بعد معاناة وصبر منقطع النظير على مدى سبعة عشر عاما ، انتفض الشعب العراقي في تشرين / اكتوبر من العام الماضي نتيجة انهيار الدولة ومنظومة القيم والاخلاق والقانون ، يرافقه سطوة السلاح المنفلت والخطف والتعذيب والاغتيالات في وضح النهار وسواد الليل ، والنهب المستمر لمختلف موارد الدولة . ولم يحصل المنتفضون خلال عام كامل من الانتظار والتضحيات الجسام ، سوى الوعود الكاذبة ، والمماطلة والتسويف وتبادل الادوار بين المقربين والعملاء من احزاب وميليشيات الولي الفقيه وحرسه الثوري ، الذين يمثلون ابشع احتلال لدولة عريقة مثل العراق . تدعمهم امريكا . مدفوعين برغبة سادية للتنكيل بالشعب العراقي البطل وسلب موارده ، وكبح جماحه نحو التقدم والنهوض في المنطقة التي كان رائدا في تقدمها .
استغرق العراق أكثر من ستة أشهر لتشكيل حكومة جديدة بعد استقالة عادل عبد المهدي نهاية تشرين الثاني / نوفمبر 2019. وقد تقصدت الاحزاب والكتل الحاكمة تعقيد هذه المهمة ووصفتها بالصعبة ، من اجل خداع المنتفضين والشعب العراقي ، لتمرير مصطفى الكاظمي باعتباره رجل المرحلة ، والترويج له باعتباره من المعادين لايران ، في إشارة مفضوحة لقبوله من المنتفضين ! . وهو في الحقيقة مرشحهم الاخير بعد فشل عادل عبد المهدي في قمع الانتفاضة باسلوب فاشي دموي لايقدر عليه الا من كان خادما وفيا للاجنبي فتلطخت اياديه بدماء العراقيين الشرفاء الذين لم يطالبوا الا بوطن آمن .
ومع كل ذلك فان عملية تمرير الكاظمي لم تنجح لولا زيارة قاآني المندوب السامي الايراني للعراق . وما موافقة ايران عليه ، الا لكونه شخصية ضعيفة أمام إرادة الولي الفقيه وميليشياته التي تتحكم بالعراق وشعبه ، وبالامكان تحريكه بما يتناغم ومصالح طهران التوسعية .
وهكذا حصل الكاظمي على موافقة ايران ودعم الفصائل الموالية لها ، وبمجرد تعيينه رئيسا للوزراء ، بدأت هذه المجموعات تسمية مرشحيهم للوزارات ، خصوصا الدفاع والمالية والخارجية والصحة ، كما هو متبع في كل مرة .
اطلقت الميليشيات الموالية لإيران استراتيجيات جديدة لامتصاص نقمة الشعب والقضاء على محاولة الانتفاضة مجددا بدعوى رضوخها الى مطالب الثوار ، بالتنسيق مع البرلمان ، فجاءت القوانين مشوهة لاتلبي مطالب الشعب المنتفض .
كما تقرر ادخال عدد من المندسين في الحركات الجماهيرية للاصطدام مع القوات الامنية لشيطنة الانتفاضة وتشويه سمعتها مما قد يؤدي الى انهاءها والتشكيك بسلميتها .
انهم يراهنون على الزمن وبث روح اليأس في صفوف الشعب بعدم جدوى التظاهر ، ومن ثم احباط الحركات الشعبية المطالبة باسقاط العملية السياسية واعادة الوطن لابناءه . وامعنوا في ايذاء الشعب بحرمانه من البطاقة التموينية وتاخير الرواتب للموظفين والمتقاعدين . كما زادت عمليات الخطف والتعذيب وتهريب السلاح والمخدرات وغيرها ، امام سكوت الكاظمي وعجزه .
وقد تعلم الكاظمي الدرس الاول في عدم ملاحقة الميليشيات الولائية المتحكمة بالعملية السياسية ، عندما اقدمت هذه الميليشيات على اقتحام المنطقة الخضراء بالبيكبات وتهديد قوى الامن فيها، واحتجاز بعض الضباط حتى تمكنوا من اطلاق سراح رفاقهم الذين تم اعتقالهم من قبل قوات الأمن العراقية ، اثر قصفهم المنطقة الخضراء بالهاونات .
كما تم تحجيم الكاظمي نهائيا بعد اغتيال الخبير الامني هشام الهاشمي ، فبدلا من القبض على الجناة ، تم تهديده واسكاته ، فأمر بتشكيل لجنة تحقيقية، رغم علمه جيدا بالفاعلين .
ثم جاءت مجزرة “الفرحاتية” في محافظة صلاح الدين حيث قتل ثمانية واختفى اربعة اشخاص ولم يتمكن من كشف الفاعلين او محاكمة احد ، رغم معرفة الجميع بالميليشيات التي ارتكبت هذه الجريمة .
تتسم شخصية الكاظمي بالغموض والمراوغة ، حيث وعد بتصفية الجماعات الخارجة عن القانون وحصر السلاح بيد الدولة ، ومحاسبة قتلة المتظاهرين ، والقضاء على الفساد ، الا اننا لم نشهد سوى وعود وتصريحات اعلامية جوفاء مل منها الشعب . ولم يقم الكاظمي باي عمل جاد في فرض سلطة الدولة ، رغم سلطاته الواسعة ووجود عناصر امنية وعسكرية كفوءة قادرة على بسط الامن واعتقال اشباه الرجال الذين يهددون المواطنين والدولة .
كما تبين للمواطن العادي قبل المختص ان الكاظمي يفتقر لمواصفات رجل الدولة . ناهيك عن مواصفات القائد الجماهيري . ولا يتمتع باي شخصية او كاريزما مقنعة .
وقد عجز عن اقناع المواطنين بسياساته ، رغم قيامه بزيارة المنكوبين ، ووعوده بالاقتصاص من القتلة في كل مرة .
وفي تصريح لصحيفة الغارديان البريطانية ، برر الكاظمي عجزه برغبته في الحوار مع المجرمين والقتلة الخارجين عن القانون ، ووصف نفسه بالمعلق على الحبل
والرقص مع الافاعي وانه يبحث عن مزمار يستطيع من خلاله التحكم بهذه الافاعي .
فهو يحتاج اذا” الى المزمار السحري لترويض امراء الحرب والمافيات المتحكمة بالدولة وسياساتها .
وقد انتقد كثير من المواطنين في وسائل التواصل الاجتماعي تصريحات الكاظمي ، فقال احدهم في تغريدة له إن “العراق يحتاج إلى رئيس وزراء يتمتع بصفات القيادة والشجاعة على اتخاذ القرارات دون تردّد ، ولا يحتاج إلى صاحب مزمار يروّض الثعابين أو بهلوان يسير على الحبال .
مذكرين الكاظمي بأن لديه سلطة الدولة والقانون، التي يجب فرضها على الجميع .
لا يحتاج السيد الكاظمي الى المزمار السحري . بل عليه اما الاعتراف بولاءه للميليشيات والاستجابة لمطاليبها . . او الانحياز للشعب ، والتصريح بعمق الأزمات ، وعجزه عن تنفيذ وعوده في حصر السلاح بيد الدولة والقضاء على الميليشيات ، ومحاسبة كبار الفاسدين والكشف عن قتلة المتظاهرين ، واطلاق سراح المختطفين . ويخلي مسؤوليته امام الله والتاريخ .
او ان اراد ان ينتفض لكرامته وكرامة المنصب الذي يشغله ، ان يحلّ البرلمان ، ويكلف الجيش ببسط سلطته ، وتشكيل حكومة خلاص وطني تعد لانتخابات نزيهة لادارة شؤون البلاد من ممثلي الشعب الحقيقيين . فالشعب ليس في مقدوره بعد الان السكوت على الاعيب الأحزاب والساسة والاكاذيب التي لن تنطلي على احد فالشعب العراقي من الشعوب الحية التي لاتبات على ضيم .
ادهم ابراهيم