23 ديسمبر، 2024 1:57 م

الكبار و الصغار ، لعبة القيم المفقودة

الكبار و الصغار ، لعبة القيم المفقودة

اللى ما عندو كبير يشتريلو كبير ، هذه عبارات مألوفة نسمعها فى حديث العقلاء من كبار القوم ، يعنى أن فى هذه الدنيا هناك كبار و هناك صغار سواء على مستوى السن أو الاحترام أو الدول أو الجماعات ، يعنى أيضا أن هناك قامات و مقامات و الدنيا درجات كما يقال ، اصل الى غايتى من هذه المقدمة و هى الحديث عن الكبار و عن الصغار و أقصد بالكبار ما يسمى بالدول العظمى التى تشكل خماسى مجلس الامن و أعنى بالصغار كل بقية دول العالم التى تدور فى فلك القوتين الكبيرتين فى العالم أمريكا و روسيا ، اليوم من حقنا أن نتساءل هل أن القوة العسكرية و الاقتصادية و البشرية و العلمية بإمكانها من تجعل من دولة معينة دولة من الكبار و هل أن هذه الدول الكبيرة هى كبيرة فعلا بما تحمله من مبادئ قيمة و قيم انسانية ثابتة أم أن الامر لا يعدو أن يكون الكبر محصور فقــــط فى الجوانب العسكرية و الاقتصادية و التى على أساسها يتعامل الكبار مع الصغار .

السياسة الدولية قذرة و قذرة جدا ، الكبار اليوم هم سبب مشاكل العالم و هم لا يتصرفون بعقلانية و حنكة و صبر الكبار بل هم يتحكمون فى الرقاب و المقدرات و فى سياسة الدول الضعيفة و يتدخلون فى كل شيء تقريبا بما يعنى ان الحديث عن سيادة وطنية مع هذه الدول الكبرى لن يأتى بالفائدة اطلاقا ، ما أبعد الكبار اليوم عن أن يكونوا كبارا و فى قرار الرئيس الامريكى الجديد بنقل سفارة بلاده الى مدينة القدس المحتلة خير دليل على الهمجية الفكرية لهذا الرئيس الغارق فى الفضائح و المثير للتساؤلات و الذي يدفع الامور فى الشرق الاوسط الى حافة الهاوية و يغذى الصراعات بين الهويات و الاديان و يختلق مزيدا من الاحقاد التى تزيد من عمق الاختلاف ، بطبيعة الحال ، هناك من يصفق لقرار الرئيس الامريكى و هم اسرائيل المستفيدة الاولى من مثل هذا القرار الجائر و السعودية التى تريد أن يخلصها الرئيس الامريكى من مسئوليتها الاعتبارية كدولة اسلامية من واجبها صد او الوقوف الى جانب الدول العربية الرافضة للوجود الصهيونى الامريكى فى المنطقة برمته .

هناك صغار سيبقون صغارا و لكن من عبث الزمن أنهم يسعون بكل قوتهم ” البترولية ” الى أن يصبحوا كبارا ، من بين هؤلاء نجد على رأس القائمة السعودية و الامارات و قطر ، الاولى هى من تخرب الاوطان العربية من باب أن اضعاف سوريا على سبيل المثال و ربما مصر بالمناسبة هو تقوية لسلطانها على المنطقة و قد شاهدنا كيف تحكمت فى القرار العربى فى مسألة توصيف حزب الله بالإرهاب او فــــى فرض قطع الدول العربية لعلاقاتها مع سوريا بل و سحب السفراء و قطع بث القنوات السورية ، الحرب التى تشنها السعودية على اليمن مدمرة و قذرة بكل المقاييس و هى تأتى فى سياق سياسة الهيمنة التى يريد النظام السعودى أن يسلكها مع كل الدول العربية و هو يتصور عبثا أن السعى الى الريادة و دخول نادى الكبار ممكن بمثل هذه السياسة الاعتباطية الرعناء ، فى كل الاحوال كما فشلت السياسة السعودية فى العراق و سوريا و لبنان فإنها ستفشل فى اليمن و هذا ليس تنظيرا بل هو قراءة موضوعية للتاريخ و للعبة الامم و لما يدور فعلا فى العالم من تحولات .

وقوف روسيا الى جانب سوريا كان مصلحة مشتركة و قد تبين أن مصالح الدول قد تغلبت على المشاعر الانسانية لان الرئيس الروسى كان يبحث عن استعادة دور الكبار الذى افتقدته روسيا الاتحادية بمجرد سقوط الاتحاد السوفيتى و انهيار منظومة الدول الشيوعية التى كانت تمثل القوة الثانية فى العالم ، بوتين اليوم و فى صراع سوريا تجاوز كل الحدود و لعب دور القوة الكبرى القادرة على قلب الموازين الى النهاية و خطابه المعبر بقاعدة حميميم السورية معبر و يؤكد عود الدب الروسى الى المياه العربية الدافئة و الى تغيير معادلة اختلت موازينها منذ انهيار النظام العراقى سنة 2003 ، بالمقابل يطرح الرئيس السورى نفسه اليوم لاعبا كبير فى معادلة الصراع فى الشرق الاوسط و لعل انتصاره المحقق على الارهاب و على مؤامرة اسقاط النظام بقدر ما بينت قوته و صموده و اكسبته خبرة سياسية و قتالية غير مسبوقة فهى دفعته مجددا الى واجهة الاحداث و الصراع بين محور المقاومة و محور ضرب الامة العربية المتكون من تركيا و بعض دول الخليج و اسرائيل و امريكا و المانيا و بريطانيا ، يجب التذكير هنا ان الزيارة المقبلة للرئيس الفرنسى الى طهران ستعزز الجانب الايرانى فى صراعه الوجودى و السياسى و الاقتصادى و القومى ضد العدو الامريكى بقدر ما تعزز ايضا مكانة فرنسا التى ارسلت اشارات ايجابية فى الملف السورى و تريد مناكفة امريكا فى الملف النووى و ربح نقاط تعزز علاقتها بالجمهورية الاسلامية كما جاء على لسان الرئيس ماكرون منذ ايام فقط فى احدى الوسائل الاعلامية الفرنسية.

اين تقع دول المغرب العربى من لعبة الامم و أين تتجه البوصلة بالدول المكونة لاتحاد الدول المغاربية ؟ بطبيعة الحال تعيش تونس على وقع انعكاسات الملف الليبى و تعاين بعين حذرة الحالة الصحية للرئيس الجزائرى و ليس خافيا ان العلاقة مع المغرب متوقفة فى النقطة الصفر نتيجة خوف المملكة من تنامى ظاهرة الاخوان و عدم اقتناعها بالثورة التونسية فى بلد يعلم الجميع أنه يمشى فى السكة المواجهة لهذا الاتجاه بحكم عوامل سياسية يطول شرحها و لعل هذه القطعة الخماسية من الوطن العربى و بالرغم من تقلب الاوضاع السياسية و الاجتماعية فيها تعد القطعة القابلة اكثر من البقية للتغيير و للتعامل مع متطلبات العصر من حيث التقدم فى سلم المبادئ الكونية المتعلقة بحرية المرأة و بحرية التعبير و التبادل السليم على السلطة و الرغبة فى نشر التعليم و الانضمام الى ركب الدول المتقدمة اعتمادا على مخزون ثقافة و تربوى متقدم ،بطبيعة الحال يبقى الملف الليبى معلقا فى انتظار التوافق الداخلى لكن من الواضح ان هناك من الدول الخليجية من يريد اشعال ليبيا لتكون عود الكبريت الذى سيلهب النار فى بقية الدول المجاورة .

زيارة الرئيس التركى الى السودان بالذات و زيارة نائب الرئيس الامريكى الى مصر تؤكد ان الصراع لاحتكار الزعامة فى هذه المنطقة المستعرة من العالم متعدد الوجوه لأنه فى حين تريد تركيا ان تضع مصر المعادية للإخوان بين فكى كماشة باستقرارها الدائم بمنطقة سواكن السودانية لتجعل منها ارض الميعاد و منطلق كل الجماعات الارهابية التكفيرية و مكان تجمعها و تدريبها و تسليحها و تموينها بالخطب التكفيرية المدمرة على يد السيد يوسف القرضاوى و امثاله فان أمريكا تريد من مصر أن تضغط على السيد محمود عباس ليعود الى نقطة التواصل مع الكيان الصهيونى و الخضوع للإملاءات الامريكية التى تريد انهاء القضية الفلسطينية برمتها بعد ضمان تخلى كثير من الدول العربية و ركضها المعلن للتطبيع مع الكيان الغاصب ، بطبيعة الحال يقف الاردن اليوم فى مفترق الطرق محتارا أى الطريق يسلك و أى الطريق أقوم و أى الطريق أسلم فى حين يبقى لبنان فى دوامة الصراعات الداخلية فضلا عن كل ما ينجر عن الوجود الفلسطينى من تعقيدات اخرها التفجير المثير للسؤال الذى استهدف احد القيادين منذ ايام … هذه لعبة الامم و لكل مجتهد نصيب.