18 ديسمبر، 2024 5:08 م

الكتابات الاقتصادية .. د. مظهر محمد صالح نموذجا

الكتابات الاقتصادية .. د. مظهر محمد صالح نموذجا

حين اقرأ تصريحا اقتصاديا وماليا للدكتور مظهر محمد صالح ، يتبادر الى ذهني مباشرة ، اللقاء الذي اجريته للمفكر الاقتصادي الكبير إبراهيم كبة في العام 1968 ، إثر قرار اعادته للوظيفة  كأستاذ جامعي ، بعد مدة من الابعاد والعزل الوظيفي .. كان اللقاء في دارته التي اظن انها كانت بالقرب من الجسر المعلق من جهة الكرادة إن لم تخني الذاكرة ..

كانت أسالتي  تتمحور حول فكره الاقتصادي الممتد سنوات طوال  ، وكيف استطاع ان يوصل افكاره الاقتصادية الى عامة  الناس من متخصصين وغير المتخصصين ،  رغم ما يحتويه من أرقام ، وعلاقات مادية وجمود في الوصف والاستعارات ، حيث قال : لأول وهلة يبدو أن الاقتصاد بما فيه مما ذكرت ، والأدب بما فيه من تجليات وخيالات، خطان متوازيان لا يلتقيان ، لكني اكتشفتُ عن وجود علاقة بين هذين الخطين ، فالاقتصاد يؤثر في الأدب، بشكل غير مباشر، والادب يؤثر في الاقتصاد ايضا .. وقد وجدتُ ان المزج بين الاثنين  ضرورة كبيرة ،  وقد لاقى ذلك  اعجابا وترحيبا ، عند طلبتي في الجامعة اثناء محاضراتي ، وانعكس ذلك في كتبي ومقالاتي  التي تجاوزت العشرين مؤلفا ومئات المقالات المنشورة .. كانت لقراءاتي الادبية والشعرية دورا كبيرا في رؤاي عند الكتابة ، فأصعب  الدراسات الاقتصادية ، تتفكك ، وتصبح محببة حين تغلفها بلغة ادبية بسيطة .. والبساطة  هي بساط ريح ، تطير به في الفضاءات بسهولة ورقي ، وان مدارس النقد الثقافي ، بما فيه الاقتصاد  ، مروراً بمواضع، مثل المستوى الطبقي للكاتب ، ورأس المال الثقافي ، ونمط الإنتاج الفني ، ومضمون العمل الكتابي ، يجتمعون على مائدة الاقتصاد بعلو فكري ، ونضوج ثقافي .رحم الله ، المفكر ابراهيم كبة …

وفي مرحلتنا الحالية ، وجدتُ ان الدكتور مظهر محمد صالح ، علامة بارزة في مزاوجة الاقتصاد بما يمثله من ثقل في الارقام والمصطلحات ، مع لغة الادب المحملة بالشفافية والشاعرية ، حيث حول المادة التي يكتبها ، واللقاء الذي يظهر فيه  في التلفزيون ، والاستضافات في المحافل والندوات  الى عطاء محبب ، لا يشعر المرء فيه إلا بالفهم المضطرد ، وبوصول الرسالة الاقتصادية بيسر وفهم .   

حين نتابع الكتابات الاقتصادية التي نقرأها في مطبوعاتنا وصحفنا  ، نلاحظ اليباس الذي يلف كيان  تلك الكتابات ، ناسين ان اللغة الشفيفة هي جسر للوصول الى المبتغى ، والكتابات المذكورة هي للرأي العام ، فيما الكتابات التخصصية مكانها الجامعات والمنتديات المتخصصة ، وقد تنبه د. مظهر لدور الأدب وتأثيره على تشكيل رؤى وقناعات الناس وايضا لمفاهيم ذوي الاختصاص ، فالنظرة لمفهوم الأدب، مثله مثل غيره من المفاهيم، ، توسع ليكون أداة وسلاح في يد من يملكه ليعمل به وفق ما يريد في توريده  للفكر الاقتصادي ، وقد استوعب  دور الأدب وأهميته في جني الثمرات الاقتصادية  التي يريد في خدمة الصالح العام .

ان الكتابات الاقتصادية ، بلغة عميقة المعنى ، سهلة الفهم ، تجسد المواقف واللحظات الحياتية المؤثرة حتى نستطيع أن نتخيلها أو نعيشها واقعا أمامنا، وهي لمن لا يدرك ، تمثل مستشفى العقول ، وهي حيوات أخرى بُضيفها القارئ إلى حياته من خلال الاطلاع على عصارة الخبرات والافكار التي يضعها المفكرون في مؤلفاتهم ، فيكسب مزيدا من الافكار والقدرات الذاتية في الفهم الناجز المقدم في لوحة كتابية تريح القارئ ، بدل ان تبعده عنها ..

هذه وجهة نظر بما اقرأه حاليا من كتابات راقية ، لكنها تلبس ربطة عنق في عز ظهيرة حارة !