23 نوفمبر، 2024 4:44 ص
Search
Close this search box.

الكاريكاتير : الفن الي يعبّر عن جوهر الأشياء 

الكاريكاتير : الفن الي يعبّر عن جوهر الأشياء 

الكاريكاتير– شكل من أشكال فن الرسم الأكثر جذباً ،القائم على المبالغة بالخطوط والريشة ، من خلال تحريف الملامح الطبيعية وخصائص شخص مشهور – مع الأحتفاظ ببعض أوجه الشبه به – أو ظاهرة اجتماعية أو حدث سياسي بهدف التهكم والسخرية او النقد الأجتماعي والسياسي.
 
على خلاف المقال الذي يتناول موضوعاً ما- وان كان ساخراً ولاذعاً – فان الرسم الكاريكاتيري المعبرعن المعنى ذاته ، مفهوم من الجميع ، بصرف النظرعن فئاتهم الأجتماعية ومستواهم الثقافي ، لما يتميز به من بساطة في الطرح وعمق في التأثيرالجماهيري. ومن هنا يستمد فن الكاريكاتير قوته كأداة صحفية ساخرة وناقدة في آن ، لها القدرة على النقد ، بما يفوق الكتابات الساخرة ، مهما كانت لاذعة.
 
ويتضمن الكاريكاتير في العادة حواراً أوتعليقاً قصيرا ً، أو يكون بدون نص ، ويعتمد على المفارقة البصرية، وهذا الأسلوب الأخير كان شائعا في أوائل ظهور الكاريكاتير .
 
 ويرتبط الكاريكاتير السياسي – وهو الأكثر شيوعا والأبلغ تأثيراً من أنواع الكاريكاتير الأخرى –  بحدث سياسي مهم او بشخصية في السلطة ، لجذب الأنتباه الى موضوع يشغل الرأي العام مثل الفساد أو الجريمة أو ارتفاع الأسعار وغيرها . وفي العادة فأن الشخص المعني يشعر بالأمتعاض أو عدم الرضا ، رغم ان جعل أي شخص مشهور موضوعا للسخرية يبرهن على أهميته ودوره في العملية السياسية .
 
المقال اوالخبر الذي يمس شخصا ما ، يمكن الرد عليه ، اما الكاريكاتير فان ، الشخص المعني يقف عاجزا عن الرد ، لذا يشعر بالحنق والغضب دون ان يستطيع ان يفعل شيئا ، ربما بأستثناء اللجؤ الى القضاء في الأنظمة الديمقراطية . .
 
ولكن ليس كل الساسة أو المشاهير يمتعضون من الرسوم الكاريكاتيرية ، التي تتناولهم بالنقد والسخرية ، فبعضهم قادرعلى الضحك على نفسه. والحق ان القدرة على السخرية من النفس تعني دائما مستوى عاليا من الثقافة ، والناس الأصحاء روحياً وذوي الشخصيات القوية هم وحدهم القادرون على الضحك على أنفسهم ..
 
الكاريكاتير يكشف لنا عن انفسنا والعالم من حولنا على نحو بارع ومرح وغير متوقع ، وفوق ذلك فأن نوع الفكاهة أو الدعابة يشير الى مستوى الثقافة الروحية لأي شعب أو مجتمع أوعصر.
فن الكاريكاتير ، يعكس جوهر الاشياء ، وهو فن تطبيقي جد مهم للمجتمع السليم . ليس المهم دائما محتوى الرسم الكاريكاتيري فقط ، بل ايضا ردود الفعل ، التي تحدثه في المجتمع.
من أجل تقبل او فهم الكاريكاتير عليى الانسان ان يمتلك شيئا من روح الدعابة والفكاهة ويكون مستعدا للابتسام ، أو الضحك ، وهو ما يميز الأنسان عن الحيوان . والقصص الفكاهية البارعة للكتاب الساخرين يكشف عن ذلك بكل عمق وطرافة .

الكاريكاتير عبر ألتأريخ :
 
ثمة التباس واضح في الكتابات العربية عن هذا الفن ، فالباحثون في هذا المجال يخلطون بين الرسوم البدائية على الصخور، لسكان الكهوف في العصر الحجري أوعلى أوراق البردي والمسلات الفرعونية أو الرسوم المبالغ بها أو المشوهة بعض الشيء ، للأنسان والحيوان في العهود السومرية والآشورية والبابلية ، وبين الكاريكاتير بالمعني الحقيقي لهذا المصطلح بوصفه فناً مستقلاً  . ان كل تلك الرسومات تنتمي الى الفن التشكيلي البدائي ، غير أن بعض الكتاب يحملون هذه الصور معاني لم تخطر ببال راسميها ، كالسخرية أوالتعريض بالحاكم المستبد .
 
كان الأعتقاد السائد بين مؤرخي الفن ، حتى منتصف القرن التاسع عشر، أن أقدم رسم كاريكاتيري يعود الى زمن الفراعنة ، وهو مرسوم على ورق البردي قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة . ويصور أسداً  يلعب مع ظباء ، لعبة تشبه الداما . وكان هؤلاء المؤرخون يقولون أن الأسد يمثل  الفرعون رمسيس الثالث.
 
ولكن في وقت لاحق ظهرت شكوك حول الشخصية التي يمثلها الأسد ، ذلك لأن أحداً لم يكن يتجاسر على السخرية من فرعون مصري معبود ، وقد ثبت في ما بعد ، ان عهد رمسيس الثالث لا  يتزامن مع التاريخ التقريبي لهذا الرسم . وبالإضافة إلى ذلك، فأن صورةالأسد والظباء ليست سوى جزءاً من صورة أكبر، تتضمن أيضاً صور حيوانات أخرى. وربما تعكس هذه الصورة روح الدعابة ولا تنطوي على أية سخرية من أحد .
 
وهناك رسم مصري قديم آخر ، والذي يمكن أن يعتبر نموذجاً بدائياً للكاريكاتير ، فعلى جدار معبد   حتشبسوت ثمة صورة تمثل الملك والملكة وهما يستقبلان وفداً مصرياً .وتمتلك الملكة المرسومة بالنحت الغائر ، شكلا جميلا مثيرا للإعجاب، في حين أن الحمارالمرسوم على جدار قريب والمخصص لحمل زوجات الملك صغير يكاد يكون قزماً .وقد انجز هذا الرسم بين عامي  ( 1458 – 1479 ) قبل الميلاد . ويعد أقدم رسم ساخر يمثل شخصية تأريخية حقيقية .
 
الكاريكاتير، اسم مشتق من الكلمة الأيطالية ” كاريكير” وتعني ” يبالغ ” أو” يحمّل ما لا يطيق “
 في عام 1590 أطلق أنيبالي كاراتشي الأيطالي وشقيقه  أغوستينو  هذه اللفظة على رسومات البورتريه ، التي رسماها على نحو مبالغ فيه .
 
وقد جاء في الشرح الذي تركاه ، انهما ارادا بتلك الرسوم  ، التهكم على النظريات الفنية التي درساها في الأكاديمية البولونية .وقد ظل الكاريكاتير شكلاً فنيا ايطاليا رغم ظهور الفنان بيتر بروغل الأب ( 1525 – 1569 ) وآخرون معاصرون له في أوروبا الشمالية ، الذين أستخدموا اسلوب المبالغة في لوحات البورتريه ..
 
البعض يعتقد ان ليوناردو دا فينشي،هو الاب الحقيقي لفن الكاريكاتير، في اشارة الى الرسوم   المشوهة ، البشعة الشكل ، التي رسمها هذا الفنان العظيم . .
 
وبطبيعة الحال فأن الرسوم الكاريكاتيرية الأولى لا تشبه كثيراً الرسوم التي يمكن ان نشاهدها اليوم ، فأغلب تلك الصور كانت لرجال برؤوس كبيرة واجسام صغيرة بصورة غير متناسبة .
 
كان رسام الكاريكاتير في الماضي يمتلك سلطة تفوق سلطة الكاتب كثيراً ، ولم تكن الرسوم مصحوبة بالكلمات النصية حيث لم تكن ثمة ضرورة لذلك ، لأن المتعلمين كانوا قلة في المجتمع . ولعل أبلغ مثال على هذا النوع من الفن الجرافيكي الساخر،هو الرسم الكاريكاتيري الذي رسمه الفنان البريطاني جيمس غيلاري ( 1756- 1815 ) وصور فيه نابليون بونابرت ( 176- 1821) قصيراً جداً ومثيراً للسخرية بقبعة كبيرة الحجم . اليوم، ونتيجة لذلك ، فأن نابليون يخيل الينا حتى اليوم ، أقصر مما كان عليه في الواقع .
.
أنتشر الكاريكاتير بعد اختراع يوهان جوتنبرج لآلة الطباعة في عام 1447، وظهور حركة الأصلاح الديني ، حيث شرع الفنانون البروتستانت في القرن السادس عشر برسم صور كاريكاتيرية للتعريض ببذخ البابا وثرائه ومقارنته بزهد يسوع المسيح ، كما في سلسلة الرسوم الثنائية ، من قبيل : “يسوع يغسل أرجل تلاميذه” – “الزوار يقبلون حذاء البابا ” و”يسوع يضع على راسه تاجاً من الشوك “-“على راس البابا  ثلاثة تيجان ذهبية “وغيرها كثير.
 وكان بين رسامي الكاريكاتير البروتستانت ،  فنانون كبار مثل البريخت  دورر ولوكاس كراناتش الأكبر ولم تمر هذه الرسوم الساخنة بسلام ، دون ملاحقة واضطهاد مبدعيها .
 
في فرنسا ازدهر فن الكاريكاتير خلال الثورة الفرنسية ، وكان موجها اساسا ضد السلطة الحاكمة ، فعلى سبيل المثال ظهرت رسوم تصور الملك لويس السادس عشرعلى هيئة خنزير سمين والملكة انطوانيت على شكل ذئبة أو خنيمة ( أنثى النمر ) .ولم تمر هذه الرسوم بسلام فقد شنت السلطة حملة ضد فناني الكاريكاتير . وكان ذلك أمراً متوقعاً ، لأن عدة دول أوروبية أخرى أصدرت منذ أوائل القرن السادس عشر مجموعة متنوعة من القوانين والمراسيم ، التي  تحظر نشر وتوزيع  الصور التشهيرية ..
لم تكن فرنسا استثناءً ، فالرقابة فيها لم تلغ ،الا بحلول عام 1789 ، ثم صدر قرار في عام 1791 يمنع نشر الرسوم التحريضية ضد السلطة ، وبعد ذلك بعام واحد ، تم اعتبار مثل هذه الرسوم جريمة خطيرة .
كانت انجلترا اكثر تسامحاً مع فناني الكاريكاتير ، ولم تكن ثمة رقابة فعلية على ” فن الطبقات الأجتماعية الدنيا ” وخاصة بعد معاهدة أميان للسلام ( 1802 ) بين انجلترا وفرنسا . وقد انتشرت الرسوم الكاريكاتيرية في انجلترا خاصة خلال فترة شيوع البروباغاندا المعادية لنابليون ، اذ حظيت بدعم حكومي .
 
 كان رد فعل نابليون على الصور المسيئة له ، المنشورة في انجلترا يتسم بالعصبية ، حيث طلب من ملك انجلترا اعتباراصحاب تلك الرسوم من الفنانين الانجليز قتلة ينبغي محاكمتهم .
 
وفي الولايات المتحدة الأميركية ، انتشر الكاريكاتير الصحفي على نطاق واسع بالتزامن مع الدول الأوروبية تقريبأ . ومع حلول بداية القرن العشرين أصبح لكل صحيفة أو مجلة أميركية رسام كاريكاتير واحد في الأقل بين العاملين فيها . ومنذ عام 1922 حصل البعض من فناني الكاريكاتير على جائزة ” بوليتزر” المرموقة في مجال الصحافة . ومع ذلك فأن الكاريكاتير الأميركي في ذلك الوقت يختلف عن الكاريكاتير الأوروبي الحديث .حيث كان الفنانون الأميركيون يبالغون ليس فقط في تجسيد افعال الأشخاص الحقيقيين ، بل ايضاً في التهكم والسخرية من اعاقاتهم الجسدية . وفوق ذلك كانت الصور ذات قوالب نمطية وطابع عنصري من حيث التركيزعلى خصائص معينة لكل مجموعة بشرية ، وهو أمر مرفوض في وقتنا الراهن لدى الشعوب المتحضرة في النظم الديمقراطية .
أما في العرق
 
الكاريكاتير بأستخدام البرامج الجرافيكية :
 
ومنذ شيوع هذا الفن في أوروبا وأميركا ، بعد اختراع آلة الطباعة وظهور الصحف والمجلات الورقية ، لم يتغير محتواه كثيرا ، وانما الذي تغير هو الأداة المستخدمة : الفحم ، القلم الرصاص ، قلم الحبر ، الأقلام الملونة السائلة أو الناعمة .  أما اليوم فأن رسامي الكاريكاتير يستخدمون البرامج الجرافيكية الكومبيوترية ، مثل :
 Adobe Illustrator   ،Corel Painter
، كما أن برنامج الفوتوشوب ادى الى نشؤ نوع من الكاريكاتير البارع الذي يركز على تحريف ملامح الشخصيات المشهورة ، ويلقى الكاريكاتير المرسوم بأستخدام هذا البرنامج شعبية كبيرة .
 
الكاريكاتير فطرة مطبوعة :
 
فن الكاريكاتير ، كسائر الفنون ، فطرة مطبوعة لا خبرة مكسوبة ، ومن حاول تعلم هذا الفن بطول  المزاولة والممارسة أو بالتحصيل الدراسي وهو لا يجد أصله في فطرته ، أضاع جهده ووقته من دون طائل . وحتى الموهبة وحدها غير كافية ، خاصة بالنسبة الى فنان الكاريكاتير السياسي .
 فهذا الفن لا يتأتى الا لمن يمتلك نظرة ثاقبة الى الأمور وقدرة على النفاذ الى جوهر الظواهر والأحداث والأشخاص. صحيح ان الواقع هو الملهم لكل الفنانين ولكن الواقع وحده لا يخلق فناناً ، لأن فن الكاريكاتير يتطلب امتلاك موهبة المزج المبدع بين الواقع والخيال ، والتفرد بأسلوب خاص ومميز لكل فنان . ويبقى هذا الفن في اطار المبادرات الفردية أكثر منه دراسة أكاديمية .
 
ما الفرق بين الكاريكاتير والرسوم المتحركة ( الكارتون )؟
 
الرسوم المتحركة في العادة هي صور تخطيطية لشخصيات خيالية ، وقد ظهرت لأول مرة في
القرن التاسع عشرعلى يد الفنان السويسري رودولف توبفير ( 1899 – 1846 )في محاولة لخلق طريقة جديدة ورائدة في رواية القصص المرحة سواء في كتب الفكاهة المصورة الحديثة ، أو نشرها في الصحف اليومية .
كانتمثل هذه الرسوم تنجز بسرعة مع بذل جهد قليل .على النقيض من الرسوم الكاريكاتيرية الساخرة أوالهجائية ، التي كانت تبذل من اجل انجازها جهوداً مضنية وتلون باليد وتطبع على ورق صقيل. وفي العادة ،  فأن الكاريكاتير الملون ينجز بحرفية عالية ، من اجل توضيح  المادة الصحفية المنشورة على نحو أفضل من الرسوم المتحركة .وما يزال هذا الأختلاف قائماً حتى اليوم  .
 وبالطبع لا شيء يبقى على حاله ، فمع اختراع فن الكومبيوتر ، قام رساموا الرسوم المتحركة بتوسيع نطاق هذا الجنس الفني من خلال خلق صور كرتون متطورة ، معقدة للغاية ، لا سيما ، الخيالية منها .
 
    الفنان البريطاني جايلز (1916-1995)، الذي نال شهرة واسعة ، بفضل عمله في صحيفة ديلي اكسبريس،ابتدع الكارتون السياسي مقابل الكاريكاتير ، وخلق ما يسمى ” اسرة الكرتون الخيالية ” التي تهيمن عليها الجدة المبهمة والتي تعد مثالا على هذا النوع من الكارتون .
كانت ” الجدة المبهمة ” تعلق في كثير من الاحيان على السياسة البريطانية والعالمية المعاصرة، ولكن ضمن بيئة خيالية ولم ينجز أى كارتون لأشخاص  من واقع الحياة. وعلى الرغم من هذه الاختلافات الواضحة، فإن مصطلح “الرسوم المتحركة” لا يزال يستخدم  كمرادف شائع  لمصطلح ” الكاريكاتير “.

أحدث المقالات

أحدث المقالات