19 ديسمبر، 2024 9:02 ص

القُبرة والفيل .. وساستنا

القُبرة والفيل .. وساستنا

في كتاب (كليلة ودمنة) ج1ص29 ، حكاية القبرة والفيل جاء فيها :
أن القبرة اتخذت ادحية (عش ) وباضت فيها على طريق الفيل ، وكان للفيل مشرب يتردد إليه ، فمر ذات يوم على عادته ليرد مورده فوطئ عش القبرة وهشم بيضها وقتل أفراخها ، فلما نظرت ما ساءها منه علمت أن الذي نالها من الفيل لا من غيره ، فطارت فوقعت على رأسه باكية ثم قالت: أيها الملك لم هشمت بيضي وقتلت أفراخي وأنا في جوارك ؟ أفعلت هذا استضعافاً منك لأمري واحتقاراً منك لشأني ؟ قال : هو حملني على ذلك .
فتركته وانصرفت إلى جماعة من الطير فشكت إليهن ما نالها من الفيل ، فقلن لها: وما عسى إن نبلغ منه ونحن طيور ؟ فقالت للعقاعق والغربان: أحب منكن إن تصرفن معي إليه فتفقأن عينيه ، فإني احتال له بعد ذلك بحيلة أخرى .
فأجبنها إلى ذلك وذهبن إلى الفيل فلم يزلن ينقرن عينيه حتى ذهبن بهما وبقى لا يهتدي إلى طريق مطعمه ومشربه إلا ما يقمه من موضعه.
فلما علمت القبرة ذلك منه جاءت إلى غدير فيه ضفادع كثيرة فشكت إليهن ما نالها من الفيل، قالت الضفادع: ما حيلتنا نحن في عظم الفيل ، وأنّى نبلغ منه ؟ قالت: أحب منكن إن تصرفن معي إلى وهده ( حفرة ) قريبة منه فتنقنقن فيها وتضججن . فإنه إذا سمع أصواتكن لم يشك في الماء فيهوي فيها .
فأجبنها إلى ذلك واجتمعن في الهاوية فسمع الفيل نقيق الضفادع وقد أجهده العطش ، فأقبل حتى وقع في الوهده ( الحفرة ) فاعتطم ( هلك ) فيها ، وجاءت القبرة ترفرف على رأسه ، وقالت : أيها الطاغي المغتر بقوته المحتقر لأمري كيف رأيت عظم حيلتي مع صغر جثتي عند عظم جثتك وصغر همتك.
فساستنا يعدون انفسهم كهذا الفيل ، تماما ، بنفس قوته وضخامته ، وجبروته ، ويعدون الشعب ، الذي انتخبهم ، عن طريق الغش والكذب والتدليس ، كهذه القبرة . فالشعب بنفس ضعف هذه القبرة ، فراحوا يسرقون امواله ، وينهبون ثرواته وخيراته ، لأنه ساكت ، وخانع ، وينتظر عطفهم ورحمتهم أن تطل عليهم ، لكنهم بلا ضمير ولا رحمة ، ولا رأفة . اثنا عشر سنة عجاف من التسلط والفوضى والقتل بالمجان ، والطائفية المقيته التي زرعوها في الشعب ، وغير ذلك من الكوارث ، والقبرة – الشعب – لا تحرك ساكنا ، وهي لديها كل وسائل التغيير او ازاحة هذا الفيل عن الغابة . فهذه الحشود المليونية المتوجة الى كربلاء ، سيرا على الاقدام للزيارة الاربعينية ، لو انها بعد ذلك تجهت الى المنطقة الخضراء ، والفيل في مكمنة ، فتقبض عليه ، ليس بحيلة ، كما فعلت القبرة ، بل بالقوة ، وانهت جبروته وعنجهيته ، وسيطرت على الحكم ، الم يكن خيرا فعلت .
الم يعلم الجميع أن الامام الحسين بن علي قد خرج من اجل انها الظلم والفساد والتسلط ، ليحق الحق وينهي الباطل ، فعلماء الشيعة يقولون ان الحسين ما كان طالبا سلطة ، وانما خرج لأنهاء الفساد والارهاب القائم آنذاك . وعليه فأن ذلك الحماس وتلك الشعلة التي حملها الامام الحسين لا تزال الى الآن كالجذوة المحرقة ، وان كل الثورات التي جاءت بعد معركة الطف كانت تستمد قوتها وشرعيتها من تلك الثورة الخالدة .
فهل ان تلك القبرة الضعيفة هي اعظم خبرة وذكاءً من شعب قيل ان له حضارة ضاربة في عمق التاريخ ؟ ! .

أحدث المقالات

أحدث المقالات