة صندوق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة ربما بإشراف دولي مطلوب وبقرار من مجلس الامن الدولي، لتكون مقاعد مجلس النواب المقبل امام استحقاقات كبرى للتغيير الشامل بعنوان مناهض لاستبداد الاولغشارية لمفاسد المحاصصة .
صخب متضارب
وعلى خط مواز لهذا التحشيد ، لابد وان نتعرف ان الشعب العراقي بكل اطيافه وشرائحه الاجتماعية لا يعيش في عالم منعزل فيه الكثير من المصالح المتقاطعة ، وتحتاج هذه النخب في مساعيها لمواجهة هذا الاستبداد لمفاسد المحاصصة فهما متجددا لهذه المتضادات الإقليمية والدولية لكي تكون جاهزة لطرح مشروعها النهضوي للتغيير الإصلاحي الشامل لاسيما وان العراق كدولة حديثة تكونت نتيجة اتفاقات سايكس بيكو وسفير قيادة فرنسية –بريطانية مقابل ما نشهده اليوم من تضارب المصالح الامريكية الصينية، والتنافس المتضاد بين الاتحاد الأوربي والاتحاد الروسي، ناهيك عن وجود تنافس إقليمي إيراني تركي هندي فضلا عن ذلك التنافس الابعد بين النمور الاسيوية وما يجري من استعدادات لاستثمار النفط والغاز في شرق المتوسط ،مما يجعل إسرائيل التي تقود الصناعة الرقمية المتقدمة كرأس حربة جديدة في أي اتفاق(( يالطا دولي جديد)) يوزع النفوذ الدولي على الموارد وطرق المواصلات في الشرق الأوسط الكبير ربما ما بعد 2025 حينما تنتهي اتفاقية لوزان وما عكسته من اتفاقيات سايكس بيكو لرسم خارطة شرق أوسط جديدة ، مما يجعل العراق في عين العاصفة لمرحلة ما بعد انتهاء فترة قرن على هذه الاتفاقات التي كونت العراق، ومن ابرز معالم ذلك تكوين دولة كردية في شمال العراق باعتراف دولي وتداعيات ذلك على تقسيم العراق او استقلال إقليمي في دولة كونفدرالية، مثل هذه الاستحقاقات الدولية لإعادة تكوين الدول كما يبدو لا يقع ضمن اهتمامات امراء العوائل في نظام مفاسد المحاصصة وربما أيضا لا يقع ضمن اهتمام الكثير من النخب والكفاءات المثقفة التي لا ترى هذا الجانب المخفي من لعبة الأمم في مستقبل العراق المنظور .
عدم مبالاة
وما بين عدم الاهتمام عند امراء طوائف مفاسد المحاصصة وعدم مبالاة النخب والكفاءات ، بات من الواجب على كل من يكثر الحديث في مواقع التواصل الاجتماعي ليس التوقف عند نقاط تشخيص الخلل في البناء البنيوي للدولة العراقية انما البحث كليا عن نموذج تطبيقي متقدم يمكن ايصاله الى المواطن البسيط لفهم حقيقة مهمة جدا ان مستقبله الوجودي يواجه مخاطر جمة ، وربما يكون امام هذه المتغيرات بلا مشروع وطني ، لان واقع الحال ان الكرد سيكتفون بالعمل على اعلان دولتهم ، ويمكن لمناطق غرب دجلة والرمادي تشكيل اقليمهم والاتفاق على المطالبة بدولة كونفدرالية تضم ثلاثة دول قومية – كردية ، ودولتين وفق المذهب ، شيعية وسنية ، وهناك من يرغب دولة “ولاية الفقيه ” في اتفاق استراتيجي مع نموذج الحكم الإيراني ، وهناك مواقع على الفيسبوك تجاهر بمثل هذه الدعوات بلا كلل او ملل، هنا يعاد طرح السؤال عن ” الكتلة التاريخية العراقية ” ربما بذات المنهج الغرامشي وبنكهة مواجهة الاستبداد عند الكواكبي، ولكنها تبقى بحاجة الى اليات تطبيق عراقية قحة وتحشيد ومناصرة كبرى للتغيير المنشود ، ويبقى من القول … لله في خلقه شؤون !!

أحدث المقالات

أحدث المقالات