22 ديسمبر، 2024 7:38 م

الكباش وجهاز مكافحة الإرهاب

الكباش وجهاز مكافحة الإرهاب

الكباش الفرعونية التي نقلتها السلطات المصرية إلى ميدان التحرير لتجد حجة لإقفاله واقفال قصة الثورة الشعبية التي كان الميدان رمزاً لها تحكي قصة أخرى من قصص السذاجة الثورية ، حيث شعب يثور على ديكتاتورية مستبدة ، ودول كبرى لها مصالح غير مشروعة في ذلك البلد تحوك المؤامرات ضده ، فتأتي بما يحب – وهو هنا الدين – بنسخة غبية غير مستقيمة ، لتثبت للشعب الثائر ان خياراته كانت خاطئة ، بعدما اشعرته أنه مستقل فيما اختار ، فتنتهي القصة بديكتاتور عسكري آخر اكثر سماجة ( ينقذ الشعب ) من براثن تلك النسخة الغبية ويعتلي عرش السلطة بالدبابة ( الكيوت ) وليحكم سبعاً عجاف ، بعد ان يقوم ( زوار الفجر ) باقتلاع كل جذور الثورة من أصلها الشعبي .
وفي التظاهرات التشرينية الاخيرة في العراق كانت رسالة واضحة من السفارة الأمريكية للحكومة العراقية أنها قادرة على تحريك الشارع .
وكان الفريق العسكري الرمز سيعلب دور الفريق عبد الفتاح السيسي في مصر ربما ، لولا انكشاف الأمر مبكرا .
وقد ذكرت سابقاً ان القائد العسكري الميداني ليس بالضرورة انه يستطيع قيادة دولة وان عنوان الإصلاح لا يكفي لتزكية فئة اشتهرت بكونها اقل وعيا .لذلك سيمرّ هذا الشعب بمراحل تخبط عديدة نتيجة خلط الأوراق واستبدال الفاسد بالراكد . فليس من الصحيح استبدال الفاسد بالغبي ، إذ كلاهما غير صالحين للحكم . بل ربما يعطي الغبي نتائج أفظع .
لقد قرأنا جميعاً في المدارس عن ثورة 14 تموز في العراق وثورة الضباط الأحرار في مصر وثورة السلال في اليمن وكيف قضت على التخلف الملكي في هذه البلدان .
لكنّ الحقيقة ان هذه الانقلابات قتلت هذه الدول وجعلتها في أسفل سلّم البشرية .
فقد كانت الأنظمة الملكية السائدة في اليمن والعراق ومصر – على طائفيتها وبطئها – مهنية وعلمية وأقرب للفهم الحضاري من حكومات العسكر اللاحقة .
والغريب أن هذه الانقلابات حدثت في عشرية واحدة من السنين من 1952 – 1962م ، الأمر الذي يكشف اشتراكها في المصدر .
وهي متشابهة في النذالة والخسة سلوكاً ونتيجة . ففي العراق التف مجموعة من الضباط حول عبد الكريم قاسم ليغدروا بالحكم الملكي الفيصلي ، ثم غدرت مجموعة الضباط القوميين والبعثيين بعبد الكريم قاسم واسقطوه .
وفي مصر التف مجموعة من الضباط حول محمد نجيب ليغدروا بالحكم الملكي الخديوي ، ثم غدرت مجموعة من الضباط القوميين بمحمد نجيب واسقطوه .
وفي اليمن التف مجموعة من الضباط حول عبد الله السلال – الذي أرسله إمام اليمن بنفسه الى العراق للدراسة في الكلية العسكرية وأخرجه ولي العهد اليمني من السجن بنفسه بعد أن غدر بعائلة الائمة وقرّبه – وغدروا بحكم أئمة اليمن ، ثم غدرت مجموعة من الضباط الناصريين القوميين من فرقة المظليين بعبد الله السلال واسقطوه .
حيث اختيار قائد عسكري ذي علاقات جيدة وسلطة كبيرة ومن ثم التخلص منه .
والنتيجة أن العراق ومصر واليمن اليوم في ذيل قائمة شعوب العالم ، بعد أن كانت قبل هذه الانقلابات بستان العالم . حيث ان هذه الأنظمة قتلت الإنسان والإبداع والفكر .
اليوم وفي ظل عودة الفريق عبد الوهاب الساعدي إلى جهاز مكافحة الإرهاب أجد ان الجهاز لم يعد آمنا .
ان ما يحدث اليوم هو الانتقال من الديكتاتورية العسكرية الاشتراكية – التي كانت بديلاً موضوعياً غربياً للدين والقبلية التكافليتين اللتين كانتا تسودان المجتمع العربي المسلم – إلى الديكتاتورية العسكرية الرأسمالية المباشرة التي تبيع الأرض رأساً للمال الغربي او المظلم .