9 أبريل، 2024 4:43 م
Search
Close this search box.

الكائن وما يكون بين القضاء والقانون (إبطال عريضة الدعوى انموذجاً)

Facebook
Twitter
LinkedIn

في احدى المحاضرات التي قدمتها للمختصين في القانون والقضاء ، تناولت إجراءات تقديم عريضة الدعوى وأشرت الى المواد التي تبين ماهية البيانات الواجب اتباعها وعلى وفق ما ورد في المادة (46) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل، ثم عرجت على الفقرة (1) من المادة (47) مرافعات المتعلقة بوجوب تقديم قائمة بمستندات الدعوى ونسخ مصورة منها قبل تحديد موعد للمرافعة التي جاء فيها الاتي (على المدعى عند تقديم عريضة دعواه ان يرفق بها نسخا بقدر عدد المدعى عليهم وقائمة بالمستندات التي يستند اليها مرفقا بها صورا من هذه المستندات ويجب عليه ان يوقع هو أو وكيله على كل ورقة مع إقراره بمطابقتها للأصل، وتقوم المحكمة بتبليغها للخصم) كما ان الفقرة (2) من تلك المادة قضت بعدم قبول عريضة الدعوى اذا لم ترفق بها تلك المستندات وقائمتها وعلى وفق النص الاتي (لا تقبل عريضة الدعوى، اذا لم ترفق بها المستندات والصور المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة، إلا اذا كانت الدعوى من الدعاوى التي يجب إقامتها خلال مدة معنية، وكانت هذه المدة على وشك الانتهاء) ، باستثناء الدعاوى التي يجب إقامتها خلال مدة معينة وتلك المدة شارفت على الانتهاء لان مضيها سوف يؤدي الى عدم قبولها لاحقاً مثال ذلك دعوى التعويض عن الفعل غير المشروع يجب ان تقام خلال خمسة عشر عام وان هذه المدة قاربت على الانقضاء المشار اليها في المادة (232) مدني أو دعوى الكسب دون سبب خلال ثلاثة سنوات المشار اليها في المادة (244) مدني، فان القانون أجاز للمحكمة قبول عريضة الدعوى على ان لا تحدد لها يوم للمرافعة وان يقوم المدعي بتقديم تلك المستندات خلال ثلاثة اشهر من تاريخ دفع الرسم ، فاذا لم يقدم تلك المستندات خلال تلك الفترة فان الفقرة (3) من المادة (47) مرافعات قضت بإبطال عريضة الدعوى بحكم القانون، وأصبحت هذه الصورة من صور إبطال عريضة الدعوى وعلى وفق النص الاتي (لا يجوز تعيين يوم للنظر في الدعوى المشمولة بأحكام الفقرة (2) من هذه المادة، الا بعد تقديم المستندات والصور، وفي حالة عدم تقديمها خلال ثلاثة اشهر من تاريخ دفع الرسم، تعتبر عريضة الدعوى، مبطلة بحكم القانون)، هذا ما يجب ان يكون عليه الحال بموجب القانون، لكن ما هو كائن في تطبيقات القضاء غير هذا الحال، فإننا نرى ان اغلب العرائض عندما تقدم لم يرفق بها كامل مستندات الدعوى أو بعض منها مع انه المدعي يشير اليها في صلب العريضة، وعندما كنت في العمل القضائي فان كثيراً من الزملاء المحامين يتحجج بان وقته ضيق وانه سيرفقها لاحقاً وقبل المرافعة او في الجلسة الأولى، وكان القضاة وانا منهم في حينه نخضع لهذا الطلب واعتقد ما زال العمل جارياً على وفق ذلك، ثم بعد تحديد موعد للمرافعة وفي الجلسة الأولى يطلب المدعي او وكيله إمهاله لتقديم تلك المستندات وتم الاستجابة ويتم تأجيل المرافعة ولربما تتكرر تلك الطلبات لذات السبب ويطول امد النزاع على الرغم من عدم جواز التأجيل لذات السبب لأكثر من مرة وعلى وفق حكم المادة (62) مرافعات التي جاء فيها الاتي (لا يجوز للمحكمة تأجيل الدعوى الا لسبب مشروع ولا يجوز التأجيل اكثر من مرة للسبب ذاته إلا اذا رات المحكمة ما يقتضى ذلك لحسن سير العدالة)، ومع ذلك نجد ان المحاكم تعج بمثل تلك الدعاوى، فاذا ما حاول القاضي تدارك ما فاته عند قبوله عريضة الدعوى وتحديد موعد المرافعة فانه يقوم بإبطال عريضة الدعوى لاحقاً وبعد السير في جلسات المرافعة مستنداً الى نص المادة (47/3) مرافعات على اعتبار ان عدم تقديم المستندات يكون سبباً لإبطال عريضة الدعوى، لكن هذا الاتجاه غير صحيح، لان حكم الفقرة (3) من المادة (47) مرافعات قد جاء في صورة واحدة تتمثل بعدم تقديم المستندات خلال المدة التي أشار اليها النص (ثلاثة اشهر) بعد دفع الرسم وقبل ان يتم تحديد موعد للمرافعة فيها، أما اذا سهى القاضي أو تعمد قبول العريضة في حالتها أعلاه وحدد لها موعد للمرافعة ومن ثم قرر ابطال عريضة الدعوى لاحقاً على تحديد موعد مرافعاتها، فان محكمة التمييز الاتحادية ومحاكم الاستئناف بصفتها التمييزية، قد اعتبرت هذا القرار غير صحيح وفي بعض قراراتها قضت بنقضه ومنها ما جاء في قرار محكمة استئناف بغداد الرصافة الاتحادية بصفتها التمييزية العدد 68/م/2008 في 28/2/2008 وجاء فيه (أن محكمة البداءة أصدرت قرارها بإبطال عريضة الدعوى بالاستناد إلى الفقرة (3) من المادة (47) من قانون المرافعات المدنية وحيث أن المحكمة قد نظرت الدعوى ولجلسات عدة فإنها تكون غير مشمولة بالإبطال المنصوص عليها في الفقرة (3) أعلاه) أما محكمة التمييز الاتحادية وفي قرارها العدد 404/م4/1974 في 4/6/1974 فإنها سارت بالأمر الى ابعد من ذلك فإنها قضت بعدم جواز إبطال عريضة الدعوى بعد قبولها وتحديد موعد مرافعتها وتأخر المدعي كثيراً بتقديم تلك المستندات، وإنما عليها ان ترفض استلام تلك المستندات حتى وان تقدم بها لاحقاً وتقضي برد الدعوى لعدم تقديم المستمسكات المطلوبة منه على وفق أحكام المادة (59/1) مرافعات والقرار أعلاه منشور في النشرة القضائية العدد الثاني السنة الخامسة ص268 وقبل ان يتم إضافة الفقرتين (2و3) إلى نص المادة (47) مرافعات بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 709 السنة 1979 الذي عدل قانون المرافعات، نقلاً عن الدكتور أجياد ثامر نايف الدليمي في كتابه الموسوم ( إبطال عريضة الدعوى المدنية للإهمال بالواجبات الإجرائية دراسة تأصيلية تحليلية مقارنة ـ منشورات بيت الحكمة طبعة بغداد عام 2012 ـ ص484) كما أشار الدكتور أجياد الدليمي أيضاً إلى قرار اخر بالعدد 1337/م3 منقول/1988 في 13/6/1988 وهذا القرار بعد تعديل المشار اليه وقضى بان عدم تقديم المدعي المستندات يعد قرينة على عجزه عن الإثبات ومنحه جق تحليف المدعى عليه اليمين الحاسمة) ، كما ان قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 18 لسنة 1997 المعدل لقرار المجلس المنحل العدد 669 لسنة 1987 قد اعتبر طلبات التأجيل المتكررة قرينة على ضعف حجة الخصم طالب التأجيل يمكن ان تعتمدها المحكمة عند إصدارها الحكم.
لذلك ومما تقدم فان النصوص القانونية التي توجب ما يكون عليه الحال عند عدم تقديم المستندات بعدم قبول عريضة الدعوى ومن ثم إبطالها اذا قبلت بشروطها المذكورة في المادة (47) مرافعات ، بينما نجد ان الكائن والحاصل والسائد في العمل القضائي غير ما يجب ان يكون، فاصبح عرفاً قضائياً معطلاً للنصوص القانونية، عندما تراخينا في تطبيق المادة (47) مرافعات واصبح العمل بقبول عريضة الدعوى من المسلمات، حتى لو لم ترفق فيها مستندات الدعوى ويتم تحديد موعد مرافعتها، وان لم تكن من الدعاوى المستثناة في تلك المادة، التي يجب تقديمها خلال مدة محددة، كما ان العمل القضائي سار على استمرار التأجيل بعد ذلك لفترات متعددة، فاصبحنا بين ما يجب ان يكزون عليه الحال بحكم القانون وبين ما نحن عليه بموجب التطبيق القضائي لتلك النصوص، وهذا الحال بلا ادنى شك سينفي تحقق غاية التشريع في تسهيل التقاضي وسرعة إيصال الحق إلى صاحبه وقطع دابر المماطلة عبر التأجيل وافة القضاء التأجيل.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب