23 ديسمبر، 2024 2:40 ص

الكاظمي بين مطرقة المليشيات وسندان المتظاهرين

الكاظمي بين مطرقة المليشيات وسندان المتظاهرين

مقدما، إن هذه المقالة ليست معنية بالنبش في شخصية رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي، ولا بتفسير حركاته وجولاته ومكالماته الهاتفية وزياراته لمؤسسات ذات علاقة التحامية معيشية بين جمهرة واسعة من المواطنين وبين الحكومة.

ولكن ما يُفرض بيانه هنا هو أن هذه القرارات والإجراءات أثارت مخاوف حقيقية لدى أصحاب المليشيات من احتمال أن تجرَّه، طوعا أو جبرا،  إلى الاصطفاف مع المتظاهرين، وهذا بالتالي لن يقضي، فقط، على هيبتهم القيادية ومواقع سلطاتهمالسابقة، بل قد يغري الجماهير الغاضبة بمهاجمة مكاتب أحزابهم ومستودعات سلاحهم، وملاحقة أتباعهم وإرهابهم ودفع بعضهم، أو كثير منهم، إلى التمرد عليهم، أو التخلي عنهم والانضمام إلى أعدائهم، وقد تقود كبارهم قبل صغارهم في النهاية إلى ساحات العدالة والقصاص.

ففي ثلاثة أيام فقط حدثت أمور خطيرة جدا ومثيرة، بحكم وضع العراق المتشابك المتطاحن.

وهي أمور كانت من الكبائر، في اعتبارات أصحاب الأحزاب وحساباتهم واعتباراتهم،وبحكم سطوتهم ونفوذهم المهيمن على الدولة ومؤسساتها، وكان محرما على أي مسؤول ليس فقط تنفيذُها بل مجرد التفكير فيها، ولا يسمحون بأي منها، كإعادة قادة عسكريين كبار معارضين أشداء لسلطة المليشيات إلى مواقعهم السابقة التي طردهم منها سلفه عادل عبد المهدي، وإحالة بعض كبار الضباط والمسؤولين المُعيَّنين من قبل أصحاب الأحزاب على التقاعد، والبدء بالترويج لفكرة إعادة ترسيخ مهنية الجيش، وتنظيف الجيش والقوات المسلحة من المُضافين بالدمج، ثم الإفراج عن جميع المعتقلين من المتظاهرين، وتعويض أسر شهدائهم، وتشكيل لجنة عليا للتحقيق في حوادث الاغتيال والاعتداء التي ذهب ضحيتها عشرات الشهداء، ومنع السياسيين من التدخل في الشؤون العسكرية والأمنية، ثم منع البنك المركزي من الاستمرار في مزادات العملة، وأخرُها حديث وزير الداخلية الجديد مع كبار قادة وزارته وأجهزتها حيث هددهم بقطع يد من تسول له نفسه العودة إلى بيع مناصب الوزارة لمن يدفع أكثر، ثم ما حدث في البصرة، حيث قامت أجهزة الأمن، لأول مرة، بمداهمة مقر مليشيا (ثأر الله) واعتقال خمسة من أفرادها ومصادرة جميع الأسلحة التي وجدتها في المقر، وذلك لإقدام مسلحين من داخل المقر بإطارق النار على المتظاهرين، وقتل أحدهم.

وفي البصرة أيضا تجمع المتظاهرون أمام مبنى المحافظة مطالبين باستقالة المحافظ المعروف بانتمائه لمنظمة بدر.

وفي محافظة واسط جرت محاصرة منزل المحافظ ومنزلي نائبيه من قبل الجماهير المطالبة بأقالهم وإحالتهم إلى القضاء.

ومن مجمل الأحداث المتسارعة يمكننا رصدُ أمرين،

الأول أن  قادة النظام الإيراني ووكلاءهم العراقيين لا يريدون أن يواصل الكاظمي سياسة ملاطفة الشارع الشعبي المنتفض، سواء كان جادا أو فقط راغبا في تهدأة خواطر الجماهير وإنهاء حالة التظاهر والاحتجاج، وذلك لأن الاستمرار في هذه السياسة قد يبعده عنهم شيئا فشيئا، وقد يستلطف مظهره الشعبي المناهض لسلطة الأحزاب الكبيرة، وقد يجعله أقرب إلى شخصية القائد الوطني المستقل، والمُستقوي بتأييد الجماهير.

وهذا وحده كافٍ لأن يُشعل حربا أهلية مصيرية شاملة في جميع محافظات العراق هم ليسوا قادرين على خوضها الآن، ولا على تحمل نتائجها الكارثية المؤكدة، خصوصا وأن راعيتهم وحاميتهم، إيران، غارقة في مشاغلها ومصاعبها الكثيرة التي  تمنعها من دعمهم فيها.

والثاني هو خوف إيران وأحزابها العراقية من أن يتوغل الكاظمي أكثر في مسيرة التقارب مع دول الجوار العربية، وخاصة مع المملكة العربية السعودية ودولة الإماراتالعربية المتحدة، وينحاز كليا، بعد ذلك، إلى المعسكر الأمريكي والناتو، الأمر الذي قد يشجعه على طلب العون الخارجي المسلح لسحب سلاح المليشيات وإلغاء الحشد الشعبي وإخراج إيران من العراق في النهاية. ومن هنا بدأ الإرباك يحاصر قادة الأحزاب الخائفين من ساعة الحساب.

ولتفادي التصعيد، ومن أجل الالتفاف حول الكاظمي، وكسبه، ومنعه من ااكتساب شخصية القائد الشعبي المحبوب جماهيرا، ولإبعاده عن المتظاهرين، فقد وجدوا أن إشغاله بالجري وراء مطالب الجماهير المستحيلة التي لا يمكن تحقيقها، بفعل الواقع السياسي والاقتصادي والأمني العراقي المعقد، وفي ظل ما ألقته جائحة كورونا على كاهل الحكومة من أعباء، إضافة إلى خواء الخزينة، وتراجع أسعار البترول.

وبذلك يستطيعون أن يُظهروه للشارع العراقي عاجزا وضعيفا، أو غير صادق في وعوده التي قطعها على نفسه وعلى وزارته، وأولُها تجريد المليشيات من سلاحها،وإحالة كبار الفاسدين إلى القضاء.

هذا هو جوهر الصراع اليوم بين الشعب العراقي وبين نظام كامل قائم على الفساد والانتهازية والأمية والعمالة للأجنبي.

وهذا، أيضا، هو سر السباق الحامي بين المتسابقيْن من أجل احتواء الكاظمي ومنعه من الانحياز إلى أيٍ من طرفيْ هذه المعركة التي لا مهرب منها ولا مآب.