أقلامنا تكتب على وجه الماء وبمداد الماء!
فعلى مدى أكثر من عقدٍ كامل والأقلام تكتب وتكتب , وبعضها تناولت الكثير من الأفكار ذات القيمة الحضارية , وتصدت لمشكلات وحللتها واقترحت العلاجات الناجعة , ولا مَن يقرأ , ولا حياة لمن تناديه عقول أصحاب الأقلام الحرة التي سطرت ما هو نافع ومفيد للمجتمع.
والعلة في نأي أصحاب القرارعن الكتابات العاقلة , لأن الذي طغى وساد هو الكتابات الإنفعالية العاطفية الخالية من الموضوعية والتقدير المتأني والتقييم الصحيح , والتحليل العلمي والرصين , ويتحمل مسؤولية شيوعها رؤساء تحرير الصحف والمواقع , التي إنتشر فيها الغث والسمين من الكتابات التي تتسبب في تفاعلات سلبية.
فليس من السهل أن تقرأ ما هو نافع ومفيد , وصادق بطرحة وتناوله الموضوع الذي يتصدى له , وهذا السلوك أعطى الأعذار الكافية لأصحاب القرار لتجاهل ما يُكتب , وإهماله تماما , لأنه عبارة عن “تنفيس” , أو”ترويح” لا أكثر ولا أقل , حيث يصب الكاتب جام إنفعالاته في كلمات تظهر في العديد من المواقع بلا تردد أو ممانعة , فيحسب أنه صار كاتبا , فينسى أن الكلمة مسؤولية , وأنها تتطلب جدا وإجتهادا وبحثا وتقصيا , لكي تكون ذات قيمة إنسانية وإضافة معرفية.
وفي هذا الخضم المتلاطم الأمواج , إختلط حابلها بنابلها , وما عاد التمييز سهلا بين الصالح والطالح من الكلام.
وهذا غير موجود إلا في مجتمعاتنا , التي حسبت الديمقراطية أن تطلق ما عندك وفيك من الإنفعالات والعواطف والمواقف السلبية الغاضبة ضد الآخر وحسب.
فما عاد هناك ضوابط أخلاقية أو معايير وطنية , ولا حتى إعتبار لأي رأي أو وجهة نظر , وإنما صار الكلام مباحا جدا جدا.
إن تجربة عقد من الزمان أو يزيد تستدعي المراجعة والتقييم الصحيح لما يُكتَب , فقد إكتسب محرروا الصحف والمواقع خبرات ديمقراطية تكفي لتأهيلهم لإعادة النظر فيما يُنشر في صحفهم ومواقعهم.
وإلا فأن الكلمة ستفقد قيمتها , والأقلام الرشيدة ستدوسها سنابك الغثيث , والحياة ستضيع معانيها المعاصرة , وتتحول الأشياء إلى خليط عكر لا يسمح برؤية المسار الصحيح.
فهل سنعيد النظر فيما نكتبه , ونحترم مسؤولية الكلمة واللغة وأهمية الفكرة ودورها في الحياة , ونتعلم أن لا نكتب بمداد العواطف السلبية؟!!