تعيش العملية السياسية في العراق، في مفترق طرق، طرفاً هذا المفترّق مصطفى الكاظمي وكابينته وداعموه الشعب العراقي ،أمريكا والدول العربية والأوربية وتركيا، والطرف الآخر الأحزاب الإيرانية الإسلاموية والميليشيات التابعة لإيران، التي تصرّ على إلحاق العراق بإيران، وتحوّيل ميليشياتها والحشد الشعبي،حرساً ثورياً، تابعاً ملحقاً بالحرس الثوري الايراني، حالهُ حال حزب الله اللبناني والحوثيين، وخاضعاً لأوامر المرشد الايراني مباشرة ، بديلاً عن الجيش العراقي، هذا بإختصارالمشهد العراقي الفوضوي، إذن هو صراع بين إرادتين،إرادة الدولة وإرادة اللادولة،فمَنْ سينتصر في نهاية المعركة،التي بدأت ملامحُها تظهر، بعد حادثة إلقاء القبض على عناصر كتائب حزب الله العراقي في الدورة،وهي معركة كسرعظم كما يبدو،من تصريحات وتهديدات كتائب حزب الله ،وزعيم عصائب اهل الحق وزعيم منظمة بدر والنجباء وغيرها،في حين نأى عمار الحكيم بنفسه، وإنشق عن هذا الجمع، وأعلن عن تشكيّل كتلة يتزعمّها مكونة من (50) عضوا برلمانيا، تحت عنوان( عراقيون)،في وقت يواجه العراق تحديّات كبرى، تتمثّل في وباء كورونا، وأزمة اقتصادية، تهدّد بإنهيار حكومي كامل، بسبب هبوط أسعار النفط، وخط عودة داعش الى المدن المحرّرة، وإنتهاكات سيادية عسكرية تهدّد وحدته ،لتركيا وايران،وتوّغّل عسكري على الحدود الشمالية للعراق، وفساد غير مسبوق في جميع مفاصل الدولة،كل هذه الفوضى يراها العالم على أرض العراق،ولكن الخطر الأكبر،الذي يهدّد حكومة الكاظمي هو،بإنقلاب عسكري ميليشياوي وبدعم إيراني مباشر،هو مايخشّاه الشارع العراقي والعالم،وقد أفصّح عنه الكاظمي، ببيان أثناء عملية (الدورة) وما قبلها،بعد كشف( السي اي اي) لمخطط الانقلاب العسكري، وأحبطته بقتل قاسم سليماني وابو مهدي المهندس، بما عرف( بعملية المطار)،التي أنهّت أحلام إيران وأذرعها وأحزابها وميليشياتها ،في السيطرة على العراق بالقوة،وإلحاقه بإيران، وجاء تنصيّب الكاظمي ، بعد فشل عدنان الزرفي، كحَلٍ توفيقّي، قبلتُه إيران على مضّض، وهذا دليل قاطع على بداية نهاية النفوذ الايراني في العراق،وخاصة بعد فشل زيارة خليفة سليماني، إسماعيل قاآني للعراق، اليوم تمارس أحزاب السلطة وميليشيات إيران،الورقة الآخيرة، لفرض الامر الواقع، ولو بالقوة العسكرية والتهدّيد بالقتل للكاظمي (والذي وصف نفسه بالشهيد الحي)، لتفرض سطوتها وهيمنتها على السلطة، أو إحراق العراق، كما هدّد أحد زعماء الميليشيات،بعد أن حاول الكاظمي تحيّيد الحشد الشعبي ورئيسه الفياض، وعزله عن الهيمنة الإيرانية للميليشيات، بزيارة مقر هيئة الحشد الشعبي وإرتداء قميص الحشد، في إشارة منه ، لفصل الخنادق ، وحصر الميليشيات الايرانية في زاوية حرجة، وهو ماحصل، ثم قيامه بخطوات إصلاحية مهمة ،بإقالة وإبعاد شخصيات تابعة لإحزاب ايران وفاسدة، عن مناصب حساسة جداً، وإعادة الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي مثالا لذلك وجعله ساعدا له في قيادة أهم أجهزة الدولة العسكرية التي يواجه بها خصومه ومن يريد انهاء الدولة وتحويلها الى لادولة،وما عمليات كشف الفساد ومعركته في قطع رواتب رفحاء والسجناء السياسيين الاكذوبة ،إلا خطوة في الإتجاه الصحيح،أن خصخصة الفساد معركة يخضوها الآن الكاظمي، ليس مع أشخاص، وإنما مع أحزاب فاسدة وحيتان فاسدة ، نهبت ثروة العراق وأجلسته على الحديدة كما يقال، ناهيك عن معركته الشرسة مع وباء كورونا، الذي يشهد نهاياته في العراق، الكاظمي يخوض معركته الاخيرة التي هي مفتاح نجاحه في الحكومة ، وهي مواجهة إيران وميليشياتها في العراق، حيث بدأت المعركة الثانية، بعد( حادثة الدورة)،بطلب كتلة الفتح بزعامة العامري، بإستجواب الكاظمي، تمهيداً لإقالته في البرلمان، دون اللجوّء الى المواجهة العسكرية معه، كما حصل تماماً، مع قرار البرلمان، بإخراج القوات العسكرية الأمريكية من العراق، الذي صوّت عليه (البيت الشيعي) فقط في البرلمان، في وقت رفض الاكراد والسنّة ،وبعض الكتل الشيعية على التصويت، أي أن التصويت أحادي بإمتياز، وغيرقانوني حسب نظام المحاصصة البغيض،معركة الكاظمي بدأت، وتنذر بكسرالعظم بين الطرفيّن، إمّا أن تكون دولة مؤسسات ، وإمّا أن تكون دولة ميليشيات، هكذا تراها أمريكا والمراقبون، فمن أين يستّمد الكاظمي قوّته، وكيف يواجه بها الميليشيات، التي تتسلّح بجميع أنواع الاسلحة الثقيلة ،والمعدات والصواريخ الباليستية ،التي لايملكها الكاظمي،في حين لايمتلك الكاظمي سوى جهاز مكافحة الارهاب، الذي يعدُّ الأول تدريباً وتسليحاً وخبرةً في المعارك في الشرق الاوسط،ولكن يبدو إصرار الكاظمي على خوض المعركة،أنه يمتلك اسلحة المواجهة، ومنها إعتماده على دعمين أساسيين، هما الشعب العراقي وأمريكا، بكل وضوح، خاصة وأن عملية إلقاء القبض،على مُطلقي الكاتيوشا من عناصركتائب حزب الله العراقي، قد رفعت من رصيد الكاظمي الى أعلى مستوى، في الشارع العراقي،وإلتفّتْ حوله الأحزاب والكتل وأيدته بخطواته، وأعلنتْ عشائر الجنبوب والفرات والوسط دعمها الكامل لإجراءاته وخطواته وإصلاحاته، وإعتبرتها خطوة جريئة، للقضاء على حيتان الفساد وتخليص العراق، من فوضى الإنهيارالإقتصادي الوشيك،لهذا ينتظر الكاظمي الفرصة للانقضاض على حيتان كبيرة فاسدة، تغذّي وتحمّي وتغطّي على الفاسدين في دوائر الدولة، وأولى معاركه يقودها الآن، في السيطرة على المنافذ الحدودية ، بواسطة قوة مكافحة الارهاب، التي إستلمت المنافذ المهمة ،لقطع شريان الفساد الذي تمارسه أحزاب السلطة، منذ الإحتلال الى يومنا هذا،معركة الكاظمي لها رؤؤس مدببة، فهي إقتصادية مهلكة، وعسكرية معقدة، ففي العسكرية ، لايريد المواجهة، ويفضّل الحلَّ السلّمي ،كما توجهه الادارة الامريكية قدر الإمكان وذلك ، بالتفاوض ،مع الميليشيات التابعة لايران، وحصر السلاح بيد الدولة، والسيطره عليه ، كما هي الحالة مع الحشد الشعبي، وألوية المرجعية، التي إندمجت في تشكيلات وزارة الدفاع،( ولو ظاهرياً)، وتحيّيدها الآن، وفصلها عن الميليشيات الوقحة المنفلتة ،التي لاتخضع أوامرها للقائد العام للقوات المسلحة، وإنمّا لولّي الفقيه المرشد الايراني مباشرة، وهذا ما تأكد في حاثة الدورة التي تم إطلاق سراح عناصر الكاتيوشا، وإبقاء البعض منهم، في مسرحية واضحة، هدفها ( جرّة أذن) كما يصفها مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري،ولكن في حقيقة الأمر،الميليشيات وأحزاب ايران، لن تقنع وتحضع لمثل هكذا مسرحيات مكشوفة ، هي تريد السلطة ولو بالقوة العسكرية، والانقلاب على الكاظمي، بمسرحية إقالته في البرلمان بجلسة عاصفة،التي طبخوها مع قرار إنهاء التواجد العسكري الاجنبي في العراق، نعم السيناريو القادم قبل المعركة العسكرية الاخيرة، هي معركة إقالة الكاظمي في البرلمان، وإن لم تتّم ،سوف تنفّذ الميليشيات الصفحة الاخرى ،وهي الإنقلاب العسكري كحلٍ أخير، لإنهاء التواجد الامريكي، المتمّثل بالكاظمي وحكومته، التي تشكّل معركة مصير، ووجود للنفوذ الايراني وميليشياته وأحزابه،ونحن نرى أن سيناريو الإنقلاب العسكري الميلشياوي ،اقرب الى الواقع الذي نراه شديد الخطورة، فأمريكا والشعب العراقي هي من تدعم الكاظمي في معركته الاخيرة،ضد اللادولة، فهل أعدّ الكاظمي عدتّه ، لمواجهة من يريد إدخال العراق في النفق الاظلم، وهي الحرب والفوضى وكسر العظم،واحراق العراق كما تهدّد ميليشيات خامنئي كل يوم، وهل نحن ذاهبون لحرب شوارع، كما حصل في إستعراض الميليشيات في المنطقة الخضراء، وهل ستتدّخل أمريكا في إنهاء الفوضى، التي صنعتها هي بنفسها ،وتتجرّع كأس السمّ، بعد تجرعه العرقيون بعد الاحتلال الأمريكي، الإدارة الامريكية بين خياريّن مصيرّين، بالنسبة لمشروعها ومصالحها الإستراتيجية في الشرق الاوسط،أما تستّسلم وتسلّم العراق لإيران الى الابد،وإما تنهي مهزلة اللادولة في العراق، وأجزم أن أمريكا تفضل الخيار الثاني،لاسيّما وإن الرئيس ترمب تنتظره، إنتخابات صعبة في نهاية هذا العام ،الكاظمي في مواجهة حتميّة مع اللادولة…