كشف لقاء رئيس مجلس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي بمجموعة من الإعلاميين والصحفيين والمحللين السياسيين في 25 حزيران 2020 اهتمامه واعتماده على قطاع الإعلام الذي ينحدر منه أساساً والذي امتهنه ويسعى إلى توظيفه كنظام توجيهي ليقود السياسة ويديرها، وليصبح القرار السياسي ردّةَ فعلٍ على حملات الإعلام المضادّووسائل التواصل الاجتماعي.
استوقفتني فقرة من الفقرات الأربع وأربعين من ملخّص اللقاء, عرّف فيها الإعلاميين والصحفيين “بأنّهم أساس بناء الدولة، والجميع ينصت إليهم”، وكأنّ الدولة قدجُرّدت من سياسيّيها و بُناتها فاختزلها من دولةٍ مؤسّساتية ورقابةٍ برلمانيَّةٍ إلى دولة إعلامية، في حين إنّ الإعلام هو الإخبار والتحليل عن نتاج العملية السياسية بإنجازاتها أو فشلها، وقد لا يترك أثراً كبيراً في بنية الدولة أو تأثيراً في سياق عملها,وأن لا يكون الإعلام هو الزعيم الأوحد الذي يقضُم مؤسسات الدولة عندما يكون مؤثرا في السُّلطة، كما تقضم الجرادة ورقةً في فمِها, عندما روّجت له خطأً بعض وسائل الإعلام المتملّقة أو الموجَّهة عبر تعظيم الكلمة أو تحريفها, حين شبّهت رؤية رئيس مجلس الوزراء بالنور الساطع لحل مشكلة الكهرباء في فصل الصيف الحالي, بينما الحقيقة هي أنّ وزارة الكهرباء مازالت تنتظر الردّ على طلبها من رئيس مجلس الوزراء خلال لقاء دولته مع الكادر المتقدم من الوزارة وهيئة المستشارين لمدّها بمبلغ ثلاثمائة مليون دولار لاستئناف تنفيذ برامج الصيانة المتوقفة لرفع الطاقات الإنتاجية للوحدات التوليدية العاملة و تشغيل الوحدات المتوقفة, الذي سيسهم في رفد المنظومة الكهربائية بساعات تجهيز أفضل تخفف من معاناة المواطن في فترة الصيف القائظ. كما أشار رئيس مجلس الوزراء أيضا في اللقاء ذاته إلى جانب مهمّ بقوله: “نحتاج النقد البنّاء والكلمة الصادقة“. و لأنّ الكلمة تستخدم اليوم كخنجر، لذا يجب الفصل بين الكلمة الصادقة و الكلمة المسيئة و إن جاءت عفوية , لا سيّما أنّ البلد يمر بمرحلة انتقالية إصلاحية مهمة و دقيقة. أما البعض ألاخر من رجال الإعلام المتطلع فهم في صراع مع رجال السياسة، حتى وان كان رجال الاعلام في بعض الاحيان رجال سّياسة، لأنالتداخل في المجالين قد يقود إلى تجاذب و صراع ، كون مهنة الإعلام تختلف عن منافستها مهنة السياسة، لا في طريقة العمل ولا في طبيعة الرسالة فحسب بل فيطبيعة الغايات و الأهداف. هذه العلاقة وضحها الكاتب والباحث الإعلامي والسياسي الدكتور صباح ياسين في كتابه المتخصص (الإعلام والسياسة – العلاقة الملتبسة) الذي أضاف لنا معرفة عن هذه الجدلية الملتبسة ذات الطابع الصراعي الذي قد تغلب عليه المصالح في السلطة والمال.حيث ان المؤسسة الاعلامية حالها حال المؤسسات السياسية ومؤسسات الدولة والأفراد، قد يصيبها الخلل، و الخلل في الإعلام أخطر من الإرهاب لأنّهسيصيب الفرد والجمهور و الثقافة العامة للمجتمع ومؤسسات الدولة والمؤسسات السياسية كالأحزاب, وسيقوّض بناء الدولة الحضارية الحديثة وسيغتال بُناتها ومفكّريها بالتسقيط أو بالتهميش, فليس “الإعلاميون والصحفيون هم أساس بناء الدولة ،والجميع ينصت اليهم” كما ذهب إلى ذلك رئيس مجلس الوزراء، بل العمل المشترك التضامني للمؤسسات جميعها والمجتمع والكلمة الصادقة. هذه كلّها أحجار أساس في بناء الدولة, وليس من خلال معبر إعلامي أو معبر طائفي.