تعد الكتلة الاكبر في عدد مقاعدها في مجلس النواب العراقي من اهم مرتكزات العملية السياسية لانها المسؤولة دستوريا بشكل مباشر عن تشكيل الحكومة وذلك بتكليف رئيس الجمهورية مرشحها لرئاسة مجلس الوزراء الذي يعتبر المسؤول التنفيذي الاول في العراق اضافة الى رئاستها لعدد من اهم اللجان التي تشكل داخل مجلس النواب من بين اعضائه لتنفيذ المهام الدستورية الموكلة اليه لذلك فان الكتلة التي تحصل على هذه الصفة تكون هي الكتلة الاهم خلال الدورة البرلمانية وهذا ما يدفع الكتل المختلفة للتصارع في ما بينها لتشكيل هذه الكتلة بالتوافقات والاتفاقات والمساومات والضغوطات المتبادلة .
ولكن العرف الدستوري العراقي سار على نهج ان تكون الكتلة الممثلة للمكون الشيعي هي المعنية بهذا الموضوع وعلى الاطراف السياسية والمرجعية والقوائم الشيعية اذا ارادت ان تحافظ على هذه الميزة ان تاتلف قبل انتهاء الجلسة الاولى لمجلس النواب لغرض تشكيل هذه الكتلة من اجل الحصول على منصب رئيس مجلس الوزراء بعد ان تم من خلال العرف والاتفاقات السياسية ان يكون منصب رئاسة الجمهورية من حصة المكون الكردي ومنصب رئاسة مجلس النواب من حصة المكون السني .
ويلاحظ ان الكتل البرلمانية الممثلة للمكونات تجد صعوبة في الاتفاق على مرشحيها لهذه المناصب وخاصة في هذه الدورة وبالذات في ما يخص المكون الشيعي حيث يتنافس بقوة كل من (الاتلاف الوطني المكون بشكل رئيسي من كتل المواطن والاحرار والاصلاح والمؤتمر الوطني ) و (اتلاف دولة القانون الذي يضم حزب رئيس الوزراء ومنظمة بدر ومستقلون ) لاثبات كونه الكتلة الاكبر من اجل الحصول على الامتيازات المذكورة .
الكتلة الاكبر في الدستور:
نصت المادة ( 76 – اولا) من الدستور النافذ على : (يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية . )
وهذا النص غير واضح المعنى بشكل قطعي كما هو الحال في الكثير من مواد الدستور مما اثار مشكلة سياسية برلمانية بعد انتخابات مجلس النواب التي جرت في 7/3/2010 حيث كان الفهم السائد لدى الغالبية من البرلمانيين والسياسيين وعموم الشعب ان الكتلة الاكبر هي القائمة التي تحصل على اكبر عدد من مقاعد مجلس النواب من خلال الانتخابات بعد تصديق نتائجها من قبل المحكمة الاتحادية العليا وقبل انعقاد الجلسة الاولى لمجلس النواب وكانت القائمة (العراقية) بزعامة اياد علاوي هي الكتلة الاكبر في حينها حيث حصلت على (91) مقعدا تلتها قائمة (دولة القانون) بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي التي حصلت على (89) مقعدا . وعلى هذا فان الكثير من السياسيين والبرلمانيين وعامة الشعب كانت تامل او تعتقد بان اياد علاوي رئيس القائمة العراقية هو من سيكلف بتشكيل الحكومة الا ان اسبابا داخلية وخارجية سياسية ومذهبية دفعت قائمتي دولة القانون (89 مقعدا) والائتلاف الوطني (70 مقعدا) الممثلتين للمكون الشيعي للاتفاق على تشكيل (كتلة التحالف الوطني) قبل انعقاد الجلسة الاولى لمجلس النواب العراقي التي عقدت في (14/6/2010) من اجل الحصول على صفة (الكتلة لاكبر) حيث تم الاعلان عن تشكيل التحالف الوطني في 10/6/2010 الذي وصل عدد مقاعده الى (159 مقعدا) من مجموع مقاعد مجلس النواب ( 325 مقعدا) وهو ما نسبته اقل بقليل من 51% من عدد مقاعد مجلس النواب التي تكفي لحصول هذا الاتلاف على موافقة المجلس على تشكيل الحكومة (يحتاج الى 4 مقاعد فقط استطاع التحالف الوطني الحصول عليها بالاتفاق مع كتل اخرى) باعتبارها الاغلبية المطلقة حسبما جاء في المادة ( 76 : رابعا) التي نصت : (يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف اسماء اعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزا ثقتها عند الموافقة على الوزراء منفردين والمنهاج الوزاري، بالاغلبية المطلقة .) ولكن خلافات حادة بين القوائم المختلفة على تسمية الكتلة الاكبر وتنافسها على المناصب وصعوبة التوافق على الشخصيات التي ترشح لمناصب الرئاسات وغيرها اخر تسمية رئيس مجلس النواب ونائبيه ثم رئيس الجمهورية المعني بتكليف مرشح الكتلة الاكبر لتشكيل مجلس الوزراء وكان الصراع على اشده بين القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي الحاصلة على (91) مقعدا وهي الكتلة المنفردة الاكبر في المجلس والتحالف الوطني الذي تشكل مابعد الانتخابات ومجموع مقاعده (159) حيث يعتبر اياد علاوي كتلته هي الاكبر وهي المعنية بتكشيل الحكومة وانه شخصيا صاحب الحق في رئاسة مجلس الوزراء بينما يعتبر التحالف الوطني نفسه الكتلة الاكبر وانه صاحب الحق مستندا في ذلك على تفسير المحكمة الاتحادية لمعنى الكتلة الاكبر في الدستور حيث كانت (دولة القانون) قد استبقت الامور وطلبت من المحكمة الاتحادية ذلك التفسير قبل انعقاد الجلسة الاولى لمجلس النواب وكما نوضحه في العنوان التالي .
تفسير المحكمة الاتحادية للكتلة الاكبر :
من اجل بيان المعنى الدستوري للكتلة الاكبر لغرض الحصول من خلاله على منصب رئيس مجلس الوزراء ولفك الاشتباك السياسي والبرلماني المتوقع وتوضيح اللبس الموجود في المادة (76) من الدستور بخصوص الكتلة الاكبر ولمعرفة مدى جواز تشكيل هذه الكتلة داخل قبة البرلمان وبعد الانتخابات بائتلاف اكثر من كتلة ارسل مكتب رئيس الوزراء كتابه المرقم (م.ر.ن/1979) والمؤرخ في 21/3/2010 الى المحكمة الاتحادية طالبا منها تفسير تعبير (الكتلة النيابية الاكثر عددا) الوارد في المادة المذكورة وقد كان نص جواب المحكمة بقرارها المرقم (25/اتحادية/ 2010) الصادر في 25/3/2010 هو: (أن تعبير الكتلة النيابية الأكثر عدداً يعني : أما الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة دخلت الانتخابات باسم ورقم معينين وحازت على العدد الأكثر من المقاعد أو الكتلة التي تجمعت من قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات بأسماء وأرقام مختلفة ثم تكتلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب، أيهما أكثر عدداً فيتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح الكتلة النيابية التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عدداً من الكتلة أو الكتل الأخرى بتشكيل مجلس الوزراء استناداً إلى أحكام المادة 76 من الدستور.)
ولتفسير هذا التفسير ادرج في ادناه مايمكن اعتباره توضيحا مبسطا يسهل تلقيه حتى من غير المختصين وكما يلي :
اولا : بين هذا التفسير ان تشكيل الكتل داخل مجلس النواب يكون بطريقتين :
1- ان تدخل قائمة منفردة خاضت الانتخابات برقم واسم معينين الجلسة الاولى لمجلس النواب من دون الائتلاف مع اي قائمة اخرى فتشكل بمفردها كتلة نيابية ومثاله القائمة العراقية التي خاضت انتخابات عام 2010 بنفس الاسم وبرقم خاص بها وحافضت على نفس كيانها الانتخابي داخل مجلس النواب ولم تاتلف مع اي قائمة اخرى فشكلت بمفردها وبعدد مقاعدها الخاصة بها كتلة (العراقية) .
2- ان تدخل الجلسة الاولى لمجلس النواب قائمتين فاكثر حصلت كل منهما على مقعد او اكثر في المجلس من خلال خوضهما الانتخابات كل منهما باسم ورقم معينين وتعلنان ائتلافهما باسم معين يجمعهما سوية ويكون مجموع مقاعد هذا الائتلاف هو مجموع المقاعد التي حصل عليها كل من القوائم التي شكلته ومثاله لنفس الانتخابات اعلان قائمة (دولة القانون) الحاصلة على (89) مقعدا وقائمة (الائتلاف الوطني) الحاصلة على (70) مقعدا ائنلافهما تحت عنوان (التحالف الوطني) ويكون مجموع مقاعد الائتلاف الجديد هو (159) مقعدا . وقد ارسل التحالف الجديد رسالة الى رئيس البرلمان والى المحكمة الاتحادية لتوثيق تحالفه الجديد باسم التحالف الوطني .
ثانيا : تعد الكتلة التي يكون عدد مقاعدها هو الاكثر من بين الكتل التي تشكلت على وفق ما بيناه في الفقرتين (1 و 2 من اولا) اعلاه هي الكتلة النيابية الاكثر عددا والتي يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشحها لتشكيل الحكومة .
ثالثا : اشترط التفسير ان يكون تنافس الكتل البرلمانية للحصول على صفة (الكتلة النيابية الاكثر عددا) بالاعلان عن ائتلافها في الجلسة الاولى لمجلس النواب ولاينفع هذا الائتلاف والاعلان قبل الجلسة من دون الاعلان فيها وكذلك لاينفع الائتلاف والاعلان بعدها . ومن حق الكتل البرلمانية الدخول في ائتلاف او العمل المنفرد داخل مجلس النواب .
وقد اكتسب هذا التفسير صفة الشرعية والتشريعية الملزمة استنادا الى المواد التالية من الدستور النافذ :
المادة (93):
تختص المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي :
اولا: الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة .
ثانيا: تفسير نصوص الدستور .
المادة (94):
قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة .)
ومن خلال هذا التفسير وحسب الوقائع التي تمخضت عنها انتخابات عام 2010 فان (التحالف الوطني) هو الكتلة النيابية الاكثر عددا والتي تستحق ان يكلف رئيس الجمهورية مرشحها لتشكيل الحكمومة وهو ماحصل فعلا فقد كلف رئيس الجمهورية السيد جلال الطالباني مرشح التحالف الوطني السيد نوري المالكي لتشكيل الحكومة عام 2010 .
وليس للسيد اياد علاوي الحق بتشكيلها ولكن هذا الفهم والتوضيح كان قد غاب عن الكثير من السياسيين والكتاب والبرلمانيين اما مقصودا بسبب الميل او الانتماء الى كتلة معينة او جهلا بالتفاصيل التي اوردناها في اعلاه واستمر البعض منهم لحد الان يذكر تلك المرحلة ويشير الى ان تشكيل الحكومة جاء بالتفاف على الدستور وعلى حق القائمة العراقية وطبعا هذا الكلام غير دستوري كما بيناه .
الكتلة الاكبر تطبيقا على البرلمان الحالي :
بعد ان بينا ما يتعلق بتعبير الكتلة النيابية الاكثر عددا في مجلس النواب العراقي من خلال الدستور والمحكمة الاتحادية نسلط الضوء على الكتلة الاكبر الحالية في البرلمان المتشكل بعد الانتخابات التي جرت في 30/4/2014 حيث تم انتخاب السيد فؤاد معصوم من المكون الكردي رئيسا للجمهورية في يوم الخميس 25/7/2014 وقد الزمه الدستور بتكليف مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل الحكومة ورئاسة مجلس الوزراء خلال مدة (15 ) يوم كما ورد في المادة ( 76 – اولا) من الدستور النافذ (يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية . ) وتنتهي هذه المدة يوم الجمهة المصادف 8/8/2014 ولم يتم لحد الان الاتفاق النهائي على تسمية الكتلة الاكبر على الرغم من ان كتلة (دولة القانون) بزعامة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي ينطبق عليها هذا الوصف لحصولها على (92) مقعدا وهو اعلى عدد مقاعد حصلت قائمة او ائتلاف وحيث انه لم يعلن عن تشكيل اي ائتلاف جديد لغاية انتهاء الجلسة الاولى فان ائتلاف دولة القانون يكون هو الاحق دستوريا بتشكيل الحكومة بعد ان يكلف بذلك من قبل رئيس الجمهورية . بينما يصر التحالف الوطني (المكون من ائتلاف دولة القانون 92 مقعدا والتيار الصدري 34 مقعدا والمواطن 29 والاصلاح الوطني 6 والفضيلة 6 وكتل اخرى صغيرة قد يصل عدد مقاعدها الى 10 مقاعد) الذي اعلن عن تشكيله عبر مؤتمر صحفي قبل تاريخ عقد الجلسة الاولى وخارج السياقات الرسمية المعتمدة والمطلوبة لتسجيله كائتلاف داخل مجلس النواب ، على انه المعني بتشكيل الحكومة لكونه الاكثر مقبولية من جهة ولكونه الاكثر عددا باعتيار ان ائتلاف دولة القانون منضوي تحت نفس التحالف من جهة اخرى الا ان ائتلاف دولة القانون يصر على انه منفردا احق بتشكيل الحكومة لكونه الكتلة الاكثر عددا عل الرغم من انه احد اركان التحالف الوطني اضافة الى ان التحالف الوطني لايعد ائتلافا برلمانيا لانه لم يسجل بشكل رسمي قبل نهاية الجلسة الاولى لمجلس النواب وبالتالي فان ادعاءاته مستندة على حق ائتلاف دولة القانون باعتياره الكتلة الاكبر والا فانها ادعاءات غير دستورية ولايصح الاحتجاج بها .
ومازل الامر سجالا بين الاطراف المتعددة ويقى الامر خاضعا للدستور الذي يتوجه بالحق الى ائتلاف دولة القانون وحق زعيمه نوري المالكي برئاسة الوزراء كونه المرشح الوحيد للاتلاف كما يبقى الامر خاضعا للتوافقات السياسية التي يبدو انها تلمح الى التحالف الوطني ورفض الولاية الثالثة للسيد المالكي .
ولايعرف حقيقة الامر هل ان المالكي رفض التوقيع على وثيقة انضمام ائتلافه الى التحالف الوطني مما اعاق الاعلان الرسمي عنه خلال الجلسة الاولى لمجلس النواب ام انها اخطاء سياسية فاحشة ارتكبها قادة التحالف الوطني من الكتل الاخرى غير دولة القانون بكل زعمائمهم واسمائهم المعروفة والرنانة والمتكررة في كل دورة برلمانية وفي كل الاحوال فان خطا جسيما ارتكبته الاسماء (الكبيرة) في التحالف الوطني بعدم اتباع اليات واقعية وحاسمة واحتياطية لتشيل واعلان التحالف الوطني قبل انتهاء الجلسة الاولى لمجلس النواب .
ويستمر السجال الى ان يحصل السيد المالكي على تكليف رئيس الجمهورية له بتشكيل الحكومة وتبقى جهوده في كسب ود الاخرين وموافقتهم له على رئاستها من اجل الحصول على الاغلبية المطلقة المطلوبة دستوريا لنيل ثقة البرلمان حيث ان مجموع مقاعده (92 مقعدا) ومقاعد مؤيديه الواضحين وهم كتلة حزب الفضيلة (6 مقاعد) وكتلة النخب والجماهير ( 2 مقعد) ومقعد واحد لكل من كتلة الصادقون وكتلة التضامن وكتلة التحالف الوطني صلاح الدين يتجاوز ال (100 مقعدا ) بقليل ويحتاج الى (65) مقعدا ليتجاوز الاغلبية المطلقة المطلوبة لتشكيل الحكومة او انه يفشل ويضطر دستوريا الى الابتعاد عن التكليف بتشكيل الحكومة فاسحا المجال لغيره من اعضاء ائتلافه (دولة القانون) او بالذات من اعضاء حزبه (الدعوة الاسلامية) بتشكيل الحكومة كما ورد في المادة (76 ) من الدستور التي تنص على :
المادة (76):
اولا: يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية .
ثانيا: يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية اعضاء وزارته خلال مدة أقصاها ثلاثون يوما من تاريخ التكليف .
ثالثا : يكلف رئيس الجمهورية مرشحا جديدا لرئاسة مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما عند اخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة خلال المدة المنصوص عليها في البند “ثانيا” من هذه المادة .
رابعا : يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف اسماء اعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب،
ويعد حائزا ثقتها عند الموافقة على الوزراء منفردين والمنهاج الوزاري، بالاغلبية المطلقة .
خامسا: يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة خلال خمسة عشر يوما في حالة عدم نيل الوزارة الثقة . )
ويبقى هو المحرك الرئيسي لها من خلف المناصب الاخرى
والايام حبلى