يلاحظ من خلال التغريدات، والهشتاقات،والدردشات على مواقع التواصل الاجتماعي،ان تعليقات البعض على خواطر،ونصوص البعض الاخر،يلفها التشنج،ويعتريها ترصد المثالب،مما يعني تثبيط الهمم،حتى وان جاءت تلك الاشارات بحسن النية،حيث لازال البعض يؤمن بالتخصص في الكتابة، وبالتالي فهو يرى ان هذا المجال ينبغي ان يترك للنخب الاختصاصية وحدها،باعتبار ان تلك النخب وحدها هي المؤهلة لان تكون مشاريع الكتابة.
ومع ان التخصص في الكتابة مطلوب وخاصة في المجالات النوعية، والعلمية،وذلك بقصد الالمام بالمعرفة على نحو محدد، والاقتراب من جزئياتها على نحو شفاف ومقتدر بموجب المعايير المعرفية الاكاديمية، وبما يعمق افاقها،ويضيف لها من التراكم ما يزيد من مساحة معطياتها النظرية والتطبيقية،ويقدمها للمتلقي بشكل سليم،الا ان الكتابة تظل حالة مزاجية،وظاهرة ابداعية قابلة للأستيلاد كلما احتاج الانسان للتأمل، واستطاع بخياله المتطلع ان يحلق بإحساسه المرهف بين أرض واقعه المثقل بالآلام، وبين سماء احلامه المفتوحة الافاق بالبواحات، بل وأحيانا يتصدى للكتابة من قعر المعاناة التي يعيشها في اللحظة، اذا ما ضاقت عليه سبل تلك الافاق لأي سبب كان.
ومن هنا يلاحظ ان الكتابة بما هي موهبة انسانية، تظل في جانب اساسي منها حالة مزاجية،وليست بالضرورة حالة اختصاصية محضة يمكن ان تختزل بجانب من المعرفة اكاديمي ، او تقني وحسب ، مع ان صقلها بالاختصاص، ودعمها بالممارسة المهنية، يرتقي بأداء الكاتب بالطبع،الى افاق متقدمة من الرصانة المتكاملة الساحرة،التي تقترب بها من اللوحة الفنية، او القصيدة الشعرية.
وعلى ذلك فالكتابة طالما هي نتاج تراكم معرفي،وومضة موهبة ابداعية في ذات الوقت،فلا باس اذن من ان يلجها من الكتاب ممن يستجيب بذاته لتلك المعالم،او يتساوق معها بالدربة.ولعل الكاتب بموهبته الواعدة، ومزاجه المتوقد،واختصاصه الرصين،ينتبه مع تقدم خبرته، الى التوجه صوب التفرد للكتابة بأسلوب خاص به،وذلك بغض النظر عن مجالات التناول،وطبيعة ألاهتمامات، وبما يمكنه من ترسيخ ملامح هويته الكتابية، ويعطيه لونه الابداعي الخاص به بين الكتاب الاخرين.
ان نفس التهميش،وأسلوب الإقصاء في التعامل مع نصوص، وخواطر المبتدئين من مشاريع الكتاب الشباب، والطاقات الواعدة، الذي دأب البعض على ممارسته في فحص نتاجاتهم ، والتشدد بتقرير جودتها بذريعة قصر الكتابة على التخصص،وعدم فسح المجال لكل من هب ودب في ممارسة الكتابة لئلا يتم مسخ الذوق العام، وينحط الابداع، سوف لن يؤدي إلا الى احباط تطلعات المواهب الناشئة،وإيقاف عجلة الطموح، وتجفيف ينابيع الرفد.
لذلك ينبغي ان يتم فسح المجال للمواهب الواعدة في الكتابة، والابتعاد عن نهج التثبيط،والعمل على تشجيع الطاقات المتوقدة على ولوجها، والحرص التام على عدم وضع المعرقلات،والقيود في طريق المزاج المتأمل.