22 ديسمبر، 2024 2:23 م

” الكاسر ” والخط الاحمر الجديد !

” الكاسر ” والخط الاحمر الجديد !

بما اننا نعيش في عصر الخطوط الحمر التي تكاثرت علينا ، بعد ان عشنا اكثر من ربع قرن تحت سطوة الخط الاحمر الواحد والوحيد ، فكنّا نعرفه ونتجنبه لنبعد عنّا شبهة الولاء من عدمه للقائد الضرورة وحزبه ، فان من حقنا ان نعرف على وجه الدقة من هو او هم المشمولين بالخط الاحمر وتدرجا حتى اللون الرمادي كي نعرف ماذا نكتب وكيف نكتب وماذا نتجنب وجنب أي الحيطان نسير ونتكلم !!
في عصر الحرية ، او هكذا نفترض ، فان الخطوط الحمر تكومت فوق رؤوسنا وتشابكت في خلايا عقولنا كبيوت العنكبوت فلم نعد نميز بين الألوان ، من هو الاحمر ومن هو الاخضر ومن هو الرمادي الذي ليس ابيضاً ولا اسوداً !!
فجأة تفز وتكتشف هيئة الاعلام والاتصالات ان مسلسلاً درامياً عنوانه ” الكاسر ” يمس التماسك والنسيج المجتمعي العراقي، وانها ستتخذ كل الإجراءات القانونية الرادعة لمنع ذلك وبسرعة قياسية استجابت للمطالب الشعبية غير المنظورة واصدرت امراً بإيقاق عرض المسلسل بعد ان نفض احد المشايخ عقاله طالبا من رئاسة الوزراء ايقاف عرض المسلسل فدخل بسرعة قياسية في موسوعة الهيئة القياسية ضمن الخطوط الحمر ، كأن شيوخ العشائرعلى امتداد جغرافيا هذه البلاد من انبياء الله الذين لايأتيهم الباطل من امامهم ولامن خلفهم !
لكن لنقابة الفنانين وجهة نظر مختلفة في المسلسل ، وبذلك لم يعد الخط الاحمر مطلقا! فعلقت في بيان بانها “لم تجد فيه ما يسيء إلى قيم الشعب العراقي” و إنها “قامت بفحص مسلسل الكاسر، وتابعت الحلقتين الأولى والثانية، ولم تجد فيه ما يسيء إلى قيم الشعب العراقي وتقاليده”. فيما أصدرت قناة “يو تي في” بيانا عن مسلسلها “الكاسر”، مؤكدة فيه الاعتدال والوسطية، وأن مضمونه يأتي في إطار الأغراض المهنية والدرامية” مشيرة الى أن أي أغراض أخرى غير موجودة “إلا في عقول أصحابها” !!
وهكذا وصلنا الى ان تقييم الاعمال الفنية اصبحت بيد زيد وعمر من الناس والا هل من المعقول ان يودي اعتراض احد الشيوخ او قسما منهم على ” الكاسر ” يشعل كل هذا الجدل ويثير كل هذه الضجة ويودي الى ايقاف عرض المسلسل!!
وانتفض النائب المستقل، هكذا يصف نفسه ، السيد مصطفى سنيد، ، ليكون وصيا على ما يعرض وما لايعرض فيرى في طلب لهيئة الاعلام أن المسلسل “يسيء إلى مختلف المكونات العراقية خاصة في الجنوب، وينتهك حرمة الشهر الفضيل” !! وبهذا المعيار علينا ان نوقف عرض غالبية المسلسلات العراقية والعربية ففيها الكثير مما ينتهك حرمة شهر رمضان الذي هو الآخر ينبغي ان يكون تحت الوصاية والرقابة المشددة !!
الادب والفن لاينهضان الا بالحرية وسقوط الخطوط الحمر ، فهما ان لم يقدما نقداً قاسياً للمجتمع ورموزه وتراثياته التكلسة والسلبية ، ان لم بعرّيا كل السلوكيات التي تعيق تطور المجتمعات فليس حريا ان يحملا صفتي الفن والادب !
انظروا ماذا تفعل المسلسلات المصرية على وجه التحديد ، بمجتمع الصعيد ورموزه ومشايخه وكيف تعرّي تقاليده وانماط حياته دون ان يتنطع احد ليقول انها اساءة للمجتمع الصعيدي !
الحكم على القيمة الفنية والفكرية لاي عمل فني، سيء أو جيد جميل أو قبيح لاينبغي ان يوضع تحت سطوة اناس لم يشاهدوا سوى مساحة ضيقة من لوحة الحياة ..
ومصيبتنا اننا تحت سطوة اناس بمستويات وعي تتحكم بحياتنا ليس السياسية فقط بل في أن نرى وما لانرى ونخشى ان يصل الحال بنا الى ان يحددوا لنا ماذا نأكل وكيف نأكل وأين نأكل وما هو حرامه من حلاله !!