23 ديسمبر، 2024 2:15 م

الكتابة عن اليهود … ماالمقصود ؟

الكتابة عن اليهود … ماالمقصود ؟

لتجدن أشد الناس عداوة للذين أمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين أمنوا الذين قالوا أنا نصارى ذلك أن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم يستكبرون ” – 82- المائدة –
لاترغب في زاهد فيك | حديث شريف
ألآنسان أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق | أمام علي
يحلو للبعض أن يكتب هذه أيام عن اليهود , وقد تزامنت هذه الكتابات مع أنعقاد مهرجان بغداد عاصمة الثقافة العربية , حتى بلغت الحماسة ببعضهم أن يستنكر عدم دعوة يهود العراق لحضور المهرجان ؟ وراح البعض ألاخر يجمع شتات المصادر ليقدم سردا تاريخيا عن اليهود في العراق هو أقرب لآحاديث النسابة وهو علم لاينفع ولايضر كما نقل عن ألآئمة ألآطهار عليهم السلام , وفي السنة الماضية دعوت الى ألقاء محاضرة في أمسية رمضانية تعدها غرفة تجارة الحلة , ولقد فوجئت بقيام رجل يمسك ورقة ويقرأ معلومات مدرسية عن أملاك اليهود في الحلة ؟ وهو تبرع مجاني وساذج لآثبات مستحقات بغير حق يبحث عنها الصهاينة الذين تقدمت دويلتهم المحتلة لآرض فلسطين بأعداد لائحة ديون على الدول العربية مقدارها ” 45″ مليار دولار منها ” 15″ مليار دولار على العراق , وهؤلاء الذين يكتبون اليوم عن يهود العراق مهما كانت نواياهم , فأنهم يمنحون دعاوى أسرائيل حجة أضافية من حيث لايشعرون , وتبقى كتاباتهم غير مبررة من حيث هدف الكتابة وحاجة المجتمع لها .
ولي هنا أشارة يعرفها المتخصصون بفن الكتابة وأغراضها ” أن من يحاول جاهدا تشويه صورة عالم من علماء الدين وقائد ثورة شعبية شاعت في ألآفاق أخبارها وألغت سفارة أسرائيل في بلادها ومنحتها لمنظمة التحرير الفلسطينية ” الدولة المراقب المعترف بها أخيرا في ألامم المتحدة ” لايبدو غريبا عليه الحنان الذي لايعرف له وجه على يهود العراق وهو مشمول بحديث النبي “ص” لاترغب في زاهد فيك , وسأبين كيف زهد يهود العراق بالعراق ؟
وأما الذي يكتب عن ” طهر النظرية الماركسية ” فهو ألاخر لايلام , فالشيوعية في العراق كان اليهود من السباقين لها .
وليس غريبا أن تبدأ الكتابة عن يهود العراق في بداية عهد ألاحتلال البريطاني , حيث يقوم الملك فيصل ألاول المشرد من مكة بفعل المكر البريطاني وسذاجة العوائل ألاقرب الى الحس ألاقطاعي الذي منحهم شرافة بدون عمل ونسبا لم يعطوه حقه , ثم يقوم يوسف رزق الله غنيمة وهو مسيحي كاثوليكي عراقي بتأليف كتاب عن يهود العراق عام 1924 أسمه ” نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق ” وقد أورد فيه تناقضات مثل أعتباره عن طريق سفر التكوين أن الطوفان لم يشمل كل ألارض وأنما فقط العراق , مبررا ذلك بعدم قدرة الماء على أن يغمر كل جبال ألآرض , ومتسائلا : كيف تسنى للآرض أن يختفي منها ذلك الماء؟ وهي أسئلة تنم عن عدم أيمان بقدرة الله قال تعالى ” فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ” – 119- الشعراء- ” ثم أغرقنا الباقين ” -120- الشعراء – ” وجعلنا ذريته هم الباقين ” – 77- الصافات – ” ثم أغرقنا ألاخرين ” – 82- الصافات – ” قال سأوي الى جبل يعصمني من الماء قال لاعاصم اليوم من أمر الله ألامن رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ” 43- هود – ” وقيل ياأرض أبلعي ماءك وياسماء أقلعي وغيض الماء وقضي ألامر وأستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين ” – 44- هود –
ومن كتب عن يهود العراق في بداية ألاحتل البريطاني , رأينا تكرارا يمكن أن يكون صدفة , أن يكتب اليوم عن يهود العراق في بداية ألاحتلال  ألامريكي , وليس صدفة أن تسرق أثار العراق كما أنه ليس صدفة أن تضم تنسيقيات ألاحتلال  عددا من اليهود الذين راحوا يفتشون عن المزارات والمراقد التي تعود لليهود مثل مرقد النبي ” ذوالكفل ” عليه السلام ..
وللذين لم يواكبوا تاريخ رحيل اليهود بناء على رغبتهم وبتحريض من المنظمات الصهيونية نقول لهم : أن يهود العراق أبان أحتل فلسطين كان عددهم في العراق ” 150 ” ألف من أصل ” 5″ ملايين عراقي عام 1947 .
ولقد شاهدت في طفولتي كيف كان اليهود يغادرون العراق حيث كان لنا شركاء في الغنم من اليهود , وذات يوم دخلت الى بيت جارنا ” حسقيل ” اليهودي فوجدت نساءهم يعملون كباب على الطريقة العراقية على شكل أقراص ويضعون داخل عجينة أقراص الكباب ليرات ذهب ؟ فدهشت ولم أعرف لذلك تفسيرا فذهبت لوالدي رحمه الله وأخبرته , فأجابني بطيبة العراقيين وتسامحهم وقال لي : ياولدي هؤلاء  يريدون أن يذهبوا الى مقر دينهم وهذا مالهم من حقهم أن يأخذوه معهم ؟ … وأذكر أن والدي كان يمزح مع جارنا حسقيل ويقول له : لماذا تتركون بلدكم العراق وتتركون ما أنتم فيه من خير العراق ؟ فكان جارنا حسقيل يقول لوالدي : أريد أن أذهب الى قبري ؟
وفي الستينات كان معنا طالب في كلية الطب أسمه يوسف لم نعرف أنه يهودي حتى عندما تخرج فورا سافر الى لندن وأستقر هناك وعمل طبيبا ثم سمعنا أنه ذهب الى أسرائيل بعد حصوله على التخصص في بريطانيا مما يعني أنه كانت لديهم فرصا وكانت الدول الكبرى تحتضنهم وتوفر لهم مايحتاجونه بخف بقية الطلبة العراقيين ؟
من هذا نقول أن يهود العراق لم يسفروا بالقهر من العراق كما حدث للعراقيين من أصول أيرانية , ولم تؤخذ أموالهم وممتلكاتهم وأنما سافروا بمحض أرادتهم وأن كان بتحريض من المنظمات الصهيونية ودويلة أحتلال لفلسطين , وعليه فلا داعي لآعتبارهم مظلومين كما يصورهم البعض , ومن يتحدث عنهم بالطريقة التي قرأناها فأنما يجعل من نفسه مصداقا للحديث النبوي الشريف ” لاترغب في زاهد فيك ” ولا تزهد في راغب فيك ” وفي كلا الحالتين فيهود العراق هم من زهدوا في العراق وعليهم تحملوا مسؤولية ذلك لاسيما من يحتفظ بشيئ من الحنين للعراق كما يقول البعض وهذا الحنين يحسب لآهل العراق لآنهم تعاملوا مع من يعيش معهم بطيبة وأنفتاح قل نظيره لدى الشعوب ألاخرى بأستثناء محسنات النظام المدني ألغربي الذي يعطي للمقيم حقوقا مدنية تفتقدها أنظمتنا ولا يفتقدها مجتمعنا .
رئيس مركز الدراسات وألابحاث الوطنية
[email protected]