هل العصر الحالي محتاج الى هذه الاحاديث ؟
لكل مرحلة من مراحل العصر سياقاتها الخاصة و طبائعها المختلفة و علومها المرتفعة وسايكلوجية الافراد المعرفية و الحركية تختلف تماماً من وقت لأخر فلا يمكن ربط الماضي بالحاضر وفق منهج معطوب و إقحامه في حياة الناس على انه جاء من اناس كانوا قريبين من الرسول و الرسالة والحال أن الذين كانوا في زمن الرسول تخاصموا و تلاعنوا وتقاتلوا ونحر أحدهم الاخر وهذا من المسكوت عنه في ظل ثقافة التخويف . كيف لنا ان نوفق بين مرحلتين متباعدتين زمنياً و معرفياً و تكنلوجياً و مدنياً , هم عاشوا حياتهم كما أرادوها هم فلماذا لا يترك الناس في عصرنا ان يعيشوا أحراراً من دون إيهامهم و تضليلهم بالرجوع الى عصر الصحابة عصر سالت فيه دماء وسملت فيه أعيناً وقطعت فيه رؤوساً . لماذا يطلب منا ان نتقيد باحاديث بعيدة كل البعد عن أخلاق الرسول ؟ أحاديث أختلق بعضها و حرف الاخر وغير المعنى في الكثير منها ؟
ينقل ابراهيم فوزي في كتابه تدوين السنة : قد يأمر رسول الله بشئ أو ينهى عنه في حالة خاصة فيفهم الصحابة انه تشريع مؤبد فيسألون الرسول التخفيف لما يلحق بالمسلمين من حرج فيبين لهم ان ذلك ليس مؤبداً بل جاء لعلة خاصة .
يعتقد البعض ان التاريخ كان الامضى و الاقوى في تفريق المسلمين , نعم كان التاريخ كذلك لكنه ليس كالاحاديث المدسوسة و الملفقة ولأن التاريخ ليس فيه إلزام في حال العبادات و المعاملات إنما هو الاثر الزمني للأفراد نطلع عليه لكي نزداد بغضاءً و شحناءً و عداءً , لكنه يبقى ماضياً لا يستطيع الفقهاء اصدار فتاوى على ضوء نظرية التأريخ . الحال يختلف في الاحاديث او ما يسمونه بالسنة النبوية لأنهم يعتمدون ( المسلمون جميعهم بشتى اطيافهم ) على هذه الاحاديث في استخراج الفتاوى وهذه الفتاوى مكتوبة الى عصرنا و مرحلتنا , حديث رواه صحابي قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة ثم أهمل هذا الحديث وترك لفترة المأتين عام بعدها جاء شيخ من أقصى بلاد الله ليستخرج هذا الاحديث و يضعه في كتابه ليكون دستور حياتنا الحالي و شفيعنا الى الله و مقربنا منه سبحانه !!
إنها مهزلة نعم مهزلة تلك التي يدعوك إليها أرباب العمائم و اللحى الى الانسياق وراء تفاهتم وجهلهم وتخلفهم و زيفهم ثم يدعونك ان تؤمن بقوة بكل ما يرد منهم من فتاوى و أحكام , ورغم إني استشعر بمجسات غير مرئية أن القادم سيكون فيه من المأساوية ما لا يحتمل لكن هذه القسوة و المأساة ستجعل الكثيرين ينعتقون من منظمات تشبه الماسونية و طوائف متيبسة على أعتاب الماضي و موروثات و طقوس بذيئة دنيئة متوحشة .
ما كان الرسول مختلياً بحاله جالساً في بيته يستنكف من مشاركة الناس في أعمالهم و حرفهم , بل كان واحداً منهم يفرح لفرحهم و يحزن لحزنهم يزورهم ويزورونه يضحكون ويمرحون يعملون ويكدحون , يشير عليهم برأيه الخاص فيتذمرون أحياناً و يتقبلون أحايين كثيرة . مرّ ذات يوم فوجد الناس يأبرون النخل فقال ماذا تصنعون قالوا كنا نصنعه , قال لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً فتركوه فنقضت فذكروا ذلك له فقال : إنما انا بشر إذا أمرتكم بشي من دينكم فخذوا به و إذا أمرتكم بشي من رأيي فإنما أنا بشر . ( القاضي عياش 178 )
ومن هذا الكم الهائل من النصوص المنقولة عن الرسول نستطيع ان نميز بعض لمحات وحركات الرسول البشرية التي كان يتعامل بها مع الناس جميعاً , ليس لنا ونحن نعيش في عصر يختلف ومنظومة من المعارف المختلفة عن ذلك العصر ليس لنا الا استخدام العقل امام هذه النصوص و ليس العكس فالنص منتوج بشري قابل للتغيير و التبديل و الإلغاء أما العقل فهو المنتج إلالهي يرتفع و يرتفع الى اللانهاية , فالنصوص التي إختلقها إجدادنا لمرحلة ما و زمن ما لا تصلح ان تمرر على هذا الزمن وفي هذه المرحلة الصاعدة من حيث الوعي .
هذه المرحلة تحتاج من الواعين ان لا يتيبسوا على النص و يحاولوا الارتقاء بالعقل لكي يرشدهم الى حيث الصواب من عدمه . يقول الشيخ شلتوت في كتابه الاسلام عقيدة وشريعة ( أن كثيراً مما نقل عن النبي صدر بأنه تشريع او دين او سنة او مندوب وهو في الحقيقة لم يكن صادراً على وجه التشريع أصلاً وقد كثر ذلك في الافعال الصادرة عنه بصفته البشرية او بصفته العادية او التجارب )
فمتى يقرأ المسلمون الرسول على انه الانسان البشري دون استعلائه على الناس ومتى يدركوا ان الاحاديث التي نسبت اليه هي ليست له وانه كان يتعامل مع ذلك العصر وفق معطياته و ضروراته واذا جاء الرسول محمد اليوم فسيسير بالناس على ضوء منهج الحضارة الحديثة فسيركب السيارة و الطيارة و سيقلع عن ركوب الخيل و سيجد نفسه غريباً بين أمة تدعي نهجه وحبه؟