-1-
سعيدٌ مَنْ يعشق الكتاب .
انه الحبيب الذي يُتحف حبيبَه بالفوائد الجمّة ، والطرائف اللذيذة ، ويأخذ بيده الى مرافئ العزّة والكرامة ، ويرقى الى الآفاق العُلويّة …
-2-
واذا استثنينا كُتبَ الضلال ، التي حرّم الفقهاء اقتناءَها ، فان الكتب ما هي الاّ بساتين ذات ثمار شهيّة ، دانية القطوف …
ولقد ساءنا كثيراً أنْ نشهد موجةً من العزوف عنها هذه الأيام في العراق ، المبتلى (بداعش) وإجرامها وبألوان أخرى من الكيد تستهدف أمنه واستقراره لابل تستهدف انسانه وحضارته..!!
-3-
انّ هذه الموجة الطافحة لا تختص بالعراق، فالشكوى من فتور مبيعات الكتاب مسموعة للاسف ، في بلدان أخرى أيضا …
-4-
انّ الكتاب الالكتروني ليس بمقدوره ان يحدّث هذا الانكسار الكبير ، ولكنه –بالتاكيد- يُسهم في ذلك الفتور بدرجةٍ من الدرجات …
-5-
ومن الجميل أنْ ننقل هنا نصيْن عن الكتاب – ومن باب التشويق والتحريض على الاقبال على قراءته والافادة منه –
الاول : أورده الشيخ البهائي في كتابه (المخلاة) ص 40 -41 حيث قال:
الكتاب
نعم الأنيس في ساعة الوحدة ،
ونعم المعرفة ببلاد الغربة ،
ونعم القرين والدخيل ،
ونعم الوزير والدخيل ،
وعالم ملئ علماً ،
وَظَرْفٌ جني به طرفا ،
وأصفى بستان يُحمل في بُرْد ،
هل سمعتَ بشجرة تؤتي أُكلها لا تذوي ،
وزهرة لاتثوي ؟
وثمرة لا تفنى
ومَنْ لك بجليس به تدري الشيء وخلافه والجنس وضدّه ،
ينطلق عن الموتى ، ويترجم عن الأحياء .
وإنّ غضبتَ عليه لم يغضب ،
وان عربدتَ عليه لم يُجب ،
أكتم من الارض، وأتمّ من الريح، وألين من الهواء، وأخدعُ من المنى وأمنع من الضحى ، وأنطلق من سحبان وائل ، وأعيى من باقل
هل سمعتَ بمعلم واحدٍ تحلّى بحلل كثيرة وجمع أوصافاً غزيرة …
انْ وعظ أسمع ،
وإنْ ألهى أمتع ،
وإنْ أبلى أدمع ،
وإن ضرب أوجع ،
يفيدكَ ولا يستفيد منكَ
ويزيدك ولا يستزيدكَ
قبر الاسرار ، وحرز الودائع ،
قيد العلوم ، وينبوع الحكم ، ومعدن المكارم ومؤنس لاينام .
يفيدكَ علم الاولين ويخبرك عن كثير من أنباء الآخرين ،
هل سمعتَ في الأولين ؟
أو بلغك عن أحد من الآخرين ؟
من جمع هذه الأوصاف مع قلة مؤونتِه وخفة محله ؟
لا يرزؤك شيئا من دنياك ،
نعم الذخر والعقدة ، والشغل والحرفة ، جليسٌ لايضرّ بك ، ورفيق لا يمّلك ، يطيعك بالليل طاعته بالنهار، ويطيعك في السفر طاعته في الحضر، إن أدمتَ النظر اليه أطال إمتاعك ، ولطّف طبعائك ، وبسط لسانك وجوّد بنانك ، وفخم ألفاظك .
إن ألفتَهُ خلد على الايام ذكرك، وإنْ درستَه رَفَعَ في الخَلْق قَدْرَك ،وإن رفعتَه نوّه عندهم باسمك …
فأكرم به من صاحب …
والثاني :
أورده المسعودي في كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر) ج2 ص54 حيث قال عن الكتاب :
(يوُصل به كلُّ كلام ،
ويتزينُ به في كل مقام ،
ويُتجمل به في كل مشهد ،
ويُحتاج اليه في كل مشهد …)
(وقد قالت الحكماء :
الكتاب نعم الجليس ،
ونعم الذخر ،
إنْ شئتَ ألهتك نوادِرُه ، وأضحكتك بوادِرُه ،
وإنْ شئت أشجتك مواعِظُه ،
وان شئتَ تعجبت من غرائب فوائده )
(وهو ميّت ينطق عن الموتى ،
ويترجم عن الأحياء ،
وهو مؤنس ينشط بنشاطك ، وينام بنومك ….
ولا نعلم جاراً أبرّ ،
ولا خليطا أنصف ،
ولا رفيقاً أطوع ،
ولا معلما أخضع ،
ولا صاحباً أظهر كفايةً وأقلّ خيانةً ، ولا أجدى نفعاً ،ولا أحمد أخلاقاً ، ولا أدوم سروراً … ، ولا أعجل مكافأة ولا أخف مؤونةً منه )
” تعرف منه في شهر مالا تأخذه من أفواه الرجال في دهر ،
وهو المعلم الذي لايجفوك ،
وإن قطعتَ عنه المائدة ، لم يقطع عنك الفائدة ،
وأخيراً :
” قد قال بعض الشعراء في مَنْ يجمع الكُتب ولا يعلم ما فيها :
زوامِلُ للأسفار لا علمَ عندهم
بِجَيدِّها إلاّ كعِلْمِ الأباعِرِ
لعمركَ ما يدري البعيرُ اذا غدا
بأحماله أو راح ما في الغرائِرِ “
أقول :
لقد شاع مؤخراً اقتناء ذوي الثراء للكتب، وابرازها في محلّ استقبالهم للناس، وكأنهم يريدون الايحاء لمن يزورهم :
انهم من هوادة المطالعة ، وممن شغفوا بحُبّ العلم ، وحازوا منهم ما حازوا ..!!
لقد كان العالم والاديب يشكوان من صعوبة حصولهما على الكتاب ، حتى قال المرحوم السيد جعفر الحلي – العالم الشاعر :
ملكتْ فكرتي بكارَ المعاني
والى الآن ما ملكتُ كتابا
فشتان بين الصورتين …!!!