20 ديسمبر، 2024 1:42 ص

الكتابة الادبية والكتابة الصحفية

الكتابة الادبية والكتابة الصحفية

كلنا نعرف ان الصحافة اليومية ليست المكان المناسب للادب ، الادب المتخصص ، فن الصفوة المتخصصة ، وليس بضاعة للعامة ،والصحافة جمهورها يشمل كل الطبقات بصرف النظر عن درجة ثقافتهم ، ولهذا فللصحافة لغة خاصة تستطيع ايصال المعنى الى ذهن القارئ العادي ، متوسط الثقافة دون صعوبة .
هذه حقيقة غائبة في صحافتنا ، حيث لعبة هذه الصحافة دور الوسيلة الرئيسية للنتاج الادبي شعرا وقصة ورواية ومقالة ، وصحافيو اليوم هم ادباؤها بالامس . ولهذا تستمر لغة الادب وتستمر الصحافة وسيلة نشر للادب ، ليس للخبر الادبي فقط ولكن للفنون الادبية بشكل عام .
ان العلاقة بين الكتابة الادبية والكتابة الصحفية علاقة هامة تناولها الكثير من الكتّاب سواء من الادباء او الصحفيين وذلك بسبب اهميتها وكونها علاقة خاصة تتميز بالكثير من الايجابيات والسلبيات وذلك بسبب تشابه الادب والصحافة من جهة باعتبارها من فنون الكتابة وكذلك علاقة التداخل بين الاثنين، فالادب يثري الصحافة ويمدها بطائفة من الاقلام الممارسة ذات الخبرة والمقدرة مما يرتفع بمستوى الكتابة ويثريها ويغنيها على التناول المتعمق والاستقصاء والتحليل بعيداً عن التناول الانطباعي والمتسرع في حين ان الصحافة تستطيع ان تتيح للادب والاديب وسيلة اتصال فعالة لتتواصل مع الجمهور وبالتالي تساعده على الانتشار والامتداد والتوصيل لصوته للناس.
ليس من شك في ان الصحافة لعبت الدور الاول في تطوير حياتنا الثقافية والتأثير فيها وليس من شك كذلك في انها تدخلت بشكل او بآخر في تحديد مفهوماتنا الثقافية ورسم مستقبل اي تطور في فن الكلمة المكتوبة.وليس في هذا ما يدعو الى العجب فأن مستهلك الكلمة المطبوعة يجد في امكانيات الجريدة اليومية ما يشبع كل حاجاته ويلبي له كل ما يريد من فائدة تحققها الكلمة، فالجريدة تلبي حاجاته الفكرية والغريزية والعاطفية جميعاً بما لأبوابها من شمول وبما فيها من اتساع وتبويب وهي تلبي له كل هذه الحاجيات بانتظام يومي وبأرخص مقابل.
وليس غريباً والحال هذا ان تغدو الجريدة هي المنفذ الاول الذي يصل منه كل تيار حضاري الى نفس القارئ فيشكلها ويتحكم في ميولها وتذوقها وهي ايضاً النافذة التي يطل منها على الحياة من حوله فيرى العالم من خلالها ويرى نفسه ومجتمعه من خلالها كذلك.
فما بين الكتابة الادبية والكتابة الصحفية اختلاف في الاسلوب، الكتابة الصحفية اخبارية في الدرجة الاولى مباشرة في الطرح وخيالية من المسحة الحسية الناتجة عن تعاطف الكاتب الصحفي مع القضية التي يكتب عنها او رفضه لها. لذا تخرج الفكرة ربما من عشرة اشخاص لهم هذا النهج تخرج متشابهة تنقل فكرة اخبارية مجردة.
اما الكتابة بأسلوب ادبي فمختلفة تماماً تحس بها خفق قلب الكاتب حماسه للفكرة او رفضه لها تتلمس ايحاءاته الموجهة نحو المنعطفات الخطية للقضيىة التي يطرح دون اللجوء لأسلوب المباشرة في الطرح.
وللكاتب الاديب اسلوبه في اضفاء مسحة مميزة نابعة من ذاته تطبع كتاباته بسمات مميزة ذات صلة لصيقة بشخصه وما تنطوي عليه شخصيته تجعل من السهل اكتشافه ومعرفته كأنسان.
والاديب يصوغ موضوعه من دفق المشاعر وفيض الخاطر، فهو لا يكتب عادة الا بدوافع من الحس، عميقة لتجربة عاشها او تجربة لآخرين تعايش معها وأسقط بالتالي شيئاً من ذاته عليها.
ولكن استمرار الصحافة وسيلة نشر للادب ستحد حتما من شمولية وفائدة رسالتها . فالاهتمام الخاص بالادب ليس من طبيعة العامة ولكنه يقتصر على نسبة ضئيلة من المجتمع ، والصحافة موجهة للعموم على اختلاف جنسهم وثقافتهم وتعليمهم وطبقاتهم الاجتماعية … هناك يجد القارئ العادي القدرة على فهم ماهو مكتوب واستيعابه بسهولة بصرف النظر عن قيمته . فهو لايتطلب خيالا وقدرة فكرية على الاستيعاب والفرز .. انه يخاطب الرغبة الانية بسهولة وسرعة ، وهذا مايسميه علماء الاتصال المردود العاجل . اما جزاء الادب او مردوده فهو اجل بالنسبة للقارئ العادي وان كان عاجلا بالنسبة للاديب نتيجة قيمة المتعة والفائدة من القراءة المباشرة ، اضف الى ذلك ان بعض الصحافة الاجنبية التي لاتزال تتعامل مع الادب اوجدت لغة جديدة وهي ماتسمى بلغة الصحافة ، وذلك لكي تصل الى كل القراء .
ولكي تكون الصحافة للكل فان التخصص ليس من طبيعتها وليس ايضا من خصائصها . وهذا مايجعل اعادة التقويم لواقع الصحافة كوسيلة للادب امر تتطلبه المرحلة ومستوى الوعي الاجتماعي .
والظاهرة التي نلمسها في حياتنا من تقلص الاهتمام بالادب عند المتلقين ظاهرة اجتماعية يمكن بحثها من عدة اوجه لعل اولها هو تحليل أثر الصحافة في النشاط الادبي من ناحية ورصد مدى اهتمام هذه الصحافة بالادب كلون من الوان نشاطها الفني والثقافي من ناحية اخرى.
الصحافة تعكس هذه الحقيقة بشكل ظاهر جلي، والصحافة ايضاً كائن من اهم العوامل التي أثرت في اهتماماتنا الفكرية ووصلت بالأدب عندنا الى هذا المكان.
فقد بدأت الصحافة عندنا كاهنة في محراب الادب تستمد منه وجودها وبقاءها، كتّاب الادب والنقد هم العمد الاساسية في بناء اي صحيفة، وقارئ الادب والنقد هو المستهلك الاول للصحيفة. وكانت الصحف تصطدع في احتكار أكبر عدد ممكن من اصحاب الاسماء اللامعة في دنيا الادب تفرد لهم اهم صفحاتها وتخضع هذه الصفحات لاحتياجاتهم التي توضع في الاعتبار.
ومن هذا الطريق استفاد الادب كثيراً، فمعروف ان الكثير من كتابنا الاعلام يدينون بشهرتهم الواسعة للصحافة قبل الكتاب.
لقد كانت الصحف مسرحاً لاقلام كبار الكتاب، وفي هذا الصدد نجد الكثير من الاقلام اللامعة في سماء الادب ممن واظبوا كثيراً على الكتابة في الصحافة بل وكان للصحافة دور فعال في انتشارهم وشهرتهم، ومع ذلك
فان للعلاقة بين الادب والصحافة سلبياتها كما يرى البعض في بعض الاحيان، تمثل في اعتماد الصحافة على الاسلوب الاخباري والتناول المتسرع وما يسودها في احيان كثيرة من مجالات وربما افساحها المجال للمتطفلين على الادب او الاشراف على صفحات الادب من قبل من هم ابعد ما يكونون عن الادب في بعض الاحيان، ولهذا ردد بعض الادباء الشكوى من الصحافة وسلبياتها وتجنيها على الاجب احياناً.
فما يحز في النفس بعد كل الجهود الذي يبذلها الاديب بكتابة نصه الابداعي، يأتي محرر الصفحة على بعض هذا النص الذي هو جزء من ذات الكاتب ليعبث به، ليشطب هذه او يمحو هذا تلك بحجة ان الموضوع طويل لا تتسع له المساحة المتاحة او ان اعلاناً محدداً له مساحة معينة قد تكون المساحة المتاحة للموضوع جزء منها في ذلك العدد، ناهيك عن الاخطاء المطبعية التي لا يخلو منها المقال، اضافة الى الاهمال التام للترقيم، او ينشر ما هو هزيل وبائس وتجاهل الادباء والادب الجاد، وهي انتقادات على جانب من الصواب احياناً، وهي مجانية للصواب احياناً اخرى.
وهكذا تتشوه الصورة الجمالية التي رسمها الكاتب لفكرته، فلا تخرج كما ارادها ان تخرج ولتضيع معها شخصيته المميزة له في أدبه، وتعتقل بناء عليه مع مرور الايام، الكثير من الافكار الجميلة الدقيقة الحساسة وليتحول الكاتب الاديب الى كاتب زاوية او صفحة نمطية تساير التيار وتمضي به مع الماضيين في ركب التقليد والاعتيادية التي لا تستحثك مع التقادم على مواصلة المتابعة لهذا الكاتب او ان تضطره ان أصر على اسلوبه للانعزال او الاعتزال، وليمزق اوراقه ويكسر قلمه ويقعد عن الجهاد بالكلمة والاجتهاد بالرأي.
لقد كانت صلة الادب عندنا في العراق صلة وثيقة بالصحافة وذلك من خلال اسهام الكثير من ادبائنا في النهضة الصحفية، فمنهم من اسس الصحف ومنهم من تولى ادارتها، ناهيك عن نشاطهم الفعال في الكتابة على صفحاتها، كما ان الصحافة من جانبها لم تألوا جهداً في دفع الحركة الادبية من خلال افساح المجال للمواهب عل صفحاتها.
الا ان الملاحظ هذه الايام ان العلاقة بين الاثنين يشوبها بغض الفتور، وهذا ليس في صالح الحركة الثقافية عموماً والادب والصحافة خصوصاً، لذا فان هذه العلاقة ينبغي لها ان تنمو نحو المزيد من التفاهم والتعاون مما يخدم الحركة الثقافية ويثيرها.
انها الكتابة بمداد الحس، انها اللا معقول والمعاني التي نستشف ونقرأ منها ما بين السطور اضعاف ما في السطور ذاتها والالتحام والتمازج ما بين الاديب والفكرة الدافعين لتبني الفكرة والثبات عليها والنضال للوصول الى الهدف الاساسي من طرحها.
هلا تمعنتم معي فيما اطرح من شجن وتبينتم من خلال هذه الغرفة من الذات، مقدار المعاناة وضيق المساحة عن استيعاب اشجان الادباء.
[email protected] 

أحدث المقالات

أحدث المقالات