عقرب الثواني على عجل يتسلق جدران عقارب الساعات، هكذا هو الوقت عندما تسلقوه من أمسكوا بي وأنا مستلقي على أريكتي البالية التي بالكاد تحملني، لم أشعر إلا وضجة، بلبة وصياح… جُرجِرت عنوة وبعنف أدخلوني الى حيث لا أدري غير أني سمعت صوتا يصيح… أمسِكوا به قبل أن يفر إنه هو.. هو المجنون الذي لا زالت ثيابه ملطخة بالدم والذي رأيته يولي هاربا من غرفة السيدة ميرلين حين فاجأته وهو فوقها وهي ملقاة على وجهها والخنجر مغروز في رقبتها، لم أعي نفسي إلا وتراشق من اللطمات على وجهي أسقطتني أرضا وأيد أخرى تعمل على وضع قميص ذو أكمام طويلة، ألصقوه علي بشدة بعد ربطه حتى كاد يخنقني لولا صراخي بسؤال بحشرجة من أنتم؟؟ ما الذي يحدث هنا؟
أفقت بعدها فإذا بي مكبل بالأصفاد وامامي رجل محشو بالترهل أصلع الرأس إلا من جانبيه، ذو شوارب رفيعة ينضح عرقا لا يكاد يمسح وجهه أو رقبته حتى يعود الى فعلته مرة أخرى… لم أعي إلا صوته الذي خالف شكله مما جعلني أضحك.. فقال:
تضحك ها؟… حقا أنك مجنون بالتأكيد! فتصرفك هذا يثبت أنك لا تعي عواقب فعلتك والجريمة التي قمت بها، لكن كما يبدو لي أنك من الأشخاص الذين يرغبون بالممطالة بعدم الاعتراف، خاصة أن هناك شاهد عيان على رؤيتك وانت تقتلها…
لحظتها توقفت عن النظر إليه وركزت على حركاته حين أخذ يمسح وجهه وفمه فأنتهزتها فرصة فقلت:
ببرود عذرا للمقاطعة… أرجو ان تفسح لي مجالا للحديث لتبيان الأمر إن سمحت لي.. فأنا الى الآن لا اعرف ما هو سبب جلبي وتقييدي بهذا الأصفاد؟ لكن بالتأكيد أنتم مشتبهون بي، إن وجهي وملامحي يحملها الكثير من الناس.. ألم يقول المثل يخلق من الشبه أربعين، لم افعل شيئا يذكر لقد كنت في الايام الماضية أعاني من كوابيس أثارت الرعب والهلع في نفسي بعد ان اجدني محاط ببركة من الدم يدفعني ذلك الى الصراخ كالمجنون، أظن ذاك ما أزعج من جيراني من الناس، كانوا قد حذروني بالشكوى، الغريب!! أني لا أعرف هل هو كابوس أم هلوسة؟ و انها بركة دم إلا بعد أن أفتح الباب الموصد بشدة ومحكم الأغلاق؟! غير أني تمكنت من فتحه لكي أخرج الى عالم النور الذي كشف لي أني مغطى بالدماء من رأسي حتى اخمص قدمي، حاولت لكن شيء ما يمسك بي يمنعني فتراجعت الى الوراء مغلقا الباب فإذا بخيال شخص يتوقف قرب الباب ويد تمتد الى جارور، هذا ما اعتقدته كان مجاور للباب الذي اقبع خلفه! لا أعلم كيف لمحت أنها وضعت شيئا ما!؟ لقد كان خيال إمرأة، أعدت مجددا المحاولة لكني لا استطيع إخراج سوى نصف جسمي أما النصف الآخر كأن احدا ما يمسك به يمنعه من اللحاق بِرَكب نصفي الآخر… شعرت بالخوف والاستغراب!! ثارني ذلك فغضبت دفعت الباب بقدمي التي في الخارج لكني انزلقت مما أتاح لي الفرصة كي اتوقف عن صراعي في محاولة الخروج منصتا الى الحديث الذي يجري بعد أن وصل مسامعي… لقد كان بين أثنين لم أتبين أهما رجل وإمرأة ام إمرأتان، غير أن ذات الصوت الرفيع متشنجة بعصبية تقول: إنك السبب في جعله يفقد عقله ويتصرف بجنون دون ان يحسب للخطوات او الخطة التي وضعناها كي ينفذها دون وعي منه بعد ان سيطرنا على عقله الباطن بالتنويم المغناطيسي، لكنه الآن يثير الجلبلة والشبهة لنا حتى بعد ان ألقينا به في بركة من دم الحيونات كي يظن أنها بركة دم الضحية..
حتى تلك اللحظة لم أعرف أأنا من كانت تعنيه أم شخصا آخر؟ لكن عند سماع حديث الصوت الثاني تبينت أني أنا المعني بعد أن رد قائلا: لا عليك لن يدرك او يعلم او حتى يفكر بالذي أقدم عليه، إنه يعيش عالمه الذي أحطناه به، لا تنسين أنه يعتبر مريض نفسيا، فبعد حادثة موت أبنته الوحيدة التي إإتمنتها زوجته قبل وفاتها فقدها أثناء قيادته للسيارة، لا زال يلقي اللوم على نفسه بموتها عندما يستفيق يصرخ أنا القاتل.. أنا قتلتها ذاك ما شجعني على ان أتخذه شخصا مناسبا لما خططنا له..
رد الصوت الآخر: بل ما خطتت له وحدك بعدها شاركتك مجبرة بعد تهديدك لي بكشف سرقتي للمال من جارورك الى الشرطة، ولولا كاميرا المراقبة سجلت ذلك ما وقعت رهينة فعلتي ولما كنت أشاركك الجريمة التي تنوين فعلها للخلاص من….
أستغربت أكثر!! وانا استشعر بأني أنا المعني بخططتهما، فلا زلت اتلقى العلاج النفسي بعد تلك الحادثة المشؤومة التي قلبت حياتي رأسا على عقب، لذا دأبت على العمل لاخراج نفسي بسرعة كي أمكنها من الهرب.. فعلا سارعت بمد يدي الى الخزانة الصغيرة المجاورة للباب والتي تمكنت من فتح جارورها للبحث عن اي شيء يُمَكنني من فتح ما يمسك بقدمي الاخرى، كان آلة حادة وأشياء أخرى تمكنت بها فتح القفل بصعوبة مما اتاح لي الخروج من الغرفة، تسللت خلسة حتى وصلت الباب أظنه الرئيس كي اهرب، غير أني توقفت فجأة الى رغبة بداخلي تدفع بي كي أكمل سماع الحديث.. فعدت بعد أن تاكدت أنه لا يوجد غيرهما في المنزل، جلست خلف كرسي عريض قريب من المكان الذي يتحدثان فيه…
كان المحقق ينصت ويدون ثم ردد… حسنا تفعل فالإعتراف يقيك الكثير من سوء المعاملة، كما أنه يبقيني بعيدا عن البحث في حيثيات أخرى كوني قادم على التقاعد ولا اريد ان تنال مني هذه القضية الجهد والإرهاق، فقد بت أمقت مهنتي التي احب لكثرة ما رأيت من جرائم قتل وأغتصاب وأبتزار وغيرها.. عليكم اللعنة أنتم لستم بشر ابدا بل مخلوقات شيطانية همها قتل الحياة.. هيا اكمل عليك اللعنة
لا ادري بم تحدث هذا المحقق، فالصور تتطلاطم في رأسي، لكني شعرت بأنه ممتعض بعض الشيء فأسترسلت على سجيتي وصف الكابوس الذي يزهق انفاسي في كل مرة أراه.. تلك اللحظة قررت صاحبة الصوت الرفيع ان تسدل الستار على خطتها بنهاية مفجعة بعد ان أقدمت على قتل من كانت تحاور، عرفت ذلك بعد أن فُتح الباب وجسم ينم عن قوة يجر جثة إمرأة، الدم يتدفق من رقبتها حيث نصل مغروز حتى نهايته، وضعت يدي على فمي خوف ان تدخلها في الغرفة التي كنت فيها، لكن سرعان ما تبين لي أنها قد فتحت باباً أخر دافعة بجثة المرأة الى الداخل، بعدها رجعت حيث كانت، شعرت بأني أتدحرج نحو متاهتي التي ابحث فيها عن مخرج يقيني من الجنون، اخرست أنفاسي حتى لا تسمع صوت هلعي، بحذر شديد.. شديد جدا، جعلت بؤبوا عيناي يتحركان دون ان يحدثا شبهة في حركة الى هذا الحد كنت مرعوبا أتصدق ذلك؟!! تحركت صوب الغرفة التي وُضِعت فيها الجثة فقط لمعرفة من تكون؟! أيعقل أن تكون هي نفسها الطبيبة النفسية التي تعالجني!؟ يا لسخرية القدر كم هي نحسة الحياة التي تتبعني بويلاتها التي لا تنتهي، ترى ما هي جريرتي ما الجرم الذي اقترفته كي تسخر نفسها تدمير حياتي؟ دخلت.. اقتربت فقط كي أرى وجه الجثة الملقاة على وجهها، مددت يدي اقلبها كي أتبين من تكون؟ سرعان ما تراجعت الى الخلف مصطدما بالطاولة الصغيرة التي كان عليها آنية الزهور فسقطت الى الأرض محدثة الضجة… سارعت بدوري نحو أقرب باب كان أمامي غير ذلك الباب هاربا من الغرفة، كان هناك باب آخر يقود إليه دهليز مظلم حيث أمطت اللثام عن ظلمته حال فتحي الباب موليا مطلقا لأرجلي الريح… بعدها لم أشعر إلا وأنتم تلقون القبض علي… هل أنتم جزء من الكابوس الذي أراه في كل ليلة؟ أم انكم جئتنم كي تنهوا كوابيسي بعد ان ألبستموني هذا القميص!؟
المحقق: ههههههههه لا بأس إدعي الجنون، فمثل حالتك مر علي الكثير بعد ان وجدوا انفسهم قريبين جدا من الكرسي الكهربائي.. يا هذا إن الشاهدة التي سمعتك تتحدث مع القتيلة قبل ان تقتلها مهددا إياها، وشاهدتك تولي هاربا بعد إقدامك على قتلها…
صرت أنظر إليه وهو يثرثر دون ان أجيبه، لكن بعد أن عيل صبري قلت له:
يا سيدي إني أنا الضحية ولست القاتل، لقد سردت لك الكوابيس التي كنت أراها ولم تفكر لِلحظة بأنها ليست كوابيس بل هي ما زرعته تلك الطبيبة النفسية والمرأة الشاهدة في عقلي الباطن، جعلتني أصدق بإني مجنون أعاني هول الكوابيس لغرض ما هما يعلمانه وانا أجهله، يبدو أنك لم تصدق ما قصصت لك وصدقت أنت أيضا بأني مجنون مريض نفسيا مغرم بالقتل، هذا ما اوحته لك المرأة التي تشهد بأنها رأتني ولم تتبع قولي بأنها كانت لصة وشاركت في العمل على القيام بجريمة القتل التي يجب علي أن أقوم بها، ولولا اختلافهما وقتل الشاهدة للمرأة لما كشفت الحقيقة.. أم تراك غير مهتم ومتابعة ما أقول في البحث عن الحقيقة.. اشبعت نفسك ترهلا واتخمت حياتك من الجرائم حتى أحالتك الى التقاعد فأردت أن تختمها بي كي تقنع نفسك أنك رجل قانون بحق وغفل عنك أن ليس كل جريمة قتل يكون المشتبه بها هو القاتل… عليك مراجعة أقوالي ومن ثم اعطيك برهان برائتي…
المحقق: هيا اختلق قصة من نسج الخيال، ها أنت تبدو عاقلا بعد أن علمت بضيق الخناق حول انفاسك، لكن لا يعني ذلك أنك لست بعيدا عن الجريمة، تمثيلك بأنك الضحية لا يعطيك المجال لإقناعي.. فجأة دخل شخص آخر وهمس في أذن هذا المترهل ثم أخرجه معه… فترة من زمن عاد المحقق ورجل آخر قائلا:
حسنا لقد أقنعت من سَمِعك في الخارج وعليك الآن تأكيد قصتك وإقناعنا جميعا بالدليل..
حسنا سأفعل أولا عليكم التحقق من هذا الدم، فأنا متأكد بأنكم ستجدون أنه دم حيوان وليس دما بشريا، أما الدليل الآخر ارجو فك هذا القميص كي أعطيكم الدليل الأكيد على صدق حديثي وبرائتي..
الرجل الآخر مشيرا الى المحقق بنزع القميص والاصفاد عنه…
هاهو الدليل المؤكد إن صدق حدسي هذا القرص يبين لكم ما قامت به الشاهدة من سرقة اموال القتيلة وإتخاذه دليل تهديد للتعاون معها في جريمة قتل شخص ما لا اعرفه، لكنكم بالتأكيد ستعرفونه من الشاهدة.